رهاب تشيرنوبيل يخيم على استفتاء أول محطة نووية في كازاخستان

06 أكتوبر 2024
بحيرة بلخاش، 20 يوليو 2024 (رسلان بريانيكوف/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتوجه مواطنو كازاخستان إلى مراكز التصويت للمشاركة في استفتاء حول بناء أول محطة نووية، حيث يحق لأكثر من 12 مليون شخص الإدلاء بأصواتهم. يأتي هذا الاستفتاء بناءً على قرار الرئيس توكاييف الذي يرى في الطاقة النووية حلاً لمستقبل اقتصاد البلاد.

- أظهرت استطلاعات الرأي أن 53.1% من الكازاخستانيين يؤيدون بناء المحطة النووية، بينما يعارض 32.5% المشروع بسبب المخاوف البيئية وتداعيات الحوادث النووية السابقة مثل كارثة تشيرنوبيل.

- في حال الموافقة، ستكون شركة "روس آتوم" الروسية من بين المرشحين لبناء المحطة بتكلفة 11.2 مليار دولار، على أن تكتمل بحلول عام 2035، مما يعزز الحاجة إلى الطاقة النووية في ظل احتياطيات اليورانيوم الهائلة.

يتوجه مواطنو جمهورية كازاخستان السوفييتية السابقة، اليوم الأحد، إلى مراكز التصويت للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على بناء أول محطة نووية. وستتضمن استمارة التصويت سؤالاً واحداً فقط، وهو "هل توافقون على بناء محطة نووية في كازاخستان؟" مع خياري الإجابة بـ"نعم" أو "لا". وفي وقت تحق فيه المشاركة في التصويت لأكثر من 12 مليون شخص موزعين بين الداخل والخارج، تقرر فتح خمسة مراكز اقتراع في روسيا التي تحتضن جالية كازاخستانية كبيرة، وذلك في سفارة كازاخستان بموسكو والقنصليات العامة في مدن سانت بطرسبورغ وقازان وأستراخان وأومسك.

استفتاء على أول محطة نووية

وقرر الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف طرح مسألة بناء أول محطة نووية للاستفتاء، معتبراً أن كازاخستان تحتاج إلى "الطاقة النووية النظيفة". وقال توكاييف في وقت سابق: "هذه مسألة مبدئية لمستقبل اقتصادنا. نشغل المرتبة الأولى في العالم من جهة إنتاج اليورانيوم، ولدينا مصانع منتجة لمكونات الوقود النووي. لذلك أولي اهتماماً خاصاً لمسألة بناء محطة نووية على أراضي بلادنا". ومع ذلك، أقرّ بأن قضية المحطة أثارت تساؤلات وجدالاً، مضيفاً: "هناك مواطنون يتبنون مواقف نقدية حيال بناء محطة نووية، وهذا الأمر قابل للتفسير إلى حد كبير، إذ يتذكر كثيرون التداعيات المأساوية لاختبارات (الأسلحة النووية في الحقبة السوفييتية) في ميدان سيميبالاتينسك (في كازاخستان) للتجارب النووية. هناك نقاط شائكة أخرى تجب مراعاتها مثل تكلفة المشروع والجوانب البيئية". وأظهر استطلاع أجراه معهد كازاخستان للدراسات الاستراتيجية في أغسطس/آب الماضي أن 53.1% من المستطلعة آراؤهم أيدوا بناء المحطة النووية، معربين عن أملهم أن يحل ذلك مشكلة نقص الطاقة الكهربائية بحلول عام 2030. في المقابل، عارض 32.5% من المشاركين في الاستطلاع بناء المحطة خشية من وقوع حوادث وتداعياتها على البيئة، فيما لم يحسم 14.4% أمرهم بعد.


نيكيتا ميندكوفيتش: سيكون إنشاء أول محطة نووية في كازاخستان قراراً سياسياً

وميدان سيميبالاتينسك للتجارب النووية من الصفحات الشائكة لماضي كازاخستان ضمن الاتحاد السوفييتي، إذ أجرت موسكو السوفييتية أول اختبار لقنبلة نووية في 29 أغسطس 1949. وحتى عام 1989، أجري في ميدان التجارب ما لا يقل عن 468 اختباراً نووياً، فوق الأرض وتحتها، وفق بيانات واردة في الموقع الرسمي للأمم المتحدة. وأظهرت بيانات الأمم المتحدة أن مئات آلاف الأشخاص تعرضوا للإشعاع على مدى أربعة عقود، وسط تعتيم السلطات السوفييتية على ذلك حينها، قبل انكشاف الحقيقة بعد تفكك أكبر دولة في العالم ونيل كازاخستان استقلالها، وذلك في عام 1991. وأجري آخر اختبار في ميدان التجارب سيميبالاتينسك في أكتوبر/تشرين الأول 1989، وذلك قبل أقل من عامين على إغلاقه في أغسطس 1991، حين دخلت عملية انهيار الاتحاد السوفييتي مرحلتها الختامية. وقبل استفتاء اليوم، جرت مناقشة القضايا الشائكة المجتمعية بالمدن الكبرى في كازاخستان، علماً أن مسألة اللجوء إلى الطاقة النووية مطروحة في البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي. وهناك مفاعلات أبحاث عاملة في البلاد، كما سبق أن أُنتج الوقود النووي للتصدير. ووصل الأمر مراراً إلى مناقشة مواقع المحطات النووية وحتى اختيار الشركاء الأجانب المحتملين للمشروع، إلا أن هذه الخطط بقيت على الورق.

