اغتيال لقمان سليم: لا ثقة بالتحقيقات وإدانات محلية ودولية واسعة

04 فبراير 2021
وُجد لقمان سليم مقتولاً في منطقة خاضعة لسيطرة "حزب الله" (فيسبوك)
+ الخط -

نُقل الكاتب والناشط السياسي اللبناني، لقمان سليم، الذي عُثِر عليه مقتولاً صباح اليوم الخميس، داخل سيارته، من مستشفى صيدا الحكومي، جنوبي لبنان، إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، في ساعات بعد الظهر.

وأشارت مصادر مقرّبة من لقمان، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ العائلة ستطلب تشريح الجثة، رغم التقرير الأولي الذي أصدره الطبيب الشرعي، باعتبار أنّ تفاصيل كثيرة لم تُذكَر داخله، وهي تبحث مسألة إقامة مراسم الدفن غداً الجمعة في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، علماً أنّ العائلة كانت قد رفضت تسلّم الجثة واتخاذ أي قرار قبل عودة شقيقه من فرنسا.

ووُجِدَ الباحث السياسي، وهو من أبناء الطائفة الشيعية، والمعارض بشدّة لـ"حزب الله"، صباح اليوم، مقتولاً داخل سيارته في بلدة العدوسية جنوباً، بعد أنباء عن اختفائه مساء أمس الأربعاء، حينما غادر منزل أحد أصدقائه، وكان يتوجّه إلى بيروت، إذ ناشدت شقيقة لقمان، رشا الأمير، التواصل معها لمن يعرف عنه أي شيء، بعدما نشرت عبر صفحتها على "فيسبوك" خبر فقدانه.

وتبيّن بعد نقل جثمان لقمان إلى مستشفى صيدا، بناءً على إشارة النائب العام الاستئنافي في الجنوب، القاضي رهيف رمضان، بحسب تقرير الطبيب الشرعي، أن الجثة مصابة بخمس طلقاتٍ نارية، أربع في الرأس وواحدة في الظهر.

وطلب الرئيس اللبناني، ميشال عون، من المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات جريمة اغتيال لقمان سليم، مشدداً على ضرورة الإسراع في التحقيق لجلاء الظروف التي أدت إلى وقوع الجريمة والجهات التي تقف وراءها.

بدوره، كلّف رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، وزير الداخلية محمد فهمي، الإيعاز إلى الأجهزة الأمنية بالإسراع في تحقيقاتها لكشف ملابسات الجريمة، وملاحقة الفاعلين والقبض عليهم وإحالتهم على القضاء بأسرع وقت ممكن. وأكد دياب، في بيان، أن "هذه الجريمة النكراء يجب أن لا تمر من دون محاسبة، وأن لا تهاون في متابعة هذه التحقيقات حتى النهاية، والدولة ستقوم بواجباتها في هذا الصدد".

ولم تحسم العائلة بعد موقفها من التحقيق المحلي، أو مطالبتها بتحقيق دولي. فبحسب مصادر خاصة مقرّبة من لقمان، لـ"العربي الجديد"، فإنّ العائلة تدرك صعوبة الوصول إلى الحقيقة، سواء بتحقيق محلي أو دولي، نظراً للتجارب الكثيرة على صعيد لبنان والاغتيالات السياسية التي مرّت عليها سنون ولم تصدر بها أي أحكام أو كانت أحكامها تقتصر على إدانة أشخاص من دون أي مفاعيل تذكر، وهي في المقابل، تؤمن بأن الرأي العام اللبناني يعلم جيداً من هو لقمان، ووطنيّته وحبّه للقضية وشجاعته، "فكان يقول الكلمة الحرّة كما هي ويمشي، وكان يدرك تماماً أنّه سيصل إلى يوم يقتل فيه، ودائماً ما كان يتحدث عن تهديدات تصله".

