في خطوة حاسمة لقطع الطريق على مشاركة المعارضة الليبرالية الروسية في الانتخابات البرلمانية خريف العام الحالي، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قانون يحظر الترشح في الانتخابات على أي مستوى على الأشخاص المتورطين في أنشطة "المنظمات المتطرفة". وحسب القانون، الذي دخل حيز التنفيذ مباشرة بعد توقيع بوتين عليه أمس الأول الجمعة، لن يستطيع قادة ومؤسسو "المنظمات الإرهابية والمتطرفة" من الترشح لمدة 5 سنوات من تاريخ إصدار قرار قضائي خاص بحظر، أو حلّ، تلك المنظمات. كما يمنع القانون منتسبي هذه المنظمات، والمشاركين في عملها، من الترشح لمدة 3 سنوات في أي انتخابات محلية أو فيدرالية. وتسري قيود القانون على جميع الأشخاص الذين شغلوا مناصب قيادية في تلك المنظمات وفروعها، في جميع المقاطعات الروسية في السنوات الثلاث الأخيرة قبل تصنيفها منظمات متطرفة في المحاكم، أو شاركوا في نشاطات هذه المنظمات كأفراد عاديين لعام واحد قبل القرار القضائي.
الاتحاد الأوروبي: القانون يعزز القمع المنهجي للديمقراطية
وبعد ساعات على مصادقة بوتين على القانون، دعا الاتحاد الأوروبي السلطات الروسية إلى إلغاء القانون الذي يحظر مشاركة الأشخاص المتورطين في أنشطة "المنظمات المتطرفة" في الانتخابات. وأوضح المتحدث باسم السياسة الخارجية للاتحاد بيتر ستانو، في بيان نشر مساء الجمعة الماضي، أن "القانون الجديد يعد أداة أخرى ضد الأصوات المنتقدة للسلطة والمعارضة، ومن شأنها أن تقيّد التعددية السياسية في روسيا بشكل أكبر". وشدد على أن هذا القانون، الذي تم تمريره قبيل انتخابات سبتمبر/أيلول المقبل لمجلس الدوما، بالتزامن مع قوانين "العملاء الأجانب" و"المنظمات غير المرغوب فيها"، "يعزز القمع المنهجي للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات"، مضيفاً "ما يثير القلق بشكل خاص هو أن القانون يعمل بأثر رجعي".
وعُرض مشروع القانون على مجلس الدوما (البرلمان) الروسي في بداية مايو/أيار الماضي، ولكنه خضع لتعديلات وإضافات جذرية. وفي النسخة الأولى للمشروع الذي تقدم به عدد من أعضاء حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، اقتصر على منع الترشح لانتخابات مجلس الدوما بالنسبة لقادة المنظمات والجمعيات المحظورة الحاليين، ولمدة ثلاث سنوات فقط بعد موافقة القضاء على أن المنظمة متطرفة، وفيما يخص أعضاء "التنظيمات المتطرفة" أو المشاركين في نشاطها، أو داعميها مالياً، لمدة عام واحد فقط.
وفي 21 مايو الماضي تقدّم أعضاء "روسيا الموحدة" بتعديلات كبيرة، تمدد مدة حظر الترشح للانتخابات إلى 5 سنوات للقادة و3 سنوات للأعضاء والمشاركين في نشاطات المنظمات المحظورة. وبمقتضى التعديلات المقرّة أيضاً في القراءة الثالثة والنهائية، وسّع القانون دائرة المشاركين في نشاطات المنظمات المحظورة لتشمل كل من دعمها ببيانات عبر الإنترنت، أو قدّم تبرعات مالية، أو وفّر لها مكاناً للعمل والاجتماع، أو شارك في تنظيم نشاطاتها، أو قدّم استشارات لعمل هذه المنظمات. وأصبح القانون سارياً أيضاً على قادة وأعضاء التنظيمات المتطرفة والمتعاونين معها حتى قبل إقرارها "متطرفة".
