اغتيال العاروري ورفاقه... إسرائيل التي لا تتوقف عن القتل

28 يناير 2024
من مشاركة الشهيد صالح العاروري في مسيرة عودة، الشجاعية 3/8/2018(مصطفى حسونة/الأناضول)
+ الخط -

اغتالت إسرائيل مطلع شهر يناير/كانون الثاني الجاري؛ في الضاحية الجنوبية لبيروت، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، ورفيقيه القائدين عزام أقرع وسمير أفندي، وأربعة آخرين من أعضاء الحركة. بدا الاغتيال لافتًا جدًا ليس لتزامنه مع حرب غزّة فقط، وحدوثه بالضاحية الجنوبية لبيروت، حيث معقل ونفوذ وهيمنة حزب الله الكاملة، بل لأنّه، وبسياقٍ تاريخيٍ أوسع، بدا كاشفًا لطبيعة إسرائيل نفسها، وصراع البقاء المستحيل مع الفلسطينيين والعرب عامةً.

قاعدة قراءة الاغتيال هي تاريخيةٌ وفكريةٌ وسياسيةٌ وأمنيةٌ بالطبّع، كون إسرائيل دولةٌ قامت على القتل والجرائم والمجازر، بل هي تعيش أصلاً على حدّ السيف، كما قال الجنرال موشيه دايان، وتتصرف دائمًا مع سكينٍ بين الأسنان، كما كان يردد أرئيل شارون، وتلميذه ومساعده في ارتكاب الجرائم ضدّ المقاومة في غزّة – نهاية ستينيات القرن الماضي - يوسي داغان، الذي أصبح رئيسًا للموساد في ما بعد. من هنا تبدو الدولة العبرية دائمًا أسيرة قاعدة أنّ ما لم يتحقق بالقوّة (القتل) يتحقق بالمزيد منها، رغم فشل القاعدة حتّى مع تبنّيها لأكثر من سبعة عقودٍ.

تاريخيًا أيضًا، اغتالت إسرائيل آلاف القادة، وعشرات الآلاف من الفلسطينيين من دون أن تتوقف وتقرأ وتستخلص العبر السياسية والأمنية والاستراتيجية اللازمة، رغم أنّها العبارة الأكثر رواجًا في الإعلام العبري، كون الشعب الفلسطيني لا يستسلم، والقضية لا تزول أو تنتهي، والحركات والفصائل تواصل طريقها مع زخمٍ وعنادٍ أكبر مع بركة دماء الشهداء، كما يحلو للإسلاميين القول.

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ قرار اغتيال العاروري ورفاقه، قد صدر علنيًا قبل طوفان الأقصى بشهورٍ طويلةٍ

اغتيال العاروري مرتبطٌ إلى حدّ ما بطوفان الأقصى، أو هكذا تصوره إسرائيل بعد تشكيلها فرقة نيلي لقتل كلّ من له علاقة بالعملية، في تكرارٍ لما فعلته مع مجموعة أيلول الأسود، بعد عملية ميونيخ 1972، حيث واصلت جرائم القتل لـ20 سنةٍ تقريبًا، وبعد اغتيال القائد أبو علي حسن سلامة في بيروت 1979، توهمت أنّها أغلقت الدائرة مع اغتيال عاطف بسيسو في باريس 1992، علماً أنّ طوفان الأقصى نفسه ينسف الفكرة من أساسها.

ناهيك عن الاستلاب لغريزة الدم والقتل، فإنّ الاغتيالات نفسها غير شرعيةٍ ولا قانونيةٍ ومناقضةٍ للمواثيق الدولية، وهي ببساطةٍ إعدامٌ خارج المحكمة، مع التأكيد كذلك على عدم امتلاك إسرائيل، كقوّة احتلالٍ، الحقّ في محاكمة المقاومين، والشعب الفلسطيني عامةً.

أيضًا، تمثّل فرقة نيلي استنساخا للذهنية نفسها من دون استخلاص العبر، فمن أيلول الأسود والعاصفة وفتح إلى طوفان الأقصى والقسام وحماس لم يتغير شيءٌ، والشعب الفلسطيني لا يزال يقاوم، والاحتلال لا يستطيع أن يطمئن أو يشعر بالأمان أبدًا.

في السياق ذاته، تعتبر إسرائيل الشهيد العاروري، ورفاقه مسؤولين عن طوفان الأقصى، ومرتبطين به تخطيطًا وتنفيذًا، هذا غير دقيقٍ بالطبّع، حتّى مع مكانة العاروري المركزية في الحركة، وعلاقته الوثيقة مع يحيي السنوار، كون العملية خططت ونفذت بداخل "غزّة"، وبأقصى درجات السرية، وساعة الصفر لم يعرفها أحدّ، باستثناء قادةٍ معدودين على أصابع اليد هناك.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

وعليه، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ قرار اغتيال العاروري ورفاقه، قد صدر علنيًا قبل طوفان الأقصى بشهورٍ طويلةٍ. وهنا يجب التذكير بمشهد التحدي الشهير للشهيد العاروري في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. في الحقيقة، يتعلق الأمر بنجاح الشيخ صالح بإعادة بناء جسم حماس العسكري في الضفّة والخارج، ما يفسر من جهةٍ أخرى استهداف رفاقه، عزام أقرع المسؤول عن كتائب القسام في الضفّة، وسمير أفندي مسؤول الكتائب في لبنان.

