رُفِعَت حالة التأهب على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة بعد ساعاتٍ من اغتيال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري، واثنين من قادة "كتائب القسام"، بطائرة مسيّرة إسرائيلية يوم أمس في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل "حزب الله"، الذي توعّد وحركات المقاومة بالردّ على الجريمة والتشديد على أنها "لن تمرّ بلا عقاب".
ويُعدّ هذا الاستهداف الإسرائيلي الثاني في لبنان لحركات المقاومة الفلسطينية، منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ أعلنت حركة حماس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استشهاد القيادي في كتائب القسام، خليل الخراز، و4 من مرافقيه في قصف استهدف سيارتهم، في صور، جنوبي لبنان، بيد أنّ جريمة أمس، الثلاثاء، التي طاولت الرجل الثاني لـ"حماس"، تُعدّ مختلفة بدلالاتها ورسائلها السياسية والأمنية، خصوصاً من حيث مكان تنفيذها، الذي أثار تساؤلات حول القدرة الإسرائيلية على اختراق أمن "حزب الله" في معقله بالضاحية الجنوبية.
ويُتوقع أن تشكل عملية الاغتيال التي هزّت الضاحية أمس واستهدفت مقرّا لـ"حماس" بالقرب من تقاطع المشرفية، حلويات الشرق، وأسفرت عن سقوط 7 شهداء وإصابة 11 آخرين، نقطة تحوّل سواء على صعيد غزة أو جبهة لبنان الأمنية، وقد اعتبرها "حزب الله" جريمة بالغة الرمزية والدلالات وتطوراً خطيراً في مسار الحرب بين العدو ومحور المقاومة، علماً أن أوساطاً في "حزب الله" أكدت لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب يُستدرَج من جانب العدو لحرب لا يريد الانخراط فيها، ولن يحقق له غايته".
وفي وقتٍ تُنتظر إطلالة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، مساء اليوم الأربعاء، التي كانت مُحددة سابقاً قبل حصول عملية الاغتيال، والتي خرجت أنباء عدة أمس تحدّثت عن تأجيلها، يؤكد مصدرٌ قياديٌ في الحزب، لـ"العربي الجديد"، أن "نصر الله سيتحدث، وسيوجّه رسائل حاسمة ومباشرة".
ويلفت المصدر نفسه إلى أن "حزب الله نفذ 4 عمليات عسكرية على الحدود اللبنانية، أمس الثلاثاء، بعد اغتيال العاروري ورفاقه طاولت مواقع إسرائيلية وتجمّعات جيش العدو وأوقعت أفراده بين قتلى وجرحى، لكنها ليست الردّ بعد على ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت، والردّ سيكون قويّاً".
ويشير المصدر إلى أن "حزب الله سيردّ من لبنان على الاغتيال والمقاومين جاهزون ويدهم دائماً على الزناد، ولكن الردّ سيكون مدروساً، لأن الحزب لا يريد أن يحقق للعدو مراده، إذ يعمل الإسرائيلي لجرّ الحزب إلى حربٍ، من خلال تصعيد عملياته، وخرق قواعد الاشتباك في الجنوب"، لافتاً، إلى أن "قرار الحرب ليس سهلاً، وهناك اعتبارات لها علاقة بالبلد والحرب الكبرى في المنطقة وحسابات أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار، فالحرب ليست نزهة".
وحول اختراق الضاحية الجنوبية أمنياً، يقول المصدر إنّ "الطائرة المسيّرة يحتاج كشفها إلى أجهزة متطوّرة ورادارات ووسائل دفاع جوي تكون جاهزة عادة في الحروب، ولبنان لا يمتلك هذه الأجهزة"، مشيراً أيضاً إلى أنه "حتماً هناك جواسيس لإسرائيل في لبنان، وعملاء وسبق أن تحدث عنهم نصر الله، وعن أدوارهم، وهذه كلها دلائل على مدى الخسارة الكبيرة التي يعاني منها العدو وحالة الارتباك التي يعيشها".
تجدر الإشارة إلى أنّ استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، أمس الثلاثاء، هو الأشدّ منذ عدوان يوليو/تموز 2006، علماً أنه ليس الاعتداء الأول الذي يحصل في معقل حزب الله في العاصمة اللبنانية، إذ سقطت في 25 أغسطس/آب 2019، مسيّرتان إسرائيليتان في الضاحية، قرب المركز الإعلامي للحزب، واقتصرت الأضرار على الماديات. وردّ حزب الله على العملية في 1 سبتمبر/أيلول 2019، باستهداف مدرعة إسرائيلية بصاروخين مضادين للدروع من نوع كورنيت قرب مستوطنة أفيفيم، أعقبها قصف إسرائيلي على أماكن حدودية جنوبي لبنان.
لماذا يتفادى حزب الله الانخراط في الحرب حتى اللحظة؟
في الإطار، يقول العميد الركن المتقاعد بسام ياسين، لـ"العربي الجديد"، إن "العملاء ينشطون في الحروب، ومن الطبيعي أن يكون هناك عملاء ومندسّون بأيّ مجتمعٍ كان، ووجودهم بالضاحية وغيرها معلومٌ، والأجهزة الأمنية تنشط لمتابعة العملاء ومكافحتهم".
ويضيف ياسين أن "الاستهداف الذي حصل أمس في الضاحية هو خرقٌ لكلّ الخطوط المعروفة قبل الانفجار الشامل الكبير، سواء بنوعيته أو موقعه أو الشخصية المستهدفة التي تعدّ هدفاً ثميناً لإسرائيل لا يمكن تعويضه".
