استهداف جديد للشيخ جراح... جولة من الصراع على السيادة في القدس

14 فبراير 2022
عشرات الإصابات بصفوف الفلسطينيين في الشيخ جراح (رونالدو شميدت/فرانس برس)
+ الخط -

لم تمضِ سوى ساعات قليلة على إخلاء إيتمار بن غفير من خيمته التي أقامها وسط الشطر الغربي من حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، حتى عاد عضو الكنيست اليهودي المتطرف ورئيس ما يسمى بحركة "العظمة اليهودية" اليمينية المتطرفة، صباح اليوم الإثنين، إلى قلب الحي، مستفزاً المقدسيين عامة وأهالي الحي على وجه الخصوص، وأكد أنه لن يغادر الحي قبل أن يؤمن الحماية لمستوطن استولى أخيراً على أحد منازل الفلسطينيين، الذين يتهمهم بمهاجمة المنزل ومحاولة إحراقه.

بن غفير المتحدر من الكهانية، نسبة إلى الحاخام اليهودي المتطرف مئير كهانا، الذي اغتاله مواطن مصري في نيويورك قبل أكثر من ثلاثين عاماً، أصدر صباح اليوم بياناً قال فيه: "حتى يعود الأمن والأمان لمستوطنة شمعون هتصديق، سيواصل مكتبي البرلماني العمل هناك".

هذا الكلام الذي صرح به بن غفير، واتهامه شرطة الاحتلال بالاعتداء عليه خلال إخلائه بالقوة من داخل خيمته، وجد دعماً له من قبل وزير شرطة الاحتلال السابق أمير أوحانا، الذي زاره في خيمته بالشيخ جراح، في إشارة منه لدعم حزب الليكود للإجراءات والاستفزازات التي يقوم بها بن غفير.

وترافق ذلك مع انتشار كثيف لقوات الاحتلال داخل الحي وفي محيطه لقمع أي حراك شعبي فلسطيني مناهض لوجود بن غفير ومجموعات المستوطنين الذين بدأوا منذ الصباح أيضاً بالتدفق إلى داخل الحي واستفزاز الفلسطينيين، خصوصاً عائلة المواطنة المقدسية المسنة فاطمة سالم.

انتشار كثيف لقوات الاحتلال داخل الحي وفي محيطه لقمع أي حراك شعبي فلسطيني مناهض لوجود بن غفير ومجموعات المستوطنين

وكانت الأخيرة قد تعرضت وأفراد عائلتها، أمس الأحد، للاعتداء من المستوطنين أولاً، ثم من قبل شرطة الاحتلال التي قمعت أفراد العائلة والمتضامنين معهم وحاصرتهم داخل منازلهم. كما طاولت اعتداءات المستوطنين ثلاثة من نواب البرلمان الإسرائيلي حضروا للتضامن مع أهالي الحي، هم: أحمد الطيبي، أسامة السعدي، وعوفر كسيف.

توترات وتلاسن في الشيخ جراح

وعاد التوتر منذ صباح اليوم إلى الحي مع مشادات وتلاسن بين أهالي الحي والمتضامنين من جهة، ومن جهة أخرى غلاة المستوطنين الذين شتموا مجدداً النبي محمد، ونادوا بطرد الفلسطينيين، خصوصاً أهالي الحي، إلى سورية والأردن وغزة.

ولم تكن المجموعات الكبيرة من هؤلاء المستوطنين وحدها التي اصطفت إلى جانب بن غفير، بل إن نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس أرييه كينغ كان الناشط والموجّه المركزي لبن غفير باعتباره عراب الاستيطان اليهودي في القدس والذي يقود حملات الاستيلاء على عقارات المقدسيين وأراضيهم.

وظهر كينغ، اليوم وأمس، إلى جانب بن غفير وهو يوجّه نشطاء اليمين في مواجهتهم للفلسطينيين الذين تصدوا لاستفزازات بن غفير، وكان واحداً ممن اعترضوا طريق نواب الكنيست الثلاثة وشارك في الاعتداء عليهم الليلة الماضية. 

في مواجهته للمسنة المقدسية فاطمة سالم، قبل شهور، لم يتردد أرييه كينغ يرافقه المتطرف يونتان يوسف (حفيد الحاخام عوفاديا يوسف)، في اقتحام منزل سالم وتسليمها قراراً بإخلاء منزلها يمهلها حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقالا لها بالحرف الواحد: "معك حتى نهاية ديسمبر، وإذا ما طلعتي حنطلعك بالقوة".

