اختطاف طائرة بروتاسيفيتش: بيلاروسيا تحتمي بروسيا

26 مايو 2021
المعارضة البيلاروسية في بولندا تطالب بالإفراج عن بروتاسيفيتش (فرانس برس)
+ الخط -

منذ واقعة اعتقال الناشط البيلاروسي المعارض، مؤسس قناة "نيكستا" على "تيليغرام"، رومان بروتاسيفيتش، بعد إرغام الطائرة التي كان يستقلها على الهبوط في مينسك يوم الأحد الماضي، تواجه بيلاروسيا ضغوطاً غربية متزايدة تمثلت في وقف عدد من شركات الطيران الأوروبية حركة الطيران عبر الأجواء البيلاروسية، ومنع رحلات شركة "بيلافيا" البيلاروسية، وتبادل طرد الدبلوماسيين بين بيلاروسيا ولاتفيا، وسط تزايد التوقعات بأن تفاقم الواقعة عزلة مينسك على الساحة الدولية. وفي محاولة من بيلاروسيا لصدّ التصعيد الأوروبية ضدها، أعلن رئيس إدارة الطيران بوزارة النقل في بيلاروسيا، أرتيم سيكورسكي، مساء أول من أمس الإثنين، أن الإنذار الكاذب الذي أدى إلى تحويل مسار طائرة كانت متجهة من اليونان إلى ليتوانيا لتحط في مينسك، كان يحمل توقيع حركة "حماس". وأضاف أنه جاء في نص الإنذار المزعوم: "نحن، جنود حماس، نطالب بأن توقف إسرائيل إطلاق النار في قطاع غزة. نطالب الاتحاد الأوروبي بسحب دعمه لإسرائيل في هذه الحرب. هناك قنبلة على متن الطائرة. إذا لم تذعنوا لمطالبنا، فستنفجر القنبلة فوق فيلنيوس في 23 مايو/أيار".


روّجت بيلاروسيا أكذوبة وجود إنذار للطائرة متعلق بحركة "حماس"

لكن المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم، نفى أي معرفة للحركة بالأمر. وقال إن حماس "لا علاقة لها على الإطلاق، وهي لا تلجأ لتلك الأساليب والتي يبدو أنها من فعل جهات مشبوهة تهدف إلى شيطنة حماس، وإلى إفشال التعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني ومع مقاومته المشروعة".

وفي ظلّ التفسير الرسمي الركيك، أعلنت متحدثة باسم وزارة الداخلية البيلاروسية، أن بروتاسيفيتش قيد "التوقيف الاحتياطي" في سجن في مينسك. وقد بثّ التلفزيون الرسمي، شريطاً مصوّراً، للمُعارض المُعتقل، يقول فيه إن فريق التحقيق يتعامل معه "في شكل مناسب تماماً"، ويُضيف: "أواصل تعاوني مع المُحقّقين، وإنني أُدلي باعترافاتي فيما يتعلق بتدبير اضطرابات كبيرة".

بدوره، قرر الاتحاد الأوروبي إغلاق مجاله الجوي ومطاراته أمام شركات الطيران البيلاروسية. ونشر مسؤولون أوروبيون، الجزء الخاص ببيلاروسيا في بيان القمة الأوروبية المنعقدة في بروكسل البلجيكية يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، والذي وافق عليه القادة المجتمعون. ونصّ البيان على فرض عقوبات جديدة على بيلاروسيا، وإغلاق المجال الأوروبي أمام شركات الطيران العائدة لهذا البلد. كما دعا القادة شركات الطيران الأوروبية إلى تجنب المرور من أجواء بيلاروسيا.

من جهته، ندد الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء أول من أمس الاثنين، بالسلوك البيلاروسي، واصفاً إرغام الطائرة على الهبوط بـ"الخطوة الفاضحة"، ومطالباً بالإفراج الفوري عن المعارض. وأضاف بايدن: "هذا الحدث الفاضح وشريط الفيديو الذي يبدو أن بروتاسيفيتش صوره تحت الإكراه، هما هجومان مخجلان بحق المعارضة السياسية وحرية الصحافة"، معرباً عن تأييده للعقوبات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي بحق بيلاروسيا. وأضاف "طلبتُ من فريقي التفكير في الخيارات المناسبة لمحاسبة المسؤولين، بالتنسيق الوثيق مع الاتحاد الأوروبي وحلفاء وشركاء آخرين ومنظمات دولية". من جهته تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى المعارضة البيلاروسية المنفية في ليتوانيا، سفيتلانا تيخانوفسكايا، معبّراً لها عن "دعم الولايات المتحدة القوي" للمطالبات بتوفير "الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية" للشعب.

