الأردن: سطوة السلطة التنفيذية تهمش دور رئيس مجلس النواب

12 نوفمبر 2022
عبدالله الثاني في جلسة للبرلمان، نوفمبر 2021 (الأناضول)
+ الخط -

تُفتتح أعمال مجلس الأمة الأردني التاسع عشر في دورته العادية، غداً الأحد، على أن يتم اختيار رئيس جديد لمجلس النواب، بعد إعلان الرئيس السابق عبد الكريم الدغمي عدم ترشحه، وكَشْف النائبين أحمد الصفدي وفراس العجارمة نيّتهما الترشح.

ووفق التعديلات الدستورية التي أُقرّت في يناير/كانون الثاني الماضي، جرى تعديل مدة رئاسة مجلس النواب إلى سنة بدلاً من سنتين، مع إبقاء جواز إعادة انتخاب الرئيس، بقرار من ثلثي أعضاء المجلس.

ووفق النظام الداخلي للمجلس، فإن الترشح الرسمي، لموقع الرئيس أو عضوية المكتب الدائم، لا يتم إلا عند بدء أعمال جلسة مجلس النواب، ولا يوجد أي نص في النظام الداخلي يطلب من النواب إعلان ترشحهم قبل ذاك الموعد، بيد أن من يرغب بالترشح عليه أن يستبق بدء الدورة بالتواصل مع النواب.

وفي ظل فقدان الثقة الشعبية بمجلس النواب، يتحمّل رؤساء مجلس النواب بصفتهم الشخصية والوظيفية جزءاً كبيراً من المسؤولية عن تراجع دور المجلس في الحياة السياسية، خصوصاً مع الحديث عن تغوّل كبير من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، كالتدخّل في العملية الانتخابية نفسها، والتدخّل في الشؤون الداخلية للمجلس.

سطوة السلطة التنفيذية

الخلل الجسيم في التركيبة السياسية، أفرغ سلطة الشعب من مضمونها الحقيقي، وباتت السلطة التنفيذية أقوى من التشريعية، ولم يعد الأردنيون يرون أن مجلس النواب يمثلهم، فقد أظهر استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن 17 في المائة فقط من الأردنيين يثقون بمجلس النواب، وما ينطبق على المجلس ينسحب على رئيسه.

وعن دور رئيس مجلس النواب، يقول المحلل السياسي أنيس الخصاونة في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن رئاسة مجلس النواب في الأردن بحكم الدستور منصب سياسي، لكن في واقع التطبيق لا يملك الرئيس دوراً كبيراً ومؤثراً في الحياة السياسية مقارنة بالدول الديمقراطية، وهو دور إداري على الأغلب للمحافظة على تطبيق النظام الداخلي وإعداد جدول الأعمال.


أنيس الخصاونة: لا يملك الرئيس دوراً كبيراً ومؤثراً في الحياة السياسية

وبحسب الخصاونة، فإن دور رئيس المجلس في الأردن بجوهره ضعيف وهامشي، ويتشابه مع الدور الذي يقوم به رؤساء المجالس المماثلة في الدول النامية وغير الديمقراطية، بسبب هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والسيطرة عليها.

ويرى أنه "في هذه الدول تدير السلطة التنفيذية أمور الدولة، وفي كثير من الأحيان تؤدي دوراً كبيراً في المجلس وتؤثر على آراء الأعضاء وتوجهاتهم ومواقفهم وتصويتهم".

ويشير الخصاونة إلى أنه "في الدول التي لم تصل إلى الديمقراطية، والأردن في مقدمتها، يوظف رئيس مجلس النواب لخدمة السلطة التنفيذية، وعن طريقه يجري ترتيب أوراق وأولويات المجلس من خلال ارتباطه بها".

ويذكّر برئيس سابق للمجلس جرى تسريب اسمه رئيساً لمجلس النواب قبل أن يترشح لعضوية البرلمان، ويقول: "وفعلاً جرى السيناريو كما تم تسريبه، وكل الأردنيين كانوا يعلمون أنه سيكون رئيساً للمجلس قبل إجراء الانتخابات".

ويصف الحديث عن دور سياسي لرئيس مجلس النواب في الأردن بـ"المبالغة الكبيرة"، فـ"تأثير مجلس النواب برمته ضعيف جداً في القضايا السياسية والوطنية المهمة، والحكومات تحكم السيطرة على أغلبية الأعضاء".

ومن وجهة نظر الخصاونة، فإن "انتخابات رئاسة مجلس النواب قضية رمزية لا تؤثر في الحياة السياسية ولا قيمة لها، ولا أهمية لمن يكون رئيساً للمجلس، فالمجلس متواضع، وما يحدث من صراع أحياناً على رئاسة المجلس ما هو إلا صراع مصالح وليس سياسيا، يمكن من خلاله تحقيق مصالح ذاتية لتعزيز الوضع الاجتماعي وربما الانتخابي مستقبلاً".

