استقالة مديرة ديوان سعيد.. شرخ في فريق الرئيس التونسي وارتدادات منتظرة

25 يناير 2022
تعكس استقالة عكاشة الخلافات الموجودة في الدوائر المقربة من الرئيس (فرانس برس)
+ الخط -

هزت استقالة مديرة الديوان الرئاسي في تونس، نادية عكاشة، الساحة السياسية في البلاد يوم أمس الإثنين، وكانت بلا جدال الحدث الأبرز في المشهد السياسي.

وتعتبر هذه الاستقالة المدوية لمن كانت توصف بـ"سيدة القصر" منعطفاً بارزاً للغاية في المشهد السياسي التونسي، ستتلوها بالتأكيد تداعيات عدة، ليس على التعيينات القادمة في الحكومة وفي الديوان الرئاسي فحسب، بل أيضاً على مستوى الخيارات السياسية وإدارة الأزمة في البلاد، ومستقبل مؤسسة الرئاسة ككل.

ومنذ دخولها إلى قصر قرطاج منذ سنتين، عاينت عكاشة ابتعاد كل أصدقاء قيس سعيّد، وبقيت الشخصية الوحيدة الحاضرة في كل اجتماعات الرئيس ونشاطاته. وبرغم صمتها؛ فإنّ تأويلات كثيرة نسبت لها قوة ضاربة في التأثير على الرئيس وعلى الأحداث في البلاد، بالإضافة إلى كونها صندوق الأسرار الكبير، الذي لن يكون مسموحاً أن يفتح الآن تحت أي ظرف.

وقد وصف السفير الأميركي الأسبق بتونس، غوردن غراي، وهو من أبرز منتقدي الرئيس سعيّد ومواقفه؛ هذه الاستقالة في تغريدة على "تويتر" بأنها "تطوّر مهمّ في تونس".

وشارك غراي، في تغريدة خرى، تقريراً لـ"رويترز"، نقل عن مصدر سياسي قوله إنّ عكاشة "اختلفت مع دعم سعيد لقرار وزارة الداخلية بإجبار ستة من كبار المسؤولين الأمنيين، بمن فيهم رئيس مخابرات سابق، على التقاعد".

وجاءت استقالة عكاشة مثيرة شكلاً ومضموناً، إذ إنها كانت نصاً لافتاً في تركيبته، اختارت نشره على صفحتها على "فيسبوك"، أي على غير الطرق الإدارية والإعلامية الاعتيادية، وكأنها كانت تسارع في ذلك، وتخشى الالتفاف على قرارها أو اعتراضه أو تغييره بشكل ما.

وتضمنت الاستقالة موقفاً سياسياً من الأحداث، ولم تكن لأسباب شخصية كما درجت عليه الاستقالات عادة في مثل هذه المناصب في تونس.

إذ أوضحت عكاشة أنّ سبب استقالتها من منصبها هو "وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلّقة بالمصلحة الفضلى للوطن"، ورأت أنه "من واجبها الانسحاب من منصبها كمديرة للديوان الرئاسي"، على حد تعبيرها، متمنية "أن يحفظ الله تونس من كل سوء".

وتعكس الخلافات الجوهرية التي تحدّثت عنها عكاشة عمق الصراع والخلافات الموجودة في الدوائر المقربة واللصيقة بالرئيس التونسي.

ولم يعد خافياً على أحد ما كان يدور في الكواليس من أخبار عن خلاف بين عكاشة، ووزير الداخلية توفيق شرف الدين، حيث يتصارع الطرفان، منذ عودة الأخير إلى الداخلية بعد 25 يوليو/ تموز تاريخ اتخاذ سعيد إجراءاته "الاستثنائية".

ولكن ما كشفته عكاشة يُخرِج إلى الظاهر ما كان خفياً منذ شهور، من خلافات بين أجنحة الحكم، أُقحِم فيها حتى شقيق الرئيس سعيد؛ نوفل، وعدد من الوزراء ودوائر التأثير، وربما يعكس بداية مرحلة جديدة من حكم سعيد، حيث ترجّح مصادر مختلفة تداعيات لهذه الاستقالة المدوية، من بينها تغييرات قريبة قد تشهدها حقائب مهمة في الديوان الرئاسي والحكومة.

ويبدو في نهاية الأمر أنّ شق شرف الدين قد تفوّق، ولكن مؤقتاً فقط؛ لأنّ ارتدادات هذه الزلزال لم تنته باستقالة عكاشة، وربما تبدأ منها، وسيتوضح من خلال خليفة عكاشة، توجّه الرئيس سعيد الحقيقي بشأن الأزمة في للبلاد. كما ستتضح أيضاً حقيقة التوازنات الداخلية والضغوط الخارجية؛ لأنّ الشرخ الذي أحدثته الاستقالة عميق بحيث قد يخلخل التوازنات القائمة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويفسر رضا بلحاج، مدير ديوان الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، لـ"العربي الجديد"، وهو الآن القيادي البارز في "مبادرة اللقاء الوطني للإنقاذ" والداعم لـ"مواطنون ضد الانقلاب"، أنّ استقالة عكاشة  "ليست الاستقالة الأولى منذ الثورة بالنسبة لمديري الديوان الرئاسي، فقد حدثت زمن الرئيس منصف المرزوقي مع عدنان منصر، بسبب التفرغ للحملة الانتخابية، كما استقلتُ شخصياً خلال حكم السبسي".