وقالت المواطنة سالم في حديث مع "العربي الجديد"، إنها طردتهما، وردت عليهما: "من بيتي مش طالعة.. هذا بيتي وهذي أرضي واللي بدك ياه اعمله". سالم ولدت في حي الشيخ جراح عام 1952، وفيه عاشت طفولتها، وحتى اليوم. لكنّ الإصرار على الصمود والبقاء قابله مزيد من الاعتداء عليها وعلى عائلتها. اعتداء الأمس وإصابتها برضوض لم يكن الأول. سبقته اعتداءات أخرى على قطعة الأرض التي تملكها العائلة والمجاورة للمنزل والبالغة مساحتها 125 متراً مربعاً، وقطع لأشجار الزيتون فيها قبل أن يحيطها المعتدون بسياج ما لبث أهالي الحي أن دمروه.

فاطمة سالم المهددة بإخلاء منزلها: لن أخرج من بيتي 

أما قصة مكوثها في البيت والأرض، كما تقول، فقد بدأت حين استأجر والدها البيت عام 1948 من حارس أملاك أردني، وبموجب عقد الإيجار هذا أمضت العائلة حياتها فيه حتى العام 1988 حين دخلت العائلة في صراع قضائي مع المستوطنين على ملكية البيت والأرض وتداولتها محاكم الاحتلال في أكثر من سبعين جلسة. وهي لم ترفع الراية البيضاء حتى هذا اليوم على الرغم مما تعرضت له بالأمس وما تتعرض له يومياً.

إبراهيم سالم، نجل فاطمة، تحدث لـ"العربي الجديد" من أمام منزل عائلته بالأمس، قائلاً: "لا يحلموا أبداً بإخراجنا من بيتنا وأرضنا. ارتباطنا بالأرض ارتباط حياة وعقيدة. بإمكانهم أن يقوموا بكل شيء، لكننا لن نغادر بيتنا هذا الذي ولدنا ونشأنا فيه".
كان إبراهيم واحداً من مصابي اعتداءات المستوطنين، وتعرض لهجوم بغاز الفلفل من قبل عدد من المستوطنين قرب المنزل على مرأى من شرطة الاحتلال التي لم تحرك ساكناً. أيضاً تعرضت عائلته لاعتداء، أمس الأحد، حين داهمت الشرطة المنزل وأخرجت من فيه وقبل ذلك اعتدت على أفراد العائلة.

بالنسبة لهذه العائلة، فإن الاختبار الكبير لصمود هذه العائلة سيكون يوم تنتهي المهلة التي حددتها محكمة الاحتلال حتى مطلع مارس/آذار المقبل. وقال إبراهيم "سنقاوم أي محاولة لإخلائنا ولن ننفذ قرارات محاكم تتواطأ مع المستوطنين وترفض الاعتراف بما لدينا من مستندات قانونية تؤكد ملكيتنا للأرض".

المواطن محمود الحاج، الذي يقطن في منزل قريب من منزل عائلة سالم، كان هو الآخر ولا يزال هدفاً لمحاولات المستوطنين استلابه. روى الحاج لـ"العربي الجديد"، قائمة طويلة من الاعتداءات التي طاولته وطاولت زوجته وأبناءه سواء بالضرب أو الاعتقال.

وفي كل يوم تتعرض معظم منازل الحي، وفق الحاج، لاعتداءات عنصرية تشمل حرق السيارات، ورشق الحجارة، بالإضافة إلى رشّهم بغاز الفلفل. آخر اعتداء تعرضت له عائلة المواطن الحاج كان قبل نحو شهر، واستهدف زوجته التي أصيبت برضوض مختلفة نتيجة اعتداء المستوطنين، في حين اعتقلت شرطة الاحتلال اثنين من أنجاله أكثر من مرة بادعاء مهاجمتهما مستوطنين في الحي وحرق سياراتهم.

صراع بقاء في القدس

ويقول المقدسيون إن ما يجري في الحي منذ يوم أمس، الأحد، يبدو نسخة لما جرى قبل عام حين استُهدف أهالي الشطر الشرقي من الحي، حيث خمس عائلات مقدسية هناك تواصل صراع البقاء في منازلها، في وقت أخفق فيه المستوطنون في استصدار قرار من المحكمة العليا لإخلاء هذه العائلات من منازلها.

وقال الإعلامي والمحلل السياسي راسم عبيدات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قضية الشيخ جراح واحدة من القضايا المركزية في الصراع مع المحتل لحسم السيادة على مدينة القدس".

