استهداف مواقع الحوثيين وخطر "تطور الردع إلى حرب"

12 يناير 2024
حجم الهجوم الأميركي البريطاني يمثل مجازفة بالتحول إلى حرب (Getty)
+ الخط -

جاء القصف الصاروخي والجوي الأميركي البريطاني لمواقع عسكرية لجماعة الحوثيين في اليمن، مساء الخميس (بتوقيت واشنطن)، ليعزز الحديث المتزايد في المدة الأخيرة بواشنطن عن احتمالات توسيع الحرب.

حجم العمليات -حوالي 12 غارة استهدفت وفق التقديرات الأولية 5 مواقع تحتوي على مستودعات للمسيّرات والذخائر والمحروقات ومحطات رادار ومنصات صاروخية- بدا وكأنه يشكل مغادرة لسياسة الردع التي اعتمدتها الإدارة الأميركية والتي تقوم على التوازن في الرد، بحيث يكون من عيار الفعل الذي استوجبه. ومثل هذا الانتقال ينطوي على مجازفة بالتحول إلى حرب، لا يخفي حتى المؤيدون خشيتهم منها.

ويذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن نال في هذه العملية تأييداً واسعاً حتى من خصومه الجمهوريين (مثل السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ). وربما كان قراره في جانب منه استجابة لضغوط هؤلاء والقوى المناصرة لإسرائيل في الكونغرس لحمل الإدارة على اتخاذ قرار المواجهة مع الحوثيين، وتالياً مع إيران "وضرورة جعلها تفهم أن عليها دفع الثمن". فالأجواء مواتية ومشحونة إلى أقصى الحدود في هذا الاتجاه، على قاعدة أن الوقت قد حان "لضرب المصدر وليس فقط أذرعه في المنطقة". وبقدر ما كانت العمليات العسكرية الإسرائيلية تتعثر في غزة بقدر ما كان هذا الخطاب يتصاعد، وكأنه سواء بقصد أو بغيره، صدى لرغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وحسب ما أشير في بعض التقارير فإن ما جرى الليلة قد يكون البداية لعمليات محتملة من هذا الوزن وأكثر لو تكررت المحاولات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر. والتقديرات تميل إلى الاعتقاد بأن الحوثيين ليسوا في وارد التخلي عن ورقة البحر الأحمر، بحسبانها عامل ضغط على واشنطن لحملها على إعادة النظر في سياسة توفير الوقت المفتوح لحرب إسرائيل على غزة. لكن تراجع الإدارة الأميركية عن هذه السياسة لا يبدو وارداً هو الآخر.

منح إسرائيل المدة اللازمة "لضمان عدم تكرار 7 أكتوبر"، كان أحد العناوين الأساسية إن لم يكن العنوان الرئيسي في جولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن في المنطقة التي انتهت الخميس. والحال كذلك، صار التصعيد المتبادل غير مستبعد. وقد مهدت الإدارة الأميركية لهذا الاحتمال عبر ربط عرقلة خطوط النقل البحري في البحر الأحمر الذي تعبره "15% من التجارة الدولية"، بغلاء الأسعار على المستهلك الأميركي. وهذه حيثية تطلق يدها في هذه المواجهة لو اقتضى الأمر.

لكن مثل هذا الصدام لا يخلو من المخاطرة لو طال أمده في عام انتخابي بالنسبة للبيت الأبيض، أو لو خرج عن السيطرة، وإن كان الاحتمال الأخير غير مرجّح في ضوء عدم رغبة إيران في توسيع الحرب، وبما يبقي الوضع في إطار لعبة العض على الأصابع. لكن لا ضمانة طالما بقيت الحرب على غزة مستمرة. اشتعال الوضع في البحر الأحمر متفرع عنها "وبقدر ما تمتد العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع بقدر ما تصبح المجازفة في توسيع الحرب أكبر"، وفقاً لبن رودز النائب السابق لمستشار الرئيس ترامب لشؤون الأمن القومي. وهذه معادلة مسلّم بها من باب أن دينامية الأصل تتحكم بمصير الفرع. والمفارقة التي يشار إليها أحياناً بصورة أو بأخرى أن الأصل في هذه الحرب، أي قرار واشنطن، سلمته الإدارة إلى نتنياهو الذي لا تتردد جهات أميركية عديدة ومنها يهودية، في القول إنه يريد ويحاول تمديد رقعة المواجهة خلافاً لرغبة إدارة بايدن. ومفتاحه في ذلك التمادي في غزة، وبغطاء من الإدارة التي تعارض تمدد الحرب. لكنها قد تكون قد بدأتها في ضربة الحوثيين، بقطع النظر عن حيثيتها المتعلقة بحرية الملاحة البحرية. فاستهداف مواقع الحوثيين محطة نوعية في مسلسل التصعيد الذي توالت حلقاته في الآونة الأخيرة من بيروت وبغداد إلى التسخين على جبهة جنوب لبنان. وخشية المتخوفين من الاندفاع إلى مواجهة واسعة، هي أن تؤدي محاولات خفض التصعيد إلى نقيضها، في ظل استمرار حرب الإبادة، وبما يقود إلى الانزلاق في الردع إلى دائرة الحرب، ما لم تحزم الإدارة الأميركية أمرها، وتقرر جدّياً "تغيير مسار" الحرب. لكن المؤشرات لا تشجع. حتى قضية تأمين المساعدات الإنسانية لم تحسمها واشنطن بعد رغم كل الوعود. فما إن عاد الوزير بلينكن ليل الخميس الجمعة من زيارته إلى المنطقة حتى طالعته التقارير بالحديث عن "تفاقم المجاعة" في غزة.

المساهمون