واتفق خبيران استطلعت "العربي الجديد" رأييهما على أن حادثة تشيرنوبيل هي العامل الرئيسي الذي ولّد لدى الكازاخستانيين شكوكاً في أمان الطاقة النووية، مشككين في أهمية مزاعم استمرار مفعول تجارب سيميبالاتينسك. أما حادثة انفجار محطة تشيرنوبيل التي وقعت في جمهورية أوكرانيا السوفييتية في 26 إبريل/نيسان 1986، فهي أسوأ كارثة نووية في تاريخ البشرية، وأسفرت عن انبعاث 190 طناً من المواد المشعة، وأثارت شكوكاً في أمان الاعتماد على الطاقة النووية في العالم. في السياق، اعتبر رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو نيكيتا ميندكوفيتش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "سيكون إنشاء أول محطة نووية في كازاخستان قراراً سياسياً يحظى بدعم حزب أمانات الحاكم، ولكن السلطات قررت طرح المسألة للاستفتاء، نظراً إلى حالة رهاب الإشعاع السائدة في العالم منذ واقعة محطة تشيرنوبيل، التي أثارت تساؤلات حول أمان الطاقة النووية، ودفعت بعض الدول إلى تعليق برامجها النووية، في حين عدلت دول أخرى عن إنشاء محطات جديدة".

وقلل ميندكوفيتش من أهمية المزاعم بشأن الأضرار اللاحقة على بيئة كازاخستان وصحة السكان بسبب ميدان سيميبالاتينسك، مضيفاً: "لم تثبت أي دراسة علمية تأثر صحة الكازاخستانيين بسبب سيميبالاتينسك. لكن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، روجت السلطات المحلية في الجمهوريات الوليدة أساطير من شأنها الإلقاء باللائمة على أعمال القيادة المركزية السوفييتية لتبرير الأزمات، في وقت تؤكد فيه كل المؤشرات أن الحقبة السوفييتية كانت عصراً ذهبياً من تاريخ كازاخستان وغيرها من الجمهوريات".


قسطنطين بلوخين: كارثة محطة تشيرنوبيل ألحقت ضرراً بصورة القطاع النووي

كارثة تشرنوبيل

قال الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية قسطنطين بلوخين، لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن كارثة محطة تشيرنوبيل، لا تجارب سيميبالاتينسك، هي التي ألحقت ضرراً بصورة القطاع النووي بأسره، إذ أصبحت كلمة تشيرنوبيل مجازاً لكارثة نووية كبرى، وذلك على عكس سيميبالاتينسك التي لا يتذكرها كثيرون". وفي حال موافقة المواطنين على بناء المحطة النووية، فستصبح شركة "روس آتوم" الروسية من الأطراف المرشحة لبنائها إلى جانب "سي إن إن سي" الصينية و"كي إتش إن بي" الكورية الجنوبية و"إي دي إف" الفرنسية، وسط سعي أستانة لتنويع علاقاتها الخارجية من دون الاستغناء عن علاقتها الوطيدة مع موسكو.

وأوضح متحدث باسم "روس آتوم" لصحيفة كوميرسانت الروسية أن الشركة مستعدة لأي أطر لتحقيق المشروع بما يلبي مصالح الجانب الكازاخستاني. وأضاف المتحدث، الذي لم يُكشف عن اسمه، أنه "تربطنا مع جمهورية كازاخستان سنوات طويلة من الشراكة الوطيدة. نرحب بسعي البلاد لإدراج توليد الطاقة النووية ضمن ميزانها الطاقي، ونحن مستعدون لتقديم أحدث تكنولوجياتنا الأكثر أماناً لتحقيق مشروع بناء المحطة النووية". وأعرب عن ثقته بأن "مشروع بناء المحطة النووية سيسهم في تنمية القطاع النووي في كازاخستان التي تعد دولة رائدة عالمياً في مجال إنتاج اليورانيوم".

ومن المنتظر أن تبنى أول محطة نووية في كازاخستان، في حال تصويت أغلب المواطنين بـ"نعم" اليوم، على ضفاف بحيرة بلخاش في مقاطعة ألما آتا. ومن المنتظر أن تكتمل أعمال بناء المحطة بحلول عام 2035، على أن تبلغ تكلفة المشروع 11.2 مليار دولار. مع العلم أن كازاخستان تعتمد حالياً على محطات الكهرباء العاملة على الفحم لتوفير الطاقة الكهربائية، ولكن قسماً كبيراً منها بات بحالة متهالكة، ما يتسبب في حوادث انقطاع الكهرباء وتحفيز النقاشات حول ضرورة الاعتماد على الطاقة النووية، لا سيما في ظل الاحتياطيات الهائلة من اليورانيوم التي تملكها البلاد.