تحفظ قانونيون وحقوقيون مصريون على جدوى التعديلات التشريعية، التي تقدم بها "مجلس أمناء الحوار الوطني" إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووعد الأخير بوضعها في الاعتبار، قائلاً إنه وجه الحكومة والأجهزة المعنية بدراستها، والتي تسمح بإشراف الهيئات القضائية على الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024.
وقال "مجلس أمناء الحوار"، في بيان صدر بعد اجتماعه مساء الأحد الماضي، إنه تقدم لرئيس الجمهورية بأول مقترحاته التشريعية باستمرار الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات والاستفتاءات، والمقرر انتهاؤه في 17 يناير/ كانون الثاني 2024، بحسب ما هو منصوص عليه في دستور 2014 المعدل في 2019.
جمال عيد: القضاء أصبح خصماً للمعارضة المصرية ولسيادة القانون
ورد السيسي بمنشور على صفحته على "فيسبوك"، الإثنين الماضي، قال فيه: "تابعت باهتمام جلسة مجلس أمناء الحوار الوطني بالأمس (الأحد)، وإنني إذ أُثمن العمل المستمر من أبناء مصر المخلصين الذين يسعون نحو الحوار والنقاش من أجل مصرنا العزيزة، فإنني أؤكد الأخذ بالاعتبار ما تمت مناقشته في جلسة أمس (الأحد)، في ما يتعلق بالتعديل التشريعي الذي يسمح بالإشراف الكامل من الهيئات القضائية على العملية الانتخابية، ووجهت الحكومة والأجهزة المعنية في الدولة بدراسة هذا المقترح وآلياته التنفيذية".
وبحسب القانون رقم 198 لسنة 2017، يُشكل مجلس إدارة اللجنة العليا للانتخابات من 10 أعضاء بالتساوي بين نواب رئيس محكمة النقض، ورؤساء محاكم الاستئناف، ونواب رئيس مجلس الدولة، ونواب رئيس هيئة قضايا الدولة، ونواب رئيس هيئة النيابة الإدارية، ويختارهم مجلس القضاء الأعلى (يرأسه السيسي)، والمجالس الخاصة والعليا للجهات والهيئات المذكورة (يعين السيسي رؤساءها)، ويصدر بتعيين أعضاء مجلس إدارة لجنة الانتخابات قرار من رئيس الجمهورية.
وأعطى دستور 2014 وتعديلاته في 2019، مهلة 10 سنوات لإنهاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية، على أن تحل محلها هيئة وطنية مستقلة لإدارة الانتخابات، وهي الهيئة التي لم تتشكل حتى الآن.
محاولة لإضفاء مشروعية على الانتخابات
وقال الكاتب والحقوقي بهي الدين حسن: "لا أرى أن هناك أي إضافة يقدمها التعديل التشريعي المقترح على قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، وهو مجرد محاولة لإضفاء مشروعية سياسية على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي تفتقد لأي مشروعية، استناداً إلى ما حدث في الانتخابات الرئاسية في العام 2018، عندما أُلقي القبض على اثنين من القيادات العسكرية: الفريق سامي عنان، والعقيد أحمد قنصوة، وعلى عبد المنعم أبو الفتوح، ما اضطر باقي المرشحين إلى الانسحاب من ترشحهم مثل المحامي خالد علي".
وأضاف حسن: "هناك محاولة للحديث والتمسك في الإشراف القضائي، رغم أنه للأسف لا توجد ثقة في القضاة داخل المحاكم نفسها، وليس للإشراف على الانتخابات. والحديث هنا ليس فقط في القضايا السياسية أو القضاة في محاكم أمن الدولة، ولكن حتى في المحاكم الأخرى".
وتابع حسن أن "إهانة المنظومة القضائية بهذا الشكل، لهي أكبر خسارة خسرتها مصر خلال السنوات العشر الماضية"، وقال: "لقد بدا واضحاً بهذا الأسلوب أن الحوار الوطني ربما كان الهدف الأساسي منه ليس إجراء حوار بين القوى السياسية، لكن إضفاء مشروعية سياسية زائفة على العملية الانتخابية".
وقال المحامي والحقوقي جمال عيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن تمديد الإشراف القضائي على الانتخابات لا يعنيني، لأنه لا يوجد إشراف قضائي حقيقي، والأجدى وجود إشراف دولي، وليس من اختيار الدولة، لأن الدولة سمحت في الانتخابات الرئاسية في 2014 و2018 برقابة من المنظمات الفاسدة والمتواطئة، سواء من داخل مصر أو خارجها".
