مؤشرات التقارب بين دمشق وأنقرة تقلق المعارضة السورية

01 يوليو 2024
من تظاهرة أعزاز، 28 يونيو 2024 (عدنان الإمام)
+ الخط -

تعود التحركات على خط أنقرة – دمشق مترافقة مع تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما يثير توجس المعارضة السورية من مؤشرات التقارب بين دمشق وأنقرة التي تتبلور في الوقت الحالي.

مؤشرات التقارب بين دمشق وأنقرة

وفاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أوساط المعارضة السورية، بتصريحات أطلقها أول من أمس الجمعة، وأبدى فيها الاستعداد للقاء رأس النظام السوري بشار الأسد، مشيراً إلى أنه "ليس هناك سبب لعدم إقامة هذه العلاقات مع سورية، وبعبارة أخرى، سنعمل معاً بالطريقة نفسها التي عملنا بها في الماضي في تطوير هذه العلاقات مع سورية".

وجاءت تصريحات أردوغان غداة تصريحات للأسد أكد فيها أنه منفتح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين بلاده وتركيا. وتبع ذلك تسريبات حول التقارب بين دمشق وأنقرة أوردتها صحيفة الوطن السورية، أمس الأحد، نقلت فيها عن مصادر قولها إن "اجتماعاً سورياً تركياً مرتقباً في العاصمة العراقية بغداد، وهذه الخطوة ستكون بداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية". وذكرت المصادر أنه ستجري خطوات مرتقبة وجدية لعودة جلوس الطرفين السوري والتركي إلى طاولة الحوار.

مسؤول عراقي: العراق نجح في إقناع الطرفين بالجلوس للحوار في بغداد

ولفتت "الوطن" إلى أن "الجانب التركي طلب من موسكو وبغداد الجلوس إلى طاولة حوار ثنائية مع الجانب السوري ومن دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام، للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها". وأشارت إلى أن خطوة إعادة التفاوض والحوار للتقريب بين أنقرة ودمشق، تلقى دعماً عربياً واسعاً، وخصوصاً من قبل السعودية والإمارات، وتلقى دعماً روسياً وصينياً وإيرانياً.

غير أن مسؤولاً في مكتب مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، قال لـ"العربي الجديد"، أمس، إنه "لم يُحدَّد موعد ولا اتفاق على مستوى التمثيل حتى الآن، لكن العراق نجح في إقناع الطرفين بالجلوس للحوار في بغداد، وهناك تفاصيل مهمة بشأن الملفات أو المواضيع التي ينبغي فتحها خلال اللقاء، وهذه النقطة لا تزال غير محسومة".

وتضع تصريحات أردوغان حول التقارب بين دمشق وأنقرة واحتمالات بدء جولة محادثات جديدة، المعارضة السورية أمام مفترق طرق سياسي وخيارات صعبة، فيما وصفت "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرق سورية، أمس، مؤشرات التقارب بأنها "مؤامرة كبيرة على الشعب السوري بكل أطيافه"، مضيفة في بيان أن "أي اتفاق مع الدولة التركية هو ضد مصلحة السوريين عامةً، وتكريس للتقسيم وتآمر على وحدة سورية وشعبها، ولن يحقق أي نتائج إيجابية، بل سيؤدي إلى تأزيم الواقع السوري ونشر مزيد من الفوضى". وأضافت: "لا يخفى على أحد دور الدولة التركية السلبي منذ بداية الثورة في سورية، على حساب مظلومية الشعب وأحقية قضيته، وبقناع مزيف وخداع ادعت تحولها إلى داعم أساسي للسوريين، واحتلت أجزاءً من سورية".

وليس التبدّل في السياسة التركية حيال النظام السوري، من القطيعة التي وصلت إلى حدّ العداء المباشر، إلى التقارب بين دمشق وأنقرة وصولاً إلى "الغزل السياسي" اليوم، وليد اللحظة، فهو بدأ أواخر عام 2022، بلقاءات عسكرية وأمنية وسياسية على مستويات رفيعة بين الطرفين في العاصمة الروسية موسكو. بيد أن الشروط التي وضعها النظام على تركيا، ومنها الانسحاب التركي من الشمال السوري، حالت دون المضيّ في الوساطة الروسية التي تحركت مرة أخرى اليوم في محاولة لاستغلال الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية كما يبدو.

ولعب اعتزام "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على الشمال الشرقي من سورية، إجراء انتخابات محلية في مناطق سيطرتها (كانت مقررة في يونيو/حزيران الماضي وأُجِّلَت) دوراً في دفع أنقرة إلى التجاوب أكثر مع الجهود الروسية، إذ إن أنقرة تعتبر هذه القوات خطراً داهماً، وتبحث عن تنسيق مع النظام السوري للقضاء عليه. 

