استمرار معاناة النواب التونسيين: سلامتنا وعائلاتنا مهددة بسبب قرارات سعيّد

04 ديسمبر 2021
علّق سعيّد عضوية نواب وأوقف مرتباتهم من دون أن يقدم على حلّ البرلمان رسمياً (Getty)
+ الخط -

تتواصل معاناة عدد من النواب التونسيين، بسبب قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد تعليق عضويتهم ووقف مرتباتهم، من دون أن يقدم على حلّ البرلمان رسمياً ليستأنفوا وظائفهم الأصلية، ما دفع مختلف المصالح الحكومية إلى مطالبتهم بتوضيح وضعيتهم القانونية حتى يتمكنوا من التغطية الصحية والاجتماعية.

وتحوّلت حياة عدد من البرلمانيين إلى معاناة بسبب رفض المستشفيات ومصالح الخدمة الاجتماعية معالجتهم على غرار باقي المواطنين المكفولين اجتماعياً.

ومنذ انقلاب 25 يوليو/تموز الماضي، أطلق عدد من النواب صيحات استغاثة ونداءات للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية، بسبب رفض تقديم جرعات الكيميائي لنائبتين مصابتين بداء السرطان، ورفض إعادة المصاريف لنائبين آخرين أجريا عمليات جراحية رغم مساهمتهم في الصناديق الاجتماعية منذ سنوات طويلة.

وفي رسالة مفتوحة إلى الفاعلين السياسيين الحقوقيين والمجتمع المدني الوطني الدولي، حمّل النائب المستقيل من "قلب تونس" الجديدي السبوعي، الرئيس التونسي قيس سعيّد، مسؤولية سلامته الصحية بعد منعه من إجراء عملية جراحية، مشيراً إلى أن "هناك استهدافاً للبرلمانيين من قبل مؤسسة الرئاسة".

وقال السبوعي لقد "تم منعي من حقي في التغطية الصحية. حيث إنه كان لي موعد لإجراء عملية جراحية انتظرته أكثر من 8 أشهر، إلا أنّني فوجئت بكونِي ممنوعا من حقّي في التغطية الصحية، بعد 15 سنة عمل في خدمة بلادي التزمتُ خلالها بدفع التزاماتِي لصندوق التغطية الاجتماعية".

وأضاف النائب "نظراً لما تقدّم من معطيات، وما لذلك من تهديد لحياتي وصحّتي، وأخذاً بعين الاعتبار ما تشهده المرحلة من استهداف للنواب ولعائلاتهم بما يتعارض مع الحقوق الإنسانيّة والمدنيّة، ومن ضربٍ ممنهج لمنظومة القيم والأخلاق الإنسانية، فإنّني أحمّل الجهات المسؤولة، وعلى رأسها مؤسسة رئاسة الجمهورية، ما من شأنه أن يُهدّد حياتي ويمسّ سلامتي الجسديّة".

وتابع أن "الحقّ في العلاج هو حق مواطني وقانوني ودستوري، لا منة فيه وليس مزيّة أو تفضلاً من أحد، فإنّني أدعو الجهات المعنيّة إلى التراجع عن هذا القرار غير الإنساني، وأدعو كل الحقوقيين أفراداً ومؤسسات إلى التدخل والضغط من أجل إنهاء هذه المظلمة تجاهي وتجاه كل الزملاء".

إلى ذلك، أثار خبر وفاة زوجة رئيس كتلة "حركة النهضة" في البرلمان عفيفة عماد الخميري، منذ أسبوع، ردود فعل غاضبة.

وكان الخميري قد نشر رسالة مماثلة لرسالة السبوعي بتاريخ 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال فيها: "ألفتُ نظر مختلف الفاعلين السياسيين ومختلف النشطاء على الصعيدين الحقوقيّ والاجتماعيّ الوطني والدّولي إلى الوضعية الحرجة التّي تمرّ بها زوجتي، حيثُ أجرت عملية جراحيّة أولى على مستوى الدماغ بالمعهد الوطني لجراحة الأعصاب بتاريخ 26 أكتوبر 2021، وستجري اليوم عملية ثانيَة لذاتِ الأسباب الصحيّة. ما راعني أثناء ذلك، أنّني فوجئت بكونِي ممنوعا من حقّي في التغطية الصحية، بعد سبع سنوات التزمتُ خلالها بدفع التزاماتِي لصندوق التغطية الاجتماعية خلال كامل الفترة النيابيّة التي قضيتُها عضوا بمجلس نواب الشعب، وقبل ذلك طيلة عملِي الخاص قبل سنة 2014. ونظراً لما تقدّم من معطيات، وما لذلك من تهديد لحياة وصحّة زوجتي، وأخذاً بعين الاعتبَار ما تشهده المرحلة من استهداف للنواب ولعائلاتهم بما يتعارض مع الحقوق الإنسانيّة والمدنيّة ومن ضربٍ ممنهج لمنظومة القيم والأخلاق الإنسانية، فإنّني أحمّل الجهات المسؤولة وعلى رأسها مؤسسة رئاسة الجمهورية ما من شأنه أن يُهدّد حياة زوجتي ويمسّ سلامتهَا الجسديّة".