في ما يخص دلالة المكان، الضاحية الجنوبية لبيروت، فنحن بالتأكيد أمام اختراقٍ أمنيٍ كبيرٍ؛ لا نستطيع التقليل منه، لحزب الله وبيئته وحلفائه، خاصّةً أنه جاء بعد نجاح إسرائيل في اغتيال مسؤول الحرس الإيراني رضي الموسوي في دمشق، ثم القيادي بالحزب وسام الطويل بعبوةٍ ناسفةٍ قرب بيته في جنوب لبنان، وقادة فيلق قاسم سليماني في دمشق أيضًا، علمًا أنه لا يجب أبدًا وضع الشيخ العاروري ورفاقه الشهداء معهم في السلة نفسها، كونهم لم يتورط بإجهاض الثورات العربية، وارتكاب المجازر، بما في ذلك التهجير القسري، والتغيير الطائفي في سورية والعراق واليمن ولبنان، ولم يكن لا هو، ولا حماس جزءًا من الامبراطورية الفارسية المتوهمة، التي تتباهى باحتلال عواصم أربع دولٍ عربيةٍ، وتتبجح بأن بغداد عاصمة الإمبراطورية المزعومة.

هذا يفسر من جهةٍ أخرى؛ عدم رد حزب الله، وحلفائه الجدي على الاغتيال بل الاغتيالات، رغم الخطاب الدعائي المرتفع، وسياسة ميغافون المستمرة، والتذاكي عبر ما يوصف بالصبر الاستراتيجي، في حين تواصل حماس، كما دائمًا، التصدي للاحتلال، كما يبرهن على ذلك الفيديو الشهير من خانيونس، وإهداء المقاومين عملياتهم إلى روح العاروري ورفاقه الشهداء.

إلى ما سبق، ثمة نقاطٌ أو معطياتٌ حاضرةٌ ذات طابعٍ شخصيٍ في التعاطي مع جريمة الاغتيال، إذ قابل الكاتب الشيخ صالح في مناسباتٍ اجتماعيةٍ عدّةٍ، وتحدثنا ذات مرّةٍ عن التطورات والاستقطاب الحاد في إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، مع الغرق في الموجات الانتخابية الطويلة، كما شاهدته مرارًا مع عائلته في حديقة الحي المجاور، إذ بدا رب أسرةٍ وأبًا فلسطينيًا بسيطًا ومتواضعًا، علمًا أنّه أنجب بعد سنواتٍ طويلةٍ من زواجه، إثر قضائه فتراتٍ طويلةً من عمره في الاعتقال. على صلةٍ ومن القاعدة الأخلاقية نفسها؛ نسج الشهيد علاقاتٍ وطنيةً واسعةً، وكان دومًا رجل حوارٍ ومصالحةٍ، في سياق السعي إلى إنهاء الانقسام، وترتيب البيت الداخلي، للتفرغ لمواجهة التناقض الجذري والأساسي مع الاحتلال.

تبدو الدولة العبرية دائمًا أسيرة قاعدة أنّ ما لم يتحقق بالقوّة (القتل) يتحقق بالمزيد منها، رغم فشل القاعدة حتّى مع تبنّيها لأكثر من سبعة عقودٍ

أيضًا؛ التقى الكاتب مع عزام أقرع في دمشق، قبل ثلاثة عقودٍ تقريبًا، وكان أحد ستةٍ من مبعدي مرج الزهور إلى لبنان-1992- لم يعودوا إلى فلسطين لأسبابٍ وحاجاتٍ تنظيميةٍ، حيث انكب بإخلاصٍ وجدٍّ على دعم الانتفاضة، ومواجهة اتّفاق أوسلو وإفرازاته، خاصّةً الأمنية، ضمن الانفجار الشعبي في مواجهة الاتّفاق سيء الصيت، كما تنبأ القيادي الفتحاوي المؤسس خالد الحسن "رحمه الله".

أيضًا؛ كانت قصة مرج الزهور قفزةً في الهواء من قبل الاحتلال، واعتماد الهروب المنهجي إلى الخيارات العسكرية والأمنية، وعدم فهم الحيثيات والدلالات، واستخلاص العبر الصحيحة والمناسبة منها، إذ لا يزال الجذر الوطني السياسي لقضية فلسطين الأصل والقاعدة للقضية الحية، والشعب المقاوم العنيد، الذي لا يستسلم، ولا يخضع رغم جرائم الاحتلال ومجازره، ويحمل الراية جيلاً بعد جيلٍ، من عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني  إلى صالح العاروري وعزام أقرع وسمير أفندي، على طريق نيل وتحقيق أماله الوطنية المشروعة في العودة والاستقلال والسيادة وتقرير المصير.

المساهمون