ويرى بلحاج أنّ "الاستقالة تعكس التقاء إرادتين للانفصال في الوقت نفسه، فمن جهة سعيد لم يعد يتعامل معها كما كان سابقاً، وهي بدورها لم تعد تحظى بالمكانة نفسها، ولم يعد يُستمع إلى صوتها، بما يعني تقابل الإرادتين وانتهاء العلاقة بينهما".

وتابع: "الفرق الآن هو الوضع السياسي الحالي الخاص، الذي يتسم بالمأزق والخلاف في التقييم داخل الرئاسة بشأن الوضع في البلاد".

ويؤكد بلحاج أنّ "المنعرج في هذا الخصوص هو ما بعد أحداث 14 يناير/كانون الثاني الأخيرة، والخلاف الآن يدور ما بين خيارين؛ خيار التصلّب والمرور بالقوة إلى الأمام، أو الاستجابة للتوجه والضغط الدولي الداعي للحوار والمسار التشاركي، وهذا الخلاف هو ما أعتبره السبب الرئيس للاستقالة".

وبيّن بلحاج أنه "قد يكون للموقف الدولي، والفرنسي بالذات، دور في هذه الاستقالة، وقد تكون لمكالمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس سعيد، السبت، وضغط الجانب الفرنسي، علاقة بالاستقالة"، مشيراً إلى أنه "من الواضح أنه هناك خلافاً بخصوص توجه وزير الداخلية توفيق شرف الدين، وخيار التصلّب، وأعتقد أنّ الخلاف بالأساس حول هذا الموضوع".

ويرى بلحاج أنه "بالنظر إلى التوازنات الداخلية بين مختلف الأجنحة داخل الرئاسة؛ ربما رأت عكاشة أنه لم يعد يمكنها المواصلة، وهو ما يفسّر قولها "خلاف في التوجهات"".

سويعات بعد الاستقالة، عقد الرئيس سعيد اجتماعاً ضمّ كلاً من رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان، ووزيرة العدل ليلى جفال، ووزير الدفاع عماد مميش، ووزير الداخلية توفيق شرف الدين.

وتناول الاجتماع، بحسب بيان للرئاسة، "الأوضاع الحالية للمرفق العمومي للقضاء، وخاصة بالنسبة إلى طول فترة التقاضي، وإفلات عدد غير قليل من الأشخاص من المحاسبة، في حين أنّ الشعب التونسي يطالب بها منذ أكثر من 10 سنوات".

وأكد سعيد في هذا اللقاء على أنّ "القضاء لا يمكن أن يحلّ محل المشرّع، وعلى أنه لا بد من تطهيره ممن أثبت القضاة أنفسهم تورطهم في عدد من الملفات".

وشدّد سعيد في هذا السياق على أنّ الجميع "يتساوون في الحقوق والواجبات فلا مال ولا مصاهرة يمكن أن يقيهم من المساءلة أمام قضاء عادل يطبق القانون على الجميع".

ويلاحظ أن الاجتماع لم يتطرق إلى استقالة عكاشة فيما أُعلن، ولم يوضح الرئيس إذا ما كان قبل الاستقالة أو رفضها، ولكن مفردات الاجتماع تحمل جميعها توجهاً نحو مزيد من التشدد، رغم أنّ الارتباك الذي تخلفه الاستقالة سيتطلب بعض الوقت لاستعادة التوازن، ثم إنّ هناك رسائل خفية وجهها سعيد لأصحاب المال وعلاقات المصاهرة، بأنها "لن تحميهم من المساءلة"، ما يدفع إلى الاستغراب حول توقيت هذه التهديدات وأسبابها والمعنيين بها.

مستشار رئيس "حركة النهضة"، رياض الشعيبي، تساءل: "أين ستذهب السيدة عكاشة بعد الاستقالة؟ هل ستكون كبش فداء لتبرير التراجع عن الانقلاب؟ أم ستلتحق بالمعارضة لتبرئة نفسها من جريمة المشاركة في أحداث 25 يوليو/تموز؟".

وأضاف، في تدوينة على صفحته في "فيسبوك": "نوايا أعدائها واضحة: فرضوا عليها الاستقالة ولن يمنحوها الوقت لاختيار طريقها، بل سيحاولون مسح أوساخهم كلها فيها، أما إذا قبلنا نحن هذه المسرحية فسيكون علينا أن نقبل كل الغباء الذي كنا نسمعه منذ 25 يوليو/ تموز وحتى قبل ذلك".

المساهمون