بدأ عناصر الأمن والاستخبارات في محافظة نينوى، شمالي العراق، الانسحاب من المؤسسات الحكومية، تمهيداً لتنفيذ قرار الحكومة العراقية الجديدة القاضي بإلغاء التصاريح الأمنية في المناطق الشمالية والغربية، والذي صدر نهاية الأسبوع الماضي، ولاقى ترحيباً شعبياً كبيراً بسبب معاناة الأهالي من الإجراءات المتبعة.
ومنذ 5 سنوات، تفرض السلطات الأمنية العراقية قرار التدقيق الأمني لجميع المراجعين للدوائر الحكومية في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك وأجزاء من العاصمة بغداد.
والتدقيق الأمني هو إجراء مفروض على سكان هذه المدن، يلزمون بموجبه بالتأكد من صحة موقفهم الأمني عند كل مراجعة للدوائر الحكومية لإنجاز الأوراق الرسمية الثبوتية، كالجنسية والبطاقة الموحدة والجوازات لجميع المواطنين حتى حديثي الولادة، كما يشمل الإجراء الأمني شهادات التخرج من الجامعة والتقديم على الوظائف واستئجار وشراء العقارات وحتى الاشتراك في المولدات الكهربائية التجارية.
النائب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى محمد نوري العبد ربه كشف، لـ"العربي الجديد"، عن البدء بانسحاب عناصر الأمن والاستخبارات من الدوائر الحكومية في المحافظة، وقال أيضاً إن "جميع عناصر الاستخبارات بدأوا، صباح أمس الخميس، بالانسحاب من دوائر الدولة في محافظة نينوى، تمهيداً لإلغاء التصريح الأمني".
وأضاف العبد ربه: أن "الانسحاب بدأ بشكل تدريجي من الدوائر، حيث شمل أولا الدوائر المدنية ومن ثم سيشمل الدوائر التي لها صلة بالأجهزة الأمنية".
وفي وقت سابق، كشف النائب محمد نوري العبد ربه عن صفقات فساد كبيرة خلال إجراءات التدقيق الأمني، لافتاً إلى أن عدم تطبيق قرارين مشابهين بوقت سابق يرجع إلى تضرر المصالح الشخصية لبعض الضباط، الذين يعملون على ابتزاز المراجعين واستحصال مبالغ مالية من خلال عرقلة تمريرها بذريعة وجود مؤشر أمني.
وأبلغ مصدر أمني في محافظة نينوى وعاصمتها المحلية الموصل "العربي الجديد" بانسحاب عناصر الاستخبارات التابعين لوزارة الداخلية من مراكز التدقيق الأمني في جامعة الموصل ومجمع المحاكم ومديرية مرور نينوى.
وأشار المصدر إلى أن باقي الدوائر، كالجنسية والجوازات والبطاقة الوطنية، لا يزال عناصر الأمن فيها، لكن من دون فرض قرار التصريح الأمني، لافتاً إلى أنهم بانتظار الآلية الجديدة التي تنظم عملهم في المرحلة المقبلة، وأوضح أن الدوائر المذكورة سابقاً استقبلت معاملات المراجعين من دون المرور بقسم الاستخبارات والتدقيق الأمني.
وعقدت القيادات الأمنية في نينوى، مساء الأول من أمس الأربعاء، اجتماعاً مع إدارة المحافظة وعددا من النواب لبحث آلية تنفيذ قرار مجلس الوزراء الخاص بإلغاء التدقيق الأمني.
وخلال الاجتماع، وجه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري القيادات الأمنية عبر اتصال هاتفي باعتماد آلية مناسبة لتنفيذ القرار، وقال الشمري: إن "القرار تم اتخاذه ولا تراجع عن تنفيذه، لكن القيادات الأمنية التي لها تحفظات (على القرار) عليها أن تضع آلية لتنفيذ القرار"، مشدداً على أن الإبقاء على قرار التدقيق الأمني بات من المستحيل.
وأضاف وزير الداخلية: أنه "من الممكن إنجاز التدقيق الأمني لمعاملات وأسماء المراجعين وفق صيغة جديدة لا تتجاوز الدقائق وفي نفس الدائرة الحكومية، وبعيداً عن الروتين السابق الذي يتطلب عدة ساعات وأحيانا عدة أيام".
من جهته، أشار النائب عن نينوى خالد العبيدي، في مؤتمر صحافي عقده الأربعاء، إلى أن الاجتماع الأمني ركز على تطبيق القرار بطريقة سلسلة من دون المساس بأمن المدن المحررة.
وقال العبيدي إن "قرار إلغاء التصاريح الأمنية اتخذ، ويجب أن ينفذ بأسرع وقت من جميع الأجهزة والقطعات الأمنية"، مؤكداً أن الجهة التي تعترض على تطبيقه ستعرّض نفسها للمساءلة القانونية. ولفت إلى أن الملاحظات التي أبدتها بعض القيادات الأمنية سيجرى التعامل وفقها مع عدم المساس بتطبيق قرار وقف اعتماد التدقيق الأمني.
ويترقب الشارع في الموصل الموقف بين مرحب ومنتظر للقرار ومشكك في تنفيذه، كون الجهات الأمنية في نينوى لم تلتزم بتنفيذ القرار الذي صدر مرتين خلال العامين الماضيين.
وقال الباحث والخبير بالشأن العراقي غانم العابد، لـ"العربي الجديد"، إن "القرار الصادر عن مجلس الوزراء يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، والتي تأتي التزاما من السوداني بالاتفاق الذي شكلت بموجبه الحكومة ويتضمن في إحدى فقراته إلغاء التدقيق الأمني".
وحذر من وجود بعض العراقيل أمام تنفيذ القرار من قبل بعض الجهات الأمنية، خاصة أن الموضوع فيه جنبات فساد واضحة وعمليات ابتزاز مالي مقابل تمرير معاملات المواطنين أمنياً.
وأضاف العابد: إن "توجيه وزير الداخلية الأخير يقضي برفع التدقيق الأمني، لكنه أبقى مجالا لرؤية القيادات الأمنية في نينوى لتطبيقه وفق الملاحظات الأمنية التي أبدتها، ما يفتح الباب أمام إمكانية استمرار العمل بالتدقيق في الدوائر، ولكن بطرق جديدة".
وتابع: "على رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، إصدار توجيهات صريحة وواضحة تنهي الجدل بشأن تنفيذ القرار، ولا تترك فيه أبوابا للتأويل والاجتهاد من قبل بعض القيادات الأمنية".