ويرى أن "ردّ الفعل على الاستهداف متروكٌ للوقت، فإذا كان كبيراً وعلى عمق العدو، فأعتقد أننا سنذهب إلى توسعة للحرب، من هنا الحكمة عند المقاومة أن تقوم بالرد والردع في الوقت نفسه، بشكل ألا تتمدّد الحرب، وأعتقد أن المقاومة في لبنان لا تريد الحرب الشاملة، ولا تريد أن تزيح عن هدفها الأساسي بمشاغلة العدو على الحدود وتخفيف الضغط عن غزة، من هنا فإن طبيعة الردّ وعمقه سيُدرَسان بميزان من الذهب، والأيام ستظهر ما إذا كنا ذاهبين إلى حرب شاملة أو إنْ كانت ستبقى مضبوطة".
وحول أسباب عدم وجود نية لحزب الله بالدخول في حرب، يقول ياسين: "رغم الاستفزازات الإسرائيلية المتكرّرة، فإن الحرب تُجرى لها دراسة وتقييم قبل الدخول بها، أهمّها الجبهة الداخلية، فلبنان منقسمٌ، وحتى في قلب المعركة، هناك من ينادي بتطبيق القرار الأممي 1701 ونزع سلاح المقاومة، وهناك أعداء في الداخل أكثر من الخارج، وبحسابات حزب الله، فإنه عندما تكون الخاصرة ضعيفة والظهر غير محميّ، من المستحيل بدء الحرب، عدا عن أن هناك حسابات مرتبطة ببيئة الحزب في بعلبك والجنوب والضاحية بالدرجة الأولى التي عليه أن يؤمن لها مكاناً آمناً في حال تهجّرت باعتبار أن هذه النقاط ستكون في دائرة الاستهداف الإسرائيلي".
ويردف ياسين: "قد يُجرّ الحزب إلى الحرب، لكن هناك حسابات يدرسها ترتبط بمعايير الجبهة الداخلية والدعم الدولي والعربي حتى لما بعد الحرب، كما أن الحرب وإن اندلعت يجب أن تكون بتوقيت الحزب لا بتوقيت الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن "الإسرائيلي يريد أن يحقق نقاطاً أينما كان، والحزب لن يسمح له بتحقيقها على حسابه، حتى وإن كان عسكرياً أفضل بكثير مما كان عليه في العام 2006 إبان اندلاع العدوان الإسرائيلي على لبنان، فالمجتمع اللبناني ليس جاهزاً للحرب والدليل الانقسامات من مواقف سياسية ودينية وشعبية".
ردّ مدروس وغير انفعالي لحزب الله على عملية الضاحية
في الإطار، يقول الخبير العسكري، العميد المتقاعد أمين حطيط، لـ"العربي الجديد"، "إن الجريمة بحد ذاتها لم تكن مفاجئة، وذلك منذ إعلان إسرائيل الانتقال إلى المرحلة الثالثة، التي لها أركانها وعناصرها ومنها الاغتيالات ومعالجة بنك أهداف مختار بعناية".
وفي ما يخصّ تداعيات الجريمة، يقول حطيط إن "المراقب عليه أن ينتظر موقف المقاومة بكلّ مكوّناتها، بشكل عام وحزب الله وحماس بشكل خاص، وأعتقد أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يسعى لتوسيع الحرب، لكن المقاومة لن تقدم له هذه الهدية برأيي، وهو في مرحلة الضيق والخسارة التي يتخبّط فيها، لذلك الردّ سيكون غير انفعالي، ومدروس بعناية من دون أن يستوجب حرباً شاملة أو انزلاقاً لمواجهة شاملة في لبنان".
ويرى حطيط أن "اختيار الهدف بحد ذاته والمكان هو جزءٌ من العملية، إذ إن نتنياهو يريد أن يستفزّ حزب الله ويستدرجه إلى ردّ يفتح الطريق أمام الحرب الشاملة، فهو يريد الحرب الشاملة لكن خشيةً من أميركا لا يريد أن يبدأها، من هنا اختار الضاحية، حتى يكون الحزب البادئ بالحرب".
من ناحية ثانية، يشير حطيط إلى أن "اختراق الضاحية أمنياً ممكن نظراً لتقنية الطائرات المسيّرة والموقع الجغرافي مع قرب المنطقة من البحر، وقد تتكرر مثل هكذا عمليات، علماً أنه لا يمكن أن تحصل إلا بتحضير أمني ومراقبة عميقة ومكثفة حتى تكون دقيقة، وهنا كذلك خطورة العملاء في الداخل اللبناني".
الدور الأميركي في تسوية مع حزب الله
وحول دور قد يلعبه الوسيط الأميركي، عاموس هوكشتاين، في زيارة مرتقبة له إلى بيروت قريباً، للدفع نحو تسوية مع "حزب الله"، يستبعد ياسين الذي شغل منصب رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض حول الحدود البحرية الجنوبية، الوصول إلى تسوية تضع حدّاً للحرب، باعتبار أن "الحرب بين لبنان وإسرائيل لها علاقة أيضاً بالوجود الفلسطيني في لبنان ومستقبله ومستقبل القدس ودولة فلسطين، ولا تقتصر على ملف الحدود البرية والأراضي المحتلة"، ويردف في المقابل: "إذا كان هوكشتاين آتياً لإبرام اتفاق على شاكلة الذي أدى إلى حل النزاع البحري، فالأفضل ألا يأتي".
ويرى ياسين أن "هوكشتاين قد يلعب دوراً في حلّ مسألة الخلاف حول النقاط البرية، لكن وجود حزب الله كمقاومة باقٍ على الحدود، ولن ينتفي قبل أن يكون هناك جيش قوي وقادر وقبل أن تصبح إسرائيل غير قادرة على تهديد لبنان بأرضه ومصالحه، إلى جانب تحقيق سلام شامل وعادل".