في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، استولت القوات الفرنسية على زورق محمّل بالأسلحة والذخائر قبالة الساحل اليمني، على متنه أكثر من 3 آلاف بندقية هجومية ونصف مليون طلقة و20 صاروخاً موجهاً مضاداً للدبابات. وأعلن الجيش الأميركي مشاركته في العملية، وفق ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في حينه.
وتُعدّ العملية الفرنسية الأحدث ضمن حملة واسعة تنفذها القوات البحرية المشتركة، المنتشرة في البحر الأحمر والخليج وخليج عمان، لاعتراض شحنات أسلحة إيرانية مهرّبة في طريقها إلى الحوثيين في اليمن.
اعتراض شحنات الأسلحة
وفي مطلع يناير الماضي، كشفت البحرية الأميركية أن قواتها اعترضت سفينة صيد في خليج عمان، على متنها 2116 بندقية هجومية من طراز "إيه كي 47"، أثناء عبورها المياه الدولية على طول الطريق البحري من إيران إلى اليمن، كان يُستخدم سابقاً لتهريب البضائع غير المشروعة إلى الحوثيين في اليمن، وكان على متنها ستة مواطنين يمنيين.
وخلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي، اعترض الأسطول الخامس الأميركي سفينتي صيد في خليج عمان لتهريب ما أسماها "مساعدات مميتة" من إيران إلى اليمن. ففي الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، ضُبطت سفينة تحمل أكثر من 50 طناً من الذخيرة وأجزاء تُستخدم في صناعة الصواريخ وإطلاقها، كما اعتُرضت سفينة، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تحمل أكثر من 170 طناً من أدوات تستخدم في صناعة الصواريخ.
علي الذهب: ما يحصل هو مواجهة بحرية للضغط على إيران
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، استولت القوات الأميركية وشركاؤها على أكثر من 5 آلاف قطعة سلاح، و1.6 مليون طلقة ذخيرة، و7 آلاف فتيل صاروخي، و23 صاروخاً موجهاً مضاداً للدبابات، وآلاف الكيلوغرامات من الوقود المستخدم لإطلاق قذائف صاروخية، بحسب تصريح المسؤول في القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية تيم هوكينز.
وبرزت، خلال الأشهر الماضية، عملية تحشيد ضد إيران قبالة سواحل اليمن وعُمان. وفي 13 فبراير/شباط الحالي، كشفت بريطانيا أنها قدمت لأول مرة أدلة على أن إيران تزود الحوثيين بأسلحة متطورة، بعد العثور على صور للاختبارات التي أجريت في مقر الحرس الثوري في طهران داخل قرص صلب لطائرة من دون طيار ضبطتها البحرية الملكية البريطانية في فبراير 2022، وفق ما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".
وقال مسؤول في وزارة الدفاع البريطانية: "إن الأسلحة والأدلة الأخرى قُدّمت إلى الأمم المتحدة على أنها تربط إيران بانتهاكات قرارات مجلس الأمن التي تمنع شحنات الأسلحة إلى الحوثيين"، مشيراً إلى أنها "المرة الأولى التي نتمكن فيها من تقديم أدلة على وجود صلة مباشرة بين الدولة الإيرانية وتوريد هذه الأسلحة".
وعملت الجيوش الغربية في البحر، خلال الأشهر الماضية، بشكل منتظم، على مداهمة القوارب والسفن التي تحاول تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، في ما يبدو أنه جهد منسق بهدف الضغط على طهران، ضمن رسائل متعددة، أبرزها التدريبات العسكرية الأخيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهما من خصوم إيران الإقليميين الآخرين، بالإضافة إلى الضغط في الاتحاد الأوروبي لتصنيف الحرس الثوري الإيراني "منظمة إرهابية".
وتشير عمليات الضبط، أخيراً، من فرنسا وبريطانيا، إلى أن الدولتين باتتا حالياً تؤديان دوراً أكبر في اعتراض الأسلحة الايرانية، بعدما كان الدور منوطاً بالجيش الأميركي، الذي يدرس إرسال آلاف من تلك الأسلحة التي جرى الاستيلاء عليها إلى أوكرانيا، وفق ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 14 فبراير الحالي.
ومنذ انتهاء الهدنة اليمنية في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تتصاعد المخاوف من احتمال حصول تصعيد عسكري كبير في اليمن. وتشير شحنات الأسلحة الكبيرة، التي جرى ضبطها أخيراً، إلى أن الجماعة تخطط لاستئناف الهجمات عبر الحدود، تحديداً باتجاه السعودية والامارات، وهما من أبرز مصادر الطاقة.
