استمع إلى الملخص
- تشمل الاغتيالات الإسرائيلية وكلاء الوزارات ومسؤوليها، مما يخلق فراغاً إدارياً وفوضى في المجتمع الفلسطيني، ويؤثر على تأمين المساعدات للنازحين.
- تهدف إسرائيل من خلال هذه الاستراتيجية إلى زعزعة استقرار الشعب الفلسطيني واستبدال حكم حماس بحكم آخر مقبول لها، مما يعكس رغبتها في تغيير الوضع بعد الحرب.
لم توقف إسرائيل مساعيها المعلنة منذ اليوم الأول لحرب الإبادة على قطاع غزة منذ نحو 15 شهراً، لإنهاء حكم حركة حماس عبر استهداف الجسم الإداري المحسوب عليها، من قيادات حكومية ورؤساء بلديات ومسؤولين في الأجهزة الأمنية وحتى تدمير المستشفيات والمقار الوزارية المختلفة. وفجر أول من أمس الخميس، اغتال الاحتلال الإسرائيلي قائد جهاز الشرطة محمود صلاح ومعاونه حسام شهوان، وهما من أبرز المسؤولين في وزارة الداخلية بغزة، الذين اغتالهم الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وصلاح الذي شغل منصب قائد جهاز الشرطة، من أقدم العاملين في هذا المجال إذ بدأ العمل فيه منذ تأسيس السلطة الفلسطينية قبل 30 عاماً، عدا عن كونه من الشخصيات التي نُسب لها تطوير الجهاز الشرطي في السنوات الأخيرة، منذ أن تقلد منصبه قبل أكثر من ست سنوات. ومنذ بداية الحرب على القطاع حدد الاحتلال مجموعة من الأهداف كان من ضمنها استهداف الجسم الحكومي في غزة واستبداله بجسم حكومي آخر، بالإضافة إلى القضاء على "حماس" والمقاومة الفلسطينية. وتعرضت مجموعة كبيرة من الموظفين والعاملين في الحقل الحكومي إلى الاستهداف، لا سيما رؤساء المجالس البلدية الذين تم استهداف مجموعة منهم، كان آخرهم رئيس بلدية دير البلح دياب الجرو الذي اغتاله الاحتلال في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
حسام الدجني: يحاول الاحتلال بالاغتيالات تغيير شكل اليوم التالي للحرب
اغتيال رؤساء بلدية في غزة
وقبل اغتيال الجرو، اغتال الاحتلال ثلاثة رؤساء بلديات هم مروان حمد رئيس بلدية مدينة الزهراء الذي اغتاله الاحتلال في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وحاتم الغمري رئيس بلدية مخيم المغازي الذي اغتاله الاحتلال في التاسع من إبريل/نيسان الماضي، وإياد المغاري رئيس بلدية مخيم النصيرات الذي تم اغتياله هو الآخر في السادس من يونيو/حزيران الماضي. أما على الصعيد الشرطي فقد نفذ الاحتلال عشرات العمليات التي طاولت قيادات شرطية بارزة بالإضافة لعناصر تأمين المساعدات والشاحنات التي من المقرر أن تصل للنازحين الفلسطينيين في مختلف مناطق وجودهم. وعُدّت عمليات الاغتيال التي جرت في 18 مارس/آذار 2024 من أبرز العمليات التي طاولت شخصيات قيادية في الجسم الشرطي حيث اغتال الاحتلال في يوم واحد مسؤول عمليات الشرطة العميد فائق المبحوح والمقدم رائد البنا مدير مباحث شمال غزة والمسؤول عن تأمين المساعدات إلى شمال غزة، إضافة إلى رئيس شرطة مدينة النصيرات المقدم محمد البيومي.
وفي إبريل/نيسان 2024 اغتال الاحتلال شخصيات شرطية أخرى، من ضمنها رئيس مركز شرطة جباليا النزلة رضوان رضوان رئيس لجنة تأمين المساعدات في شمال القطاع، بالإضافة إلى اغتيال مدير لجنة الطوارئ في منطقة غرب غزة أمجد هتهت، خلال وجوده في منطقة دوار الكويت، جنوبي مدينة غزة. ولم يسلم وكلاء الوزارات المدنية الأخرى ومسؤولوها من عمليات الاغتيال التي نفذها الاحتلال بحقهم، بعد أن تم تنفيذ سلسلة من العمليات التي استهدفتهم. وفي يونيو الماضي اغتال الاحتلال مدير عام الإسعاف والطوارئ بمدينة غزة هاني الجعفراوي، بعد قصف جوي طاوله خلال وجوده في مبنى عيادة الدرج الطبية وسط مدينة غزة.