وأثار اغتيال الناشط السياسي اللبناني الذي تطرق في أكثر من تصريح إلى التهديدات التي كان يتلقّاها ورسائل التخوين من جانب مناصرين لـ"حزب الله"، ردود فعل محلية ودولية غاضبة، استنكرت الجريمة، وحذّرت من عودة مسلسل الاغتيالات إلى لبنان، من بوابة الناشطين وأصحاب الكلمة الحرّة.

وقال رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، إنّ لقمان سليم "شهيد جديد على درب حرية وديمقراطية لبنان، واغتياله لا ينفصل عن سياق اغتيالات من سبقه، لقمان كان واضحاً أكثر من الجميع ربما في تحديد جهة الخطر على الوطن"، مشدداً على أن "لقمان لم يهادن ولم يتراجع وقدّم دمه وروحه الطاهرة عربوناً لخلاص لبنان. فليرقد بسلام ونحن وكل السياديين سنواصل معركة الحرية"، مؤكداً أن "الشجب لم يعد كافياً، والمطلوب كشف المجرمين لوقف آلة القتل الحاقدة".

من جانبها، قالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "العفو" الدولية، إنّ "لقمان كان في طليعة النضال ضد الإفلات من العقاب في لبنان ما بعد الحرب، ودافع بشدة عن حقّ عائلات المفقودين والمخفيّين قسراً في نيل العدالة والكشف عن الحقيقة، إلى جانب جمعيات الأهالي ومجموعة من المنظمات والنشطاء الآخرين الذين امتلكوا الشجاعة الكافية لتحدي نمط الإفلات من العقاب، السائد في لبنان"، مشيرة إلى أن لقمان اليوم "هو ضحية هذا النمط من الإفلات من العقاب الذي استمر لعقود من الزمن، والذي سبّب بقاء جرائم قتل النشطاء والصحافيين والمثقفين في الماضي والحاضر بلا عقاب، وهو نمط تتحمّل الدولة اللبنانية المسؤولية النهائية عنها".

وأضافت: "يثير مقتل سليم المروّع مخاوف خطيرة من العودة إلى عمليات القتل المستهدفة، وتزداد هذه المخاوف في ظل تقاعس الدولة عن تحقيق أي عدالة في قضايا مروعة ومماثلة سابقاً. ويحقّ للشعب اللبناني أن يبلغ العدالة في الجرائم المستمرة التي تعرّض لها على مدى العقود وحتى يومنا هذا. واليوم يصادف أيضاً مرور ستة أشهر على الانفجار الذي فجع به سكّان العاصمة بيروت وقبض على روحها، من دون أن يساءل أو يحاسب أحدٌ عنه حتى الساعة. ومن أجل القطع مع مسلسل الإفلات من العقاب السائد ماضياً، تطالب منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية بضمان أن يكون التحقيق الذي أعلنته في جريمة قتل لقمان سليم شفافاً ومحايداً ومستقلاً. وينبغي إعلان النتائج على الملأ، وتقديم الجناة إلى العدالة على وجه السرعة".

وأدانت الخارجية الفرنسية الجريمة الشنيعة التي أدت إلى مقتل سليم، ودعت السلطات اللبنانية وجميع المسؤولين في لبنان إلى السماح لنظام العدالة بالعمل وفق الكفاءة والشفافية من دون أي تدخلات. كذلك أدان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، اغتيال سليم.

وبدورها، قالت السفيرة الأميركية لدى لبنان، دوروثي شيا، إنّ اغتيال لقمان سليم، "لم يكن مجرد اعتداء وحشي على فرد، بل كان هجوماً جباناً على مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير والمشاركة المدنية، وهو أيضاً هجوم على لبنان نفسه".  

وأشارت، في بيان، إلى أن "استخدام التهديد والترهيب كوسيلة لتخريب حكم القانون وإسكات الخطاب السياسي هو أمر غير مقبول، ونحن ننضمّ إلى أصدقاء لبنان الآخرين وقادة البلد الذين قاموا بإدانة هذه الجريمة المروّعة وندعو جميع القادة من مختلف الأطياف السياسية إلى القيام بالشيء ذاته، ونؤكد أيضاً ضرورة إجراء تحقيق سريع في هذه الجريمة وغيرها من عمليات القتل الحديثة التي لم يتم حلها حتى يتمّ تقديم مرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة". 