وفي السياق، يقول الصحافي المختص في العمل البرلماني، وليد حسني، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد دور سياسي واضح لرئيس مجلس النواب، وهو فقط رئيس لإحدى غرفتي السلطة التشريعية (الغرفة الثانية للأعيان)، مما يعني أنه محاصر بدور محلي تشريعي بالدرجة الأولى".

لكنه يلفت إلى أن "هذا لا يمنع أن يكون له دور سياسي إذا كان للمجلس نفسه قوة سياسية تنبثق في الأساس من النظام الحزبي والتعددية السياسية، عندما يكون رئيس المجلس رئيساً لتحالف الأغلبية".

ويوضح حسني أن "في الأردن هذا الأمر مختلف تماماً، فدور رئيس المجلس وظيفي وفقاً للنظام الداخلي، وهو بمثابة متحدث إعلامي باسم المجلس ولا يتعدى هذا الدور، وأحياناً يكون له دور سياسي غير مباشر وهو أمر نادر".

ويشير إلى أن "الصراعات على رئاسة مجلس النواب هي صراعات من أجل بناء المجد الشخصي، وتحقيق المصالح". وبحسب حسني، إن "ما يظهر من جبل الجليد يوحي أن النواب هم من يختارون الرئيس، لكن في الحقيقة أن رئيس مجلس النواب يجري التوافق عليه واختياره من سلطات خارج المجلس، كالحكومة والديوان الملكي والجهات الأمنية".


حياة المسيمي: الطريقة التي يتم بها تشكيل مجالس النواب بعيدة عن مصالح المواطنين

وبالنسبة للانتخابات المقبلة، يقول حسني: "من الواضح أن أحمد الصفدي حسم رئاسة المجلس، فالصفدي أو غيره يتكئون على أصوات النواب شكلاً، لكن الاختيار يعتمد على سلة الأصوات المرتبطة بالجهات النافذة، وما سيجري غداً لن يختلف عن جميع الانتخابات السابقة، فالوجوه فقط هي التي تتغير لا النتائج".

دور رئيس مجلس النواب

من جهتها، ترى النائبة السابقة، القيادية في حزب جبهة العمل الإسلامي، حياة المسيمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "من الواجب أن يكون الدور الأول لرئيس مجلس النواب في الشق السياسي، إضافة إلى دوره الإداري، وعليه أن يجمع بين الدورين وينظم الأمور، وأن يكون رئيساً لجميع أعضاء المجلس، وليس لفئة محددة والكتلة التي ينتمي إليها".

وتضيف المسيمي أن "الطريقة التي يتم بها تشكيل مجالس النواب وانتخابها بعيدة عن مصالح المواطنين، ولذا نرى الكثير من أعضاء المجلس والرؤساء بعيدين عن مصالح الناس، مما ولّد عدم ثقة بالمجلس وأبعد المواطنين عن المشاركة بالحياة السياسية".

وتشدّد على ضرورة أن "يقف الرئيس في صف النواب ويدافع عنهم أمام مؤسسات الدولة الأخرى وأمام السلطة التنفيذية، لكن ما يحدث أن أغلب الرؤساء تكون مواقفهم ضعيفة أمام تلك المؤسسات".

وتشير المسيمي إلى تفاوت أداء رؤساء المجالس النيابية خلال الفترات السابقة سياسياً وإدارياً، لافتة إلى أن "أغلب الرؤساء كانوا يميلون إلى مجموعاتهم البرلمانية، وبمحاباة واضحة بعيداً عن العدالة". وتشدّد على أن "هناك رؤساء لمجلس النواب خيّبوا الآمال وكان من المتوقع أن يكون أداؤهم أفضل، لكن أداءهم السياسي والإداري كان ضعيفاً جداً".

ومن خلال خبرتها في المجلس، تقول المسيمي إن "هناك نواباً كانوا يستفزون رئيس المجلس، ولا يحترمون النظام الداخلي، لكن بعض الرؤساء لم تكن لديهم القدرة الإدارية وسعة الصدر، ليكونوا ضحايا لتلك الاستفزازات، مما انعكس سلباً على صورة المجلس".

أما مدير مركز "الحياة – راصد" لمراقبة أداء البرلمان، عامر بني عامر، فيعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "موقع رئيس المجلس هو موقع سياسي بامتياز، ولا يمكن النظر إلى رئيس مجلس النواب بأنه يسيّر عملية إدارية، ففي كثير من الأحيان يكشف ويبيّن سياسات الدولة للمرحلة المقبلة. وغالباً ما يكون نقطة التقاء ليس فقط بين أعضاء المجلس بل لمؤسسات الدولة، وهو حلقة الربط بين الحكومة وباقي المؤسسات، سواء الديوان الملكي أو الجهات الأخرى وما بين المواطنين الذين يمثلهم أعضاء المجلس".

ويضيف بني عامر أن "شخص رئيس مجلس النواب مهم جداً، لكن الأهم أن يكون قادراً على خلق توافقات داخل المجلس، والتنسيق مع باقي مؤسسات الدولة، فليس المهم الشهادات والخبرات الحاصل عليها، بقدر امتلاك مهارات التواصل مع النواب ومختلف مؤسسات الدولة".