في المقابل، وصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، رد فعل الدول الغربية على الحادثة، بـ"الهستيريا". وتوجهت الدبلوماسية الروسية للأطراف الغربية بالقول: "إما أن يصدمكم كل شيء، أو عليكم ألا تنصدموا بتاتا من سلوك مماثل من جانب الآخرين".

وكان لافتاً أن رد الفعل الغربي جاء حازماً وسريعاً هذه المرة، عكس الحوادث والانتهاكات الحقوقية السابقة في بيلاروسيا، حين كان المسؤولون الأوروبيون يكتفون بالتعبير عن قلقهم مما يجري، من دون اتخاذ أي إجراءات جدية بحق النظام البيلاروسي. في المقابل، زاد التصعيد الغربي المتسارع ضد مينسك من الترجيحات بأن مثل هذا الموقف قد يدفع ببيلاروسيا إلى العودة إلى منطقة النفوذ الروسي بشكل كامل، رغم تعدد الخلافات بين موسكو ومينسك خلال السنوات الأخيرة. وتجلّى أبرز تلك الخلافات في اعتقال مجموعة من المواطنين الروس في بيلاروسيا، للاشتباه بانتمائهم لشركة "فاغنر" العسكرية الخاصة في الصيف الماضي.

وبالتزامن مع تفاقم أزمة بروتاسيفيتش، ذكرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية، نقلا عن مصادرها، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيستقبل نظيره البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود بعد غد الجمعة، وهي ثالث زيارة للرئيس البيلاروسي إلى روسيا منذ مطلع العام الحالي.


وصفت روسيا الحملة الغربية على بيلاروسيا بـ"الهيستريا"

ويعزو عضو اتحاد الصحافيين البيلاروسيين، إيغور كارنيه، رد الفعل الأوروبي الحازم على واقعة بروتاسيفيتش، إلى وجود رعايا أوروبيين على متن الطائرة التي تم إرغامها على الهبوط، متوقعاً أن تزيد الحادثة من عزلة بيلاروسيا وتدفعها نحو المزيد من الاعتماد على روسيا سياسياً واقتصادياً. ويضيف كارنيه في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في الواقع، أبدى الغرب للمرة الأولى رد فعل حازماً بوصفه أعمال مينسك بأنها إرهاب الدولة". ويشير إلى أن "المسؤولين الأوروبيين كانوا يكتفون سابقاً بالتعبير عن القلق البالغ، لكن الآن تغيرت لهجة الخطاب بعد أن أصبح رعايا نحو عشرة بلدان أوروبية رهائن للديكتاتور لوكاشينكو. كما انتقلت أوروبا من الكلام إلى مرحلة الأعمال الفعلية".

وحول ما إذا كان رد الفعل الأوروبي سيدفع بمينسك للعودة إلى حضن موسكو، يجيب: "بالطبع، سيحدث ذلك وسيظهر مرة أخرى فشل سياسات النظام الحالي، إذ تتوّج 27 عاماً من حكم لوكاشينكو بالعزل الكامل عن العالم الخارجي، لتبقى روسيا هي الملاذ الأخير على المستويين السياسي والاقتصادي". وحول الثمن الذي قد تطلبه موسكو مقابل دعم لوكاشينكو، يقول كارنيه: "هناك مخاطر في أن تزداد شهوة التكامل لدى الكرملين، بينما ستضطر مينسك لدفع فاتورة (الصداقة ضد الجميع)، بما في ذلك على حساب سيادتها، أي إعادة النظر في الأمور لصالح دولة الاتحاد (مقترح روسيا بدمج روسيا وبيلاروسيا في دولة واحدة) التي سيتم التحكم فيها من موسكو".

من جانب آخر، يعتبر مدير عام مركز المعلومات السياسية بموسكو (شركة استشارات متخصصة في التحليل السياسي والعلاقات العامة)، أليكسي موخين، أن تدهور العلاقات البيلاروسية ـ الغربية لا يعني تحسناً لوضع العلاقات بين مينسك وموسكو تلقائياً في ظل تراكم الخلافات. ويقول موخين في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "صحيح أن القيادة الروسية أبدت دهشتها من الضجة التي أثيرت حول واقعة بروتاسيفيتش، رغم أنها لم تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، لكن نظرياً يجب أن يعزز ذلك العلاقات الروسية ـ البيلاروسية، إلا أن هذا الاحتمال غير مرجح، لأن روسيا لم تنس بعد واقعة اعتقال مواطنيها بذريعة انتمائهم لشركة فاغنر".