وتُعدّ الزيادة الملحوظة في شحنات الأسلحة الإيرانية للحوثيين في أعقاب وقف إطلاق النار أمراً مثيراً للقلق، لأنه يقوّي النفوذ والتأثير الايرانيين على الحوثيين لإفشال أي اتفاق سلام، في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي إلى الدفع بالأطراف اليمنية إلى اتفاق سلام.
أبو بكر الفقية: اعتراض الأسلحة يندرج في سياق تسوية الغرب حساباته مع إيران
ورأى الباحث العسكري اليمني على الذهب "أن عمليات ضبط الأسلحة المهربة من شأنها إضعاف الحوثيين الى حدٍ ما ووضعهم في حاجة دائمة للأسلحة والتقنيات العسكرية، في وقت يسعون فيه لتعزيز قدراتهم، والاستفادة من الهدنة لتطويرها".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "لكن الاعتراضات لا تقتصر على إمداد الحوثيين بالأسلحة، وهذه قضية فرعية في الحقيقة، ولكنها في الإطار العام أحد اهتمامات إيران، لأنها تُمكّن فواعلها العنيفة في المنطقة، مثل الحوثيين وحزب الله، من تحقيق مكاسب عسكرية".
مواجهة بحرية للضغط على إيران
واعتبر الذهب "أن اعتراض الأسلحة لا يتعلق بحرب اليمن بشكل خاص، بل بالصراع الناعم مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن المشتبكة مع إيران في قضايا عدة، أبرزها الاتفاق النووي، والجماعات التي تهدد مصالحها في الخليج والبحر الأحمر".
ورأى أن "ما يحصل هو مواجهة بحرية للضغط على إيران، وخلق مبرر لتلك الدول من أجل تعزيز وجودها العسكري. وفي عام 2021، بدأت بريطانيا نقل قاعدتها العسكرية من كندا إلى منطقة الدقم في عمان، بمبرر أن هنالك تهديداً للمصالح البريطانية والغربية بشكل عام، ما يقتضي انتشاراً عسكرياً".
وأوضح الذهب أن "هناك سجالات بحرية لتعزيز هذه المبررات على الوجود العسكري بين تلك الدول وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، في ما يُعرف بحرب الظل البحرية، وهناك استهدافات متبادلة لسفن تجارية في عمليات متنوعة خلال الأشهر الماضية".
ونظراً للأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب في الملاحة الدولية، اتخذت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من قضية تهريب الأسلحة للحوثيين في اليمن مبرراً لتكثيف الوجود العسكري خلال السنوات الماضية.
من جانبه، قال الصحافي اليمني أبو بكر الفقية لـ"العربي الجديد": "بالنسبة للأميركيين والأوروبيين، لا يبدو أن أهمية عمليات اعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية نابعة من خطورة وصولها إلى الحوثيين وعلى حياة اليمنيين واستقرار اليمن، إنما من كونها وسيلة غربية ربما تكون مجدية في ملفات خارجية أخرى، في سياق تسوية الغرب حساباته مع إيران".
ومع اشتداد عمليات مصادرة الأسلحة المهربة وتعثر جهود المفاوضات مع السعودية، هدد الحوثيون خلال الأشهر الماضية بـ"معركة بحرية". وقال رئيس المخابرات العسكرية الحوثية عبد الله يحيى الحاكم، في نوفمبر الماضي، إن "المواجهة البحرية أشد من أية مواجهة أُخرى، وهو ما يتطلّب العمل لها بشكلٍ دقيق وجيّد وبجهودٍ أكبر، وأن البحر مليء بدول العدوان ووسائله العسكرية".
هاشم: الولايات المتحدة وبريطانيا يستخدمان الحرب في اليمن وتزويد الحوثيين بالأسلحة في مسار الضغوط على إيران في الملف النووي
من جانبه، اعتبر الباحث في الشؤون الخليجية الإيرانية، عدنان هاشم، أنه "من الواضح إن الولايات المتحدة وبريطانيا يستخدمان الحرب في اليمن وتزويد الحوثيين بالأسلحة في مسار الضغوط على إيران في الملف النووي". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "بالنسبة لليمن، فإن استمرار العمل بحراً بهذه الوتيرة ومع قوة المهام المشتركة 153 في البحر الأحمر وبحر العرب، سيحدّ جزئياً من وصول الأسلحة النوعية إلى الحوثيين".
واستدرك بالقول: "لكن ذلك، في الوقت ذاته، مع الهجمات البحرية الإيرانية، يزيد من التوتر بين الغرب وإيران، ما يسبب على المدى القصير والمتوسط تهديداً إقليمياً مع مخاطر متزايدة".