ولفتت السفيرة الأميركية، في كلمةٍ وزعتها السفارة الأميركية في بيروت، إلى أنه في بلد يحتاج بشدة إلى التعافي من الأزمات المتعددة التي يواجهها، ترسل الاغتيالات السياسية إشارة جد خاطئة إلى العالم حول ما يمثله لبنان، على أمل أن تسود سيادة القانون والمساءلة، المبادئ ذاتها التي كان لقمان سليم يقاتل من أجلها.

وبينما وجهت أصابع الاتهام إلى "حزب الله" من قبل المعارضين، خصوصاً أن الجريمة حصلت في منطقة جنوبية للحزب النفوذ الأكبر فيها، وتبعاً لمواقف سليم من سياسات الحزب وأجنداته الخارجية وتحميله في أكثر من تصريح مسؤولية تعرّضه لأي مكروه، نظراً للتهديدات التي كان يتلقّاها والتي شملت في أحيانٍ عدّة مناصرين لـ"حركة أمل" التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، دان "حزب الله" في بيان قتل الناشط سليم، وطالب الأجهزة القضائية والأمنية المختصة بالعمل سريعاً على كشف المرتكبين ومعاقبتهم، ومكافحة الجرائم المتنقلة في أكثر من منطقة في لبنان "وما يرافقها من استغلال سياسي وإعلامي على حساب الأمن والاستقرار الداخلي".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

أما "حركة أمل"، فاستنكرت عبر بيان صادر عن مكتبها الإعلامي المركزي، الجريمة، مطالبة بإجراء تحقيق أمني وقضائي بالسرعة الممكنة، توصلاً لكشف الفاعلين ومعاقبتهم. فيما أدان "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه النائب جبران باسيل الجريمة، ودعا إلى عدم استغلالها لإثارة الفتنة، خاصة أن مصطادي الدماء الاعتياديين بدأوا بعملية الاستثمار السياسي، غامزاً من قناة نواب المعارضة، وعلى رأسهم سياسيو "تيار المستقبل" الذي يرأسه الحريري، الذين سارعوا إلى تحميل "حزب الله" مسؤولية اغتيال لقمان عبر تصريحات تلفزيونية.

ويأتي اغتيال لقمان سليم، قبيل أيام من ذكرى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، بينهم النائب باسل فليحان، في 14 فبراير/ شباط 2005، التي كرّت معها سبحة الاغتيالات، وكانت قد سبقتها محاولة اغتيال النائب السابق مروان حمادة عام 2004.

وطاولت الاغتيالات، على مدى سنين متتالية، شخصيات سياسية وفكرية وأمنية معارضة لـ"حزب الله" والنظام السوري، منها الصحافي سمير قصير، الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي جورج حاوي، الصحافي والنائب جبران تويني، وزير الصناعة بيار الجميل، إضافة إلى النواب وليد عيدو، أنطوان غانم، محمد شطح، وغيرهم، إلى جانب قادة أمنيين بارزين. فيما نجت الإعلامية مي شدياق، والوزير الأسبق إلياس المرّ من الموت اغتيالاً.

وبقيت هذه الجرائم من دون أي توقيفات أو محاسبة أو توجيه أصابع الاتهام الرسمية إلى جهة معيّنة، فيما أصدرت المحكمة الدولية الخاصة في لبنان حكمها بقضية اغتيال الحريري، بعد 15 عاماً، على وقوع الجريمة، على متهم واحد فقط من أصل أربعة، هو سليم عياش، القيادي في "حزب الله"، بالسجن المؤبد، علماً أنّ المحاكمة لم تنتهِ، ومرحلة الاستئناف قد بدأت.

المساهمون