استمع إلى الملخص
- الإدارة الأميركية، رغم تجاهل تحذيرات بوقف إمدادات السلاح لإسرائيل، تسعى لترتيبات أمنية ما بعد الحرب مع السعودية وإسرائيل دون معالجة جذور المشكلة، مما يشير لمحاولة استقرار سطحي.
- الإدارة تواجه انتقادات داخلية وخارجية لترددها في الضغط على إسرائيل، خاصة بعد قرارات المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية، مما يعمق الانقسامات الداخلية ويضعف موقفها الدولي.
قرارات المحكمتان الدوليتيان (الجنائية والعدل) الأخيرة بخصوص حرب غزة أحرجت الإدارة الأميركية، وزاد من ارتباكها تزامن دخول القانون الدولي على الخط مع اعتراف ثلاث دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، ومن المتوقع أن يزداد عددها قريباً. وقد زادت هذه التطورات من انكشاف تعاملها الملتوي مع الحرب من حيث أنها شريكة فيها وبنفس الوقت تريد في الظاهر لعب دور الكابح لإسرائيل. وعندما تتمرد هذه الأخيرة المدركة عدمَ جدية الردع الأميركي، تتراجع الإدارة عن تحذيراتها وتلويحاتها بالعواقب وبما أدّى إلى استمرار مسلسل الفجور الإسرائيلي الدموي في القطاع. وبذلك، انتهت بعد دخول الأزمة في شهرها الثامن إلى "فشل أخلاقي وعملي وسياسي، وبدت كأنها كانت متواطئة في مجزرة المدنيين الفلسطينيين"، بتعبير المعلق المعروف نيقولاس كريستوف. توصيفه يلخّص الانطباع العام لدى فريق من الرأي العام الأميركي المعترض على سياسة الإدارة الأميركية، وخاصة في صفوف حزب الرئيس الديمقراطي، فيما تقابله نقمة واسعة ومفتعلة لأغراض انتخابية في صفوف الجمهوريين على البيت الأبيض بزعم تقصيره في دعم إسرائيل في عملية رفح.
لكن الواقع أن الإدارة الأميركية أعطت الضوء الأخضر لهذه العملية الجارية على مراحل بعد أن صرفت النظر عن شرط إجلاء المدنيين ونقلهم إلى مخيمات صالحة للسكن، وبما سمح للقوات الإسرائيلية بفرض النزوح القسري على حوالي مليون نسمة، وسط ظروف تهدد بالمجاعة وانتشار الأمراض وفق ما تناقلت بعض التقارير والمعلومات المتداولة. ومع ذلك، تبخّر تحذير البيت الأبيض بوقف بعض إمدادات السلاح، بحجة أن عملية رفح لا تزال "محدودة".
وفي الوقت نفسه، انتقلت مصادر الإدارة إلى التركيز على ترتيبات ما بعد حرب غزة عبر الحديث عن وضع آلية أمنية يُبحث عن صيغتها لتأمين الاستقرار في القطاع، على أن تكون قوامها قوات فلسطينية وعربية باشراف مدني أميركي يقوم بمهمة التنسيق مع إسرائيل. كما عاد إلى الواجهة موضوع الاتفاقيات الأمنية الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية، التي تردد أنه جرى وضع اللمسات الأخيرة عليها أثناء زيارة المستشار جيك سوليفان قبل أيام إلى المملكة وإسرائيل. والمعروف أنها تشكل الشق الأول من عملية التطبيع مع إسرائيل، على أن يتمثل شقها الآخر في وضع أسس غير قابلة للتراجع عنها لقيام دولة فلسطينية.
لكن بالرغم من ترحيب أوساط مختلفة بمثل هذه الترتيبات لما بعد الحرب، إلا أنها تبدو لكثيرين أقرب إلى وضع العربة أمام الحصان، من ناحية أن ظروفها غير متوفرة، والأهم أن إسرائيل لم تتزحزح عن رفضها لها وأن الرئيس بايدن، الذي لم يقوَ أو بالأحرى لم يرغب حتى على إزالة عراقيل إسرائيل لوصول الإعانات الإنسانية إلى الجوعى والمرضى من المدنيين، لن يلجأ إلى الخطوات اللازمة والفاعلة التي يمتلكها لتحقيق هذه التحولات في الموقف الإسرائيلي. في الأيام الأخيرة، جاءته فرصة للاستقواء بقرار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية الذي طلب إصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، ثم بقرار محكمة العدل الدولية بوجوب وقف عملية رفح وتسهيل مرور المساعدات إلى القطاع. لكن بدلا من توظيف هذه الفرصة والاستعانة بالقانون الدولي لحمل حكومة نتنياهو على التزحزح إزاء هذه التدابير والمخارج، صبّت الإدارة الأميركية جام غضبها على المحكمتين واتهمتهما ضمنا بتسييس قراراتهما. والمعروف أن الإدارة الأميركية طالما طالبت إسرائيل بضرورة الالتزام بموجبات القانون الدولي بشأن حماية المدنيين، لكن مطالبتها بقيت حبرا على ورق، إذ عندما نطق القانون الدولي، سارعت إلى التصدي له، وليس في ذلك بجديد.
فطوال مدة الحرب، اعتادت الإدارة على قول ما لا تعنيه وفي المقابل على عدم قول ما تعنيه، ويشمل ذلك مواضيع وقف النار والخطوط الحمراء وتمرير المساعدات الإنسانية، فضلاً عن قضية حماية المدنيين، بعد أن تجاوز عدد ما حصدته آلة الموت الإسرائيلية منهم 35 ألف ضحية، صحت الإدارة على رفح والحرص على مدنييها الذين فرضت عليهم إسرائيل التشرد من جديد برفقة شبح الموت من الجوع والمرض وخطر الأوبئة، التي تحدثت عنها تقارير أميركية لفتت إلى خطورة الوضع وعودته " إلى الأسوأ "، فيما تواصل الإدارة القفز من موقف إلى عكسه وفق سياسة "على حسب الريح"، التي اغتنمها الجمهوريون لتسويقها ضدها انتخابيا والمتوقع أن تأخذ شحنة زخم مع دعوة نتنياهو قريبا، كما وعد رئيس مجلس النواب مايك جونسون أمس، لإلقاء خطاب في الكونغرس موجه ضمنا ضد بايدن وحملته الانتخابية.