قضية الشيخ جراح واحدة من القضايا المركزية في الصراع مع المحتل لحسم السيادة على مدينة القدس

وأضاف: "يسعى المحتل للسيطرة على الحي والإجهاز عليه في إطار الخطة الممنهجة لحكومة وبلدية الاحتلال لإقامة قوس من الكتل الاستيطانية يربط البؤر الاستيطانية في المنطقة الممتدة من حي (جورة النقاع) كبانية أم هارون إلى حي الشيخ جراح الشرقي (كرم الجاعوني)، ومن ثم أرض مشتل (فخار السلام)، التي جرى تجريفها والاستيلاء عليها مع منزلي محمود صالحية وشقيقته وجرى هدمهما في تلك المنطقة".

وتابع: "هذا ما يؤمن الربط والتواصل بين كل البؤر الاستيطانية هناك، مع قصر المفتي، الذي سيتحوّل إلى كنيس يهودي ضخم بعد السيطرة عليه، وعلى (فندق شبرد)، الذي أقيمت مكانه بؤرة استيطانية، في حين يجري توسيع وحداتها من 28 وحدة إلى 56 وحدة استيطانية"، ولفت إلى أن "هذا المشروع يتجه صوب مبنى وزارة داخلية الاحتلال في واد الجوز، حيث مشروع واد السيلكون، ثم الذهاب باتجاه مستشفى (هداسا) الشرقية، والجامعة العبرية، حيث سيكون هناك عدد من المشاريع الاستيطانية وإسكانات لطلبة الجامعة العبرية".

ورأى عبيدات أن "المحتل يعتمد مع المقدسيين، في إطار الحرب الشاملة عليهم، خطة واستراتيجية منهجيتين تقومان على الإنهاك وتشتيت الجهد، بحيث ينقلهم من معركة إلى أخرى، أو أكثر من معركة في آن واحد، بهدف تغيير الواقعين الجغرافي والديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين وتثبيت رواية يهودية تلمودية توراتية مصطنعة على حساب الرواية الحقيقية لأهل وسكان المدينة الأصليين".

وأضاف: "ما جرى ويجري منذ ثلاثة أيام في حي الشيخ جراح الغربي (جورة النقاع)، وما تخلله من مواجهات، جاء لمعرفة وقياس ردة الفعل الشعبية المقدسية، والتي أكدت جماهيرها أنها تمتلك مخزوناً نضالياً لا ينضب".

موقف السلطة والشارع

وجد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من خلال هذا التغول للجماعات الاستيطانية متنفساً له في مواجهة خصومه وحالة الضعف والترهل الذي تعيشها سلطته، بالاتصال بالمواطنة فاطمة سالم والتعبير لها عن وقوفه ووقوف السلطة إلى جانبها، وهو اتصال حظي بتغطية واسعة من الإعلام الرسمي.

في حين كان حضور حركة "فتح" عبر كوادرها المقدسيين واضحاً أمس. وبدا هذا الحضور مرحباً به على الرغم من غياب الحضور الرسمي الذي كان أهالي الحي يودون مشاهدته، خصوصاً من وزير شؤون القدس فادي الهدمي ومن محافظها عدنان غيث، وكلاهما تطاردهما سلطات الاحتلال وتمنعهما من المشاركة في الفعاليات الميدانية، بل حتى من الوصول إلى المكتب في الرام كما هو الحال بالنسبة لغيث.

لكنّ اللافت في الجانب الآخر من ردة فعل الفلسطينيين هي التظاهرات والمسيرات التي انطلقت في بعض المدن بالضفة الغربية، ومنها رام الله، دعماً لأهالي الشيخ جراح. وما لفت الانتباه أكثر هو ترديد هتافات تأييد للقائد العام لـ"كتائب القسام" (الجناح العسكري لحماس)، محمد الضيف، ومنها "حط السيف قبال السيف نحنا رجال محمد الضيف".

مثل هذه الهتافات كانت قد وجدت أيضاً تعبيراً لها في الشيخ جراح وكانت حاضرة خلال تلاسن حدث بين الفلسطينيين والمستوطنين، إذ قام شبان مقدسيون بتذكير المستوطنين بغزة وبـ"كتائب القسام" وقائدها محمد الضيف والمتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة، مع تذكيرهم بجرائمهم الفاشية ومنها جريمة إحراق الطفل محمد أبو خضير.

المساهمون