أحمد القربي: خيارات المعارضة السورية محدودة، والأبواب العربية تقريباً مغلقة أمامها

في غضون ذلك، ساد الارتباك الشارع السوري المعارض، الذي كان يعوّل على تشدّد تركي إزاء محاولات تعويم نظام الأسد من دون تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وخصوصاً القرار 2254، الذي يدعو إلى انتقال سياسي وكتابة دستور جديد لسورية وإجراء انتخابات على أساسه. كذلك فإن أنقرة هي الحليف الأقوى للمعارضة السورية الممثلة في الائتلاف الوطني السوري المعارض، الذي يتخذ من إسطنبول مقراً له منذ تأسيسه قبل 12 عاماً، والذي وضعه التحول في السياسة التركية إزاء الملف السوري ومؤشرات التقارب بين دمشق وأنقرة أمام مفترق طرق سياسي صعب.

الائتلاف السوري في وضع حرج

وتشير المعطيات السياسية إلى أن الائتلاف ليس في وضع يسمح له بمعارضة التوجه التركي حيال النظام السوري بشكل حاد، وخصوصاً أن تركيا تستضيف نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري على أراضيها، وهو ما يشكل ضغطاً شعبياً على حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، يدفعه إلى التقارب مع النظام السوري لفتح أبواب عودة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم. كذلك، أنقرة هي الداعم السياسي والعسكري للمعارضة، حيث تتخذ من الشمال السوري برمته منطقة نفوذ عسكري واقتصادي وثقافي، ولها قواعد عسكرية تضم آلاف الجنود في غرب الفرات وشرقه، وفصائل محلية مرتبطة بها، تنفذ أجنداتها.

لكن الائتلاف السوري المعارض يمتلك ورقة سياسية مهمة، قد يستفيد منها، في حال لجوء تركيا إلى الضغط عليه لإبداء مرونة سياسية خارج إطار القرار الدولي 2254، وهي رفض الشارع السوري المعارض لأي تقارب أو مصالحة مع النظام من دون تطبيق هذا القرار بكل مضامينه، وهو ما أكده رئيس هذا الائتلاف هادي البحرة في منشور له على منصة "إكس" قبل أيام. وقال البحرة إن "الحل القابل للاستدامة في سورية، لا يكمن بالوصول إلى تفاهمات بين الدول والنظام لحماية مصالحها وأمنها، بل بإقناع السوريين (...) بأنه قد باتت لديهم دولة فيها دستور ينفذ ويُحترم، وقوانين تضمن أمنهم الخاص وأمن المجتمع، وتضمن حقوقهم".

وتتخذ أنقرة شريطاً حدودياً بعمق أكثر من 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، يمتد من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي غرباً، إلى مدينة جرابلس على نهر الفرات شرقاً، منطقة نفوذ كامل لها. وفي شرق النهر، لديها منطقة نفوذ على طول 100 كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً تضم تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين شمال غربي الحسكة. وترفض أنقرة الانسحاب من الشمال السوري، قبل تنفيذ حلّ سياسي ينهي التهديد الذي تشكله الوحدات الكردية (الثقل الرئيسي في قسد) على الجنوب التركي.

إلى ذلك، أكد عضو في الائتلاف الوطني السوري طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث العلني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مؤسسة الائتلاف لن تقبل بنهاية للصراع يقوم على (تبويس الشوارب) مع النظام"، بحسب تعبيره. ولم يُخفِ عضو الائتلاف أن التوجه التركي الحالي في الملف السوري "غير مريح لنا سواء من الحكومة أو المعارضة"، مضيفاً: "هم أحرار في توجههم ونحن لن نستجيب لأي ضغوط لحرف مسار القرارات الدولية".

إلى ذلك، رأى الباحث السياسي أحمد القربي أن التحول في السياسة التركية حيال الملف السوري "ليس جديداً ومفاجئاً"، موضحاً أنه "منذ عام 2016 تغيرت الأولويات لدى أنقرة من تغيير بنية النظام السوري إلى مواجهة خطر قوات سوريا الديمقراطية، والتعامل مع ملف اللاجئين السوريين في تركيا والذي تبدّى أكثر في عام 2020 بعد خسارة حزب العدالة والتنمية بلديتي أنقرة وإسطنبول".

وأعرب القربي عن اعتقاده بأن خيارات المعارضة السورية محدودة، مضيفاً أن "الأبواب العربية تقريباً مغلقة أمامها مع بدء التطبيع العربي مع النظام، كما أن اليمين في أوروبا بحالة صعود، وهو ليست لديه مشكلة مع الأسد، فضلاً عن أن الإدارة الأميركية هي اليوم تعمل كبطّة عرجاء قبيل إجراء انتخابات رئاسية جديدة (مقرّرة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)". ورأى أنه "ليس أمام المعارضة السورية إلا التمسك بالهوامش المتاحة، وخصوصاً الملف الحقوقي والتركيز عليه، والتشبيك مع المنظمات الدولية المهتمة بقضايا اللاجئين من أجل عدم إعادتهم قسراً إلى سيطرة الأسد"، مضيفاً أنه "ينبغي للمعارضة السورية الارتباط أكثر بالحاضنة الاجتماعية لها في الشمال السوري لتأكيد شرعيتها".  

المساهمون