ويبدو أن قسوة التعديلات الإضافية أثارت حفيظة أحزاب "المعارضة النظامية" المقربة من الكرملين، ما دفع الحزب الشيوعي الروسي إلى التصويت ضد القانون، وعدم مشاركة الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي وحزب "روسيا العادلة" في التصويت على القانون الذي أقر في 26 مايو الماضي، وصادق عليه لاحقا مجلس الاتحاد (الشيوخ) قبل توقيع بوتين عليه الجمعة الماضي.
ومن الواضح أن القانون يهدف أساساً لمنع مشاركة أنصار ومؤيدي المعارض ألكسي نافالني الذي يقضي حكماً بالسجن، بعد عودته بداية العام الحالي من فترة علاج ونقاهة في ألمانيا، إثر تعرضه لمحاولة تسميم في أغسطس/آب من العام الماضي، اتهم بها السلطات. ووافقت محكمة في مدينة موسكو في 24 إبريل/نيسان الماضي على دعوى قضائية قدّمها الادعاء العام الروسي لتصنيف صندوقي مكافحة الفساد وحماية المواطنين، والمقرات الإقليمية للمعارض نافالني على أنهما "منظمات متطرفة". واتهم الادعاء العام حينها فريق نافالني وصندوقيه بأنه "تحت ستار الشعارات الليبرالية"، يريد تطبيق سيناريو "الثورات الملونة" في روسيا. وذكر، في مذكرته، أن لديه "أدلة شاملة على أن هذه الهياكل تقوم بأنشطة متطرفة، وتؤدي إلى زعزعة الوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد، بما في ذلك من خلال الدعوة إلى أعمال عنف، وأنشطة متطرفة، وأعمال شغب جماعية، من خلال محاولة إشراك القاصرين في أنشطة غير قانونية". وفي 29 من الشهر ذاته، أعلن المعارض ليونيد فولوكوف، أحد أهم مساعدي نافالني، أن المقرات الإقليمية أوقفت نشاطها، نظراً لعدم إمكانية الاستمرار بالعمل بعد القرار القضائي، وبسبب التبعات القانونية التي يمكن أن يتكبدها أعضاء المقرات والمشاركون في نشاطاتها.
أثارت قسوة التعديلات حفيظة أحزاب "المعارضة النظامية"
ونظّم أنصار نافالني تظاهرات ضخمة في بداية العام الحالي احتجاجاً على اعتقاله، واعتقلت السلطات الآلاف من المشاركين في هذه التظاهرات، وأصدرت أحكاماً قضائية بحق المئات منهم، تتراوح بين مخالفات مالية أو السجن لفترات مختلفة، بتهم التطرف والإخلال بالأمن العام. واستطاع فريق نافالني تحقيق اختراقات محدودة في الانتخابات المحلية، عامي 2019 و2020، عبر آلية التصويت الذكي التي تساعد الناخبين على اختيار المرشح الأكثر حظاً بالفوز من أي جهة معارضة في الدوائر التي يشارك فيها حزب "روسيا الموحدة"، ما أثار قلق الكرملين. ويأتي ضغط الكرملين على المعارضة الليبرالية قبل أشهر من انتخابات برلمانية حاسمة تنظم في 19 سبتمبر، يتوقع أن تكون حاسمة في تحديد مسار انتقال السلطة في 2024، وهو العام الذي تنتهي فيه فترة رئاسة بوتين الرابعة.
وعلى الرغم من أن التعديلات الدستورية في العام الماضي "صفّرت عداد الرئاسة"، وسمحت لبوتين بالترشح لولايتين أخريين في 2024 و2030، إلا أنه لم يحسم بعد موضوع ترشحه خصوصاً أن التعديلات الدستورية منحته حصانة مدى الحياة. ويسعى الكرملين إلى تكرار نتائج الانتخابات العامة في 2016. وحينها حصد حزب السلطة 343 من مقاعد البرلمان البالغة 450، فيما تقاسمت الأحزاب المصنفة ضمن "المعارضة النظامية" باقي المقاعد في برلمان خلا من أي كتلة معارضة.