واغتال الاحتلال وكيل وزارة العمل إيهاب الغصين في يوليو/تموز الماضي، بعد غارة استهدفته مع مجموعة من النازحين غرب مدينة غزة ليلتحق بزوجته وابنته إذ قتلهم الاحتلال في قصف طاولهم بأحد المنازل الذي نزحوا إليه. وفي أغسطس/آب الماضي، اغتال الاحتلال وكيل وزارة الاقتصاد الوطني عبد الفتاح الزريعي، في غارة استهدفته في منزله حيث استشهد مع والدته بمدينة دير البلح وسط القطاع، وتبنى الاحتلال العملية واتهم الزريعي بأنه وزير اقتصاد "حماس" في غزة. وفي سبتمبر/أيلول الماضي اغتال الاحتلال ماجد صالح، مدير عام وزارة الأشغال العامة والإسكان، برفقة مجموعة من الموظفين في الوزارة والمواطنين في غارة استهدفتهم حيث كانوا قد نزحوا في مدرسة كفر قاسم غرب مدينة غزة.
وعكست عمليات الاغتيال التي طاولت العاملين في القطاع الشرطي والأمني بالإضافة للبلديات وغيرها من المؤسسات الحكومية المدنية، رغبة إسرائيلية في نشر الفوضى وخلق حالة من عدم الاستقرار في صفوف المجتمع الفلسطيني بغزة. وظهر هذا الأمر بصورة واضحة من خلال تعمد الاحتلال استهداف عناصر تأمين الشاحنات المدنية التي كانت تأتي لصالح مؤسسات دولية وأممية، في الوقت الذي لم يكن فيه الاحتلال يستهدف العصابات المسلحة التي تقوم بسرقة هذه المساعدات. في موازاة ذلك، فإن الاحتلال تعمّد استهداف المجالس البلدية من أجل ذات الغرض، لا سيما أن الكثير من العاملين في المجالس البلدية كانوا ينشطون في مجال العمل اليومي خلال الحرب، وهم من البلديات الفاعلة بشكل حقيقي على صعيد توفير الخدمات الأساسية ومن أبرزها المياه التي كانت توزع على النازحين. بالإضافة إلى ذلك، يسعى الاحتلال عبر هذه الاغتيالات التي لا تتوقف إلى ترسيخ أحد أهدافه ومحاولة تحقيقها من خلال السعي لاستبدال حكم "حماس" بحكم آخر يكون مقبولاً بالنسبة له بعد أكثر من 16 عاماً من حكم الحركة لقطاع غزة.
إسماعيل الثوابتة: الاحتلال يستهدف خلق فراغ إداري وحكومي وبيئة فوضوية في غزة
خلق فراغ إداري وحكومي
في السياق، أوضح مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال يستهدف خلق فراغ إداري وحكومي وبيئة فوضوية في غزة. وأضاف أن الاحتلال اغتال مدير عام الشرطة ومساعده أثناء تأدية واجبهما الوطني والإنساني في منطقة المواصي بمحافظة خانيونس "وهذا التصعيد يأتي ضمن مخطط واضح يهدف من ورائه الاحتلال الإسرائيلي إلى خلق فراغ إداري وحكومي، ونشر الفوضى والفلتان الأمني في غزة، في محاولة لزعزعة استقرار الشعب الفلسطيني". من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة حسام الدجني، أن ما يقوم به الاحتلال هو عمل منظم يستهدف المؤسسة الحكومية والوجود الحكومي في القطاع الذي يعيش تحت الحرب للعام الثاني على التوالي. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن استهداف المؤسسات الحكومية منذ بداية الحرب واغتيال قادة العمل الحكومي وقصف منازلهم، يندرج في إطار مساعي الاحتلال الإسرائيلي لتغيير شكل اليوم التالي للحرب في غزة. وأوضح الدجني أن جميع الاغتيالات تستهدف خلق واقع مغاير للواقع القائم حالياً خلال الحرب أو ما قبل السابع من أكتوبر 2023، وخلق واقع جديد يتماشى مع الأهداف الإسرائيلية للحرب. وما يجري حالياً يندرج في إطار الأهداف التي حددها الاحتلال للحرب منذ اليوم الأول لها، والسعي لاغتيال غالبية من يديرون العمل الحكومي سواء على صعيد الشرطة أو بقية الوزارات والمؤسسات الحكومية.