100 نائب تونسي من دون مرتب

ويجد نحو 100 نائب تونسي منذ 4 أشهر أنفسهم من دون مرتب، ومحرومون من التغطية الصحية والاجتماعية، ومن دون أي مورد رزق منذ إقرار سعيّد رسمياً وقف منح رئيس البرلمان وجميع أعضائه رواتبهم في 22 سبتمبر/أيلول الماضي.

ويمنع الدستور والقانون البرلمانيين المنتخبين العاملين في القطاع الحكومي، من الجمع بين وظيفتهم في الوزارات والإدارات، وعضوية البرلمان، ويكتفون بما يصرف لهم من منحة العمل النيابي من موازنة البرلمان، ويفرض القانون عودة البرلمانيين إلى وظائفهم الأصلية عند الاستقالة من البرلمان نهائياً، أو حلّ البرلمان رسمياً.

وترفض المصالح صرف أجور النواب والتكفل بهم صحياً واجتماعياً ما لم يستقيلوا رسمياً ويعودوا إلى وظائفهم، في وقت بقي البرلمانيون يتأرجحون بين إمكانية عودة المجلس المعلق للعمل لإتمام ولايتهم، وعراقيل إتمام إجراءات الاستقالة رسمياً.

إلى متى تستمرّ وضعية النواب معلّقة؟

وبيّنت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني منى كريم الوضعية في تعليق لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أن الوضعية القانونية للبرلمانيين العاملين في القطاع العمومي والوظيفة العمومية، المباشرين والمتقاعدين، تتسم بالضبابية، لوجود عثرات ومطبات قانونية، مشيرة إلى أن "الإشكالية الإجرائية تكمن في عدم إمكانية إتمام الاستقالة من مجلس نواب الشعب لمن يريد العودة إلى العمل الأصلي، في مقابل عدم إمكانية تمتعه بالمنحة النيابية التي تُعدّ ذات صبغة معاشية باعتبارها قانوناً تعويضاً على إحالتهم على عدم المباشرة في وظائفهم الأصلية".

وأكدت كريم أن "الاستقالة من مجلس نواب الشعب غير ممكنة قانونياً وإجرائياً، وذلك بحسب ما ينظمه القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء والنظام الداخلي للبرلمان المعلّقة أشغاله بأمر رئاسي منذ يوليو 2021".

وبيّنت المتحدثة أن "إجراءات الاستقالة من عضوية مجلس نواب الشعب غير ممكنة خلال فترة تعليق نشاطه، نظراً إلى أنّ مسارها الإجرائي يمرّ وجوباً عبر معاينة مكتب البرلمان للاستقالة، والتخلي عن عضوية مجلس نواب الشعب، وإعلان الشغور ومراسلة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لاستكمال الإجراءات مع المشغل الأصلي".

وبينت أنه في "غياب إطار قانوني واضح، ستبقى وضعية النواب معلقة ما لم يصدر الرئيس أمر رئاسياً لحلّ البرلمان، أو مرسوماً تشريعياً يقدّم مسار عودتهم إلى وظائفهم الأصلية".

وفي السياق، لم تفصل المحكمة الإدارية في حزمة الطعون والقضايا المرفوعة إليها لإيقاف تنفيذ قرارات الرئيس سعيّد.

وأكّد مساعد رئيس البرلمان المكلف بالإعلام والاتصال ماهر المذيوب، أنّ سعيّد يسعى لإعادة عدد من النواب إلى وظائفهم الأصليّة ليدفع نحو حلّ البرلمان بطرق غير قانونية، في خرق للقانون والدستور.

ونشر مذيوب، أمس الجمعة، تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، تضمّنت نصّ شكوى تقدّم بها إلى رئيس الاتحاد البرلماني الدولي، بشأن ما اعتبره "ابتزاز نواب الشعب بالجمهورية التونسية لدفعهم للعودة إلى وظائفهم من دون تقديم استقالتهم حسب ما ينصّ عليه الدستور"، وفق نصّ التدوينة.

وأضاف أنّ "الإدارة طلبت من النواب تقديم طلب إنهاء إلحاق، استعداداً لعودتهم المحتملة لوظائفهم المدنية في الإدارة العمومية، من دون تقديم استقالاتهم حسب ما ينصّ عليه الدستور والقانون، مما يُعدّ ابتزازاً رخيصاً، يكشف الوجه الحقيقي للمنقلبين على الدستور والقوانين المرعية"، وفق التدوينة ذاتها.

واعتبر أنّ في ذلك "دفعاً محرجاً للنواب إلى الاستقالة الفعلية لتفريغ المجلس وحلّه على غير الصيغ الدستورية"، وفق التدوينة.

المساهمون