القضاء أصبح خصماً للمعارضة
وبرأيه، فإن "القضاء أصبح خصماً للمعارضة المصرية، وخصماً لسيادة القانون، بعدما وحدت الدولة السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) في يد جهة واحدة، وهي مؤسسة الرئاسة، وبالتالي فلا ثقة على الإطلاق في أي انتخابات دون رقابة وإشراف دولي".
وتعليقاً على بيان الحركة المدنية الديمقراطية الذي رحبت فيه باقتراح موعد انطلاق "الحوار الوطني" في 3 مايو/ أيار المقبل، والتعديل التشريعي الخاص بتمديد الإشراف القضائي على الانتخابات، ورهنت مشاركتها في الحوار بالاستجابة إلى مطلبها بالإفراج عمن وصفتهم بـ"سجناء الرأي"، قال عيد إن "الحركة هي جزء من المعارضة المصرية، لكنها لا تمثل كل المعارضة، وإن كانت عرجاء لكنها غير كسيحة. فإما أن يجبروا الدولة على الإفراج عن المعتقلين وإما أن ينسحبوا من الحوار ويفضحوا المنظومة البوليسية، أو يوافقوا على تلك الشروط المتدنية ويفقدوا مصداقيتهم لدى الشعب".
من جهته، أكد المحامي محمد رمضان أن "الأزمة ليست متعلقة بتمديد الإشراف القضائي على الانتخابات أو تعديل النص بما يُلزم الهيئة الوطنية للانتخابات بالاستعانة بالقضاة للإشراف على الانتخابات بنظام قاضٍ لكل صندوق، إنما الأزمة تتمثل في تكريس الهيئة الوطنية لإدارة العملية الانتخابية، بينما هي هيئة مختارة من السلطة التنفيذية، وهو أمر كارثي".
محمد رمضان: القضية في وجود إشراف قضائي حقيقي ومستقل غير تابع للسلطة التنفيذية
وأوضح رمضان أن "الأصل في قضية الإشراف القضائي على الانتخابات هو الفصل بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وهو أمر غير قائم حالياً، في ظل التعديل الدستوري الأخير عام 2019، والذي نصب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيساً للمجلس الأعلى للهيئات القضائية، وبالتالي هو المتحكم في القضاء وفي تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات". وتابع: "القضية ليست في تمديد الإشراف القضائي، ولكن في وجود إشراف قضائي حقيقي ومستقل غير تابع للسلطة التنفيذية".
وحول تقدم "مجلس أمناء الحوار الوطني" بمقترح تشريعي يسمح بتمديد الإشراف القضائي على الانتخابات، قال رمضان إنه "من المفترض وجود لائحة داخلية تُنظم وتحكم عمل مجلس أمناء الحوار الوطني، ومن المفترض أيضاً أن خروج أي توصيات بشأن مشاريع قوانين أو تعديلات تشريعية يتم نتيجة حوار ونقاش مجتمعي. فالسؤال هنا: لماذا يخرج مجلس الأمناء بتوصيات قبل بدء الحوار، ولماذا لا ينتظر لسؤال الأحزاب والنقابات المهنية والمنظمات الحقوقية والقوى السياسية عن رؤيتها؟ وماذا إن رغبت القوى السياسية في تعديل الدستور لضمان فصل السلطات ووجود استقلالية حقيقية للقضاء؟".
من جهته، قال المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات محمد لطفي: "أياً كانت أهمية أو معنى الإشراف القضائي على الانتخابات، فالأجواء العامة في مصر لا تسمح بتعدد الآراء والمنافسة الشريفة، فيجب في البداية إتاحة الفرص للجميع، ووقوف أجهزة الدولة على مسافة واحدة من جميع المنافسين، وليس الأجهزة الرسمية للدولة فقط، ولكن أيضاً الصحافة والإعلام القومي والخاص، وكذلك الأجهزة المسؤولة عن إدارة العملية الانتخابية".
وأضاف لطفي: "رأينا في الانتخابات الرئاسية 2018، تدخلاً سافراً من السلطة التنفيذية لصالح مرشح بعينه، ومن أجل ترهيب الآخرين، وفي ظل استمرار هذه الأجواء القمعية والتحيزية من أجهزة الدولة، فلا رجاء لنا في انتخابات حرة ونزيهة".
وتابع أن "الإشراف القضائي شرط ضروري، خاصة في حالة مصر، لكنه ليس بالشرط الوحيد أو الكافي لضمان عملية انتخابية نزيهة، فهناك شروط أخرى، على رأسها توفير وضمان أجواء حرة تسمح بتعدد الآراء وحرية التعبير والاجتماع، ولذلك تصر الحركة المدنية الديمقراطية على مطالبها بالإفراج عن المعتقلين، كي تكون إشارة بتغير المسار والنهج المتبع منذ سنوات".