أثار قرار الحكومة الألمانية، إرسال 5000 خوذة واقية إلى أوكرانيا، زوبعة سياسية وإعلامية في البلاد، لا سيما وأن كييف طالبت برفدها بحوالي 100 ألف خوذة وسترات دفاعية، بالإضافة إلى صواريخ مضادة للدبابات وسفن حربية.
يأتي ذلك، بعد أن تعهدت برلين بدعم كييف، ما دفع إلى طرح التساؤلات حول دور ألمانيا في الصراع الروسي الأوكراني.
أمام هذا الواقع، أبرزت "دي فيلت"، أخيرا، أن ألمانيا لا ترفض تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا فحسب، بل تمنع الدول الأخرى من مساعدتها، وأن مواقف الحكومة الاتحادية لا تصمد أمام أي مبرر، ولا يمكن للمرء أن يقبلها، بعد أن تركت برلين كييف في عزلتها.
نفاق سياسي
وأشارت الصحيفة، إلى أن سياسة ألمانيا تتميز بقدر كبير من "انفصام الشخصية"، إذ لا تناسب أقوالها أفعالها. فلسنوات، كررت الحكومة الاتحادية أنها تقف إلى جانب أوكرانيا، من أجل حرمة الحدود الأوروبية، وتمتنع منذ زمن عن تزويدها بأي وسائل عسكرية دفاعية، بينها الخوذ الواقية والسترات وسيارات الإسعاف والمستشفيات الميدانية، ومنذ أن تكبدت القوات الأوكرانية عام 2014، خسائر يومية فادحة، خلال مقاومتها للروس والانفصاليين التابعين لها. مضيفة أن مشكلة ألمانيا تكمن في أن أقوالها تترجم بلغة مختلفة.
مراقبون: كلما كان الجيش الأوكراني أفضل تجهيزا، زادت الشكوك لدى بوتين حول ما إذا كان الغزو فكرة جيدة حقا
ويرى مراقبون أن اختباء ألمانيا وراء حجّة أنها لا تقدّم أسلحة إلى مناطق الأزمات، هو نفاق، فهي تخرق هذه القاعدة باستثناءات بشكل مستمر، شملت دولا متورطة منذ سنوات في حروب أهلية، وديكتاتوريات، بينما ترفض تسليم الأسلحة لدولة ديمقراطية أوروبية لتدافع عن نفسها وعن حريتها واستقلالها ضد من اعتدى عليها منذ عام 2014.
دروس التاريخ والحرب الباردة
وبالنسبة لمراقبين آخرين، فإنه كلما كان الجيش الأوكراني أفضل تجهيزا، زادت الشكوك لدى بوتين حول ما إذا كان الغزو فكرة جيدة حقا. وحتى ولو تم اجتياح كييف فلا يزال من مصلحة ألمانيا والغرب أن يكون الجيش الأوكراني قادرا على المقاومة بأقصى قوة ممكنة، لأنه كلما ارتفع الثمن الذي يتعين على بوتين دفعه اقتصاديا وعسكريا، قل احتمال أن يجعل دولا أخرى بعد أوكرانيا هدفا لأوهام الغزو، والمطلوب التعلم من سياسة الاسترضاء الفاشلة لعام 1938 تجاه ألمانيا النازية. فأوكرانيا تستحق الدعم أكثر بكثير من روسيا الاستبدادية التي تتوسع إمبرياليا مرة أخرى.
وبيّنت "دي فيلت" أن الرومان القدماء كانوا يعملون وفق قاعدة، إذا أردت السلام فعليك الاستعداد للحرب، وبذلك يتضح للمعتدي أن حساب التكلفة المحتمل باهظ الثمن قدر الإمكان.
وذهبت الصحيفة إلى أن مبادئ الحكومة الاتحادية الخاصة تسمح بتصدير السلاح إذا تأثر حق الدول في الدفاع عن النفس المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، في إشارة إلى أن إعطاء دولة تحت ضغط عسكري وسيلة للدفاع ضد غزو ليس تصعيدا، لكن يبدو أن ألمانيا قد نسيت درس الحرب الباردة، بأن الردع هو أفضل طريقة لمنع الحرب، بحسب "دي فيلت".
وأضافت، وحتى الآن، لم تبع ألمانيا أي أسلحة لأوكرانيا وهي بأمسّ الحاجة إليها لتحديث جيشها، والأسوأ من ذلك أن ألمانيا تمنع أحيانا عمليات التسليم من دول أخرى إلى كييف. على سبيل المثال، منعت حكومة ميركل كييف من شراء أسلحة من دول أخرى عبر وكالة المشتريات التابعة لحلف الأطلسي، والآن تحظر برلين على الاستونيين أرسال أسلحة ألمانية إلى أوكرانيا، وكأنها ترسل إشارة مفادها أنها ترغب في أوكرانيا بلدا أعزل يجب أن يستسلم للمعتدي الروسي في حالة الحرب بأقل قدر ممكن من المقاومة.
"دي فيلت": يبدو أن ألمانيا قد نسيت درس الحرب الباردة، بأن الردع هو أفضل طريقة لمنع الحرب
الخوذ موضوعا للسخرية
وفي خضم ذلك، لم يتردد المتحدث باسم السياسة الدفاعية لكتلة المسيحي الديمقراطي، فلوريان هان، في الإشارة إلى أنه من السخرية أن نسلم أوكرانيا 5000 خوذة، لتبدو الحكومة تعطي انطباعا بأنها تقف عن كثب إلى جانب روسيا. أما زميله نوربرت روتغن، فكتب على تويتر أن الحكومة، وبتسليمها الخوذ إلى كييف، تجعل الأمور أسوأ على ألمانيا، ومن المحرج التعبير عن أبعاد الأزمة بخوذ عسكرية.
برزت تعليقات ساخرة ومنددة بخطوة برلين، تراوحت بين اعتبار تسليم ألمانيا الخوذ لكييف دافعا كي يعيد بوتين التفكير في خططه العسكرية قبل الغزو، وبين التهكم بأنه لم يعد ينقص الأوكرانيين سوى الجوارب والسراويل الداخلية للمواجهة العسكرية المحتملة مع روسيا. آخرون ذهبوا على سبيل السخرية إلى أن تلك الخوذ مزوّدة بقناصات، وتساءل البعض ما إذا كانت تلك الخوذ جديدة أم مستعملة، وجهد بعض المتهكمين للخروج من حيرتهم بمعرفة أي نوع من الخوذ سترسل ألمانيا إلى أوكرانيا، وما إذا كانت من النوع المخصص لراكبي الدراجات النارية.