لا يهدأ الوضع الأمني في محافظة البصرة جنوبي العراق، فإلى جانب النزاعات العشائرية وارتفاع معدلات جرائم المتاجرة بالمخدرات وتهريب النفط، يظهر مجدداً صراع متنامٍ بين فصيلين مسلحين، هما "سرايا السلام" وقوامه من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، و"عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، ويزداد التوتر مع تكرار حالة الاستعراض المسلح داخل المدينة.
وخلال اليومين الماضيين، شهدت البصرة، تهديدات صدرت من الطرفين، على الرغم من عدم تسمية أي طرف للآخر بصراحة، لكن التوتر يظهر واضحاً من التعليقات التي يتركها قادة الفصيلين في المدينة من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما وأنّ الطرفين يملكان نفوذاً واسعاً في المحافظة.
وفي أحدث احتكاك بين الجانبين نظّم أنصار الصدر، مساء أمس الثلاثاء، تظاهرة أمام منطقة "القصور الرئاسية"، التي تستولي عليها عدة فصائل مسلحة وتتخذها مقرات لها، من بينها جماعة "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، وطالبوهم بإخلائها تحت عنوان تحويلها إلى متنفس للعائلات وأماكن سياحية، في محاولة لتأليب الشارع البصري ضد تلك الفصائل.
وخلال الأسبوعين الماضين، استعرضت مليشيا "سرايا السلام" في البصرة، وظهر المئات من أنصار الصدر وهم يحملون الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في جولة بين شوارع وأحياء المدينة، مع العلم أنّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان قد جمّد عمل مليشياته عقب أحداث الاشتباك التي وقعت عند مدخل المنطقة الخضراء (الحكومية) في بغداد، في أغسطس/ آب الماضي.
وكتب مسؤول "لواء البصرة"، في جماعة "سرايا السلام"، علي البيضاني، عبر "تويتر": "ندين ونستنكر استهداف المنازل الآمنة وترهيب العوائل والأطفال"، مبيّناً أنّ "سرايانا والمجاهدين على أتم الاستعداد للتعاون مع القوات الأمنية للسيطرة على الزمر الوقحة التي تريد زعزعة الأمن والاستقرار في محافظتنا البصرة الغراء".
عقب ذلك، أعلن أنصار التيار الصدري في البصرة "التأهب"، لأي فعل يوجهه "الطرف الآخر"، دون تحديد اسمه، لكن الأمر بان واضحاً، عقب الرد السريع الذي نشره "المكتب السياسي لحركة أهل الحق" التابع لمليشيا "عصائب أهل الحق" في المدينة نفسها.
وذكر، في بيان له، أنه "في ظل استمرار عمليات استهداف بيوت المواطنين وبعض المكاتب السياسية التي حصلت في الفترة الأخيرة وعلى الرغم من دعواتنا للاحتكام إلى القانون وعدم اللجوء إلى السلاح وترويع العوائل في منازلها، نجد إصرار بعض الجهات على هذا النهج المخالف للشرع والقانون والأعراف، التي هددت باستهداف بعض المنازل، وفعلاً نفذت تهديدها وهي مستمرة في ذلك".
وأضاف البيان: "من ناحيتنا ومن واقع المسؤولية نحن مستمرون في ضبط النفس ونلزم كافة إخواننا بالامتناع عن ردود الأفعال والاحتكام إلى القانون"، محمّلاً "الطرف الآخر كافة التبعات القانونية والعشائرية على هذه الأفعال، وفي نفس الوقت نؤكد على قواتنا الأمنية في التصدي والضرب بيد من حديد على المخالفين".
بيان المكتب السياسي لحركة اهل الحق من استهداف منزل أحد مجاهدي الحشد الشعبي #البصرة_ضحية_سرايا_الإجرام pic.twitter.com/oqheZHk4zi
— محمد الخياط (@mmdlky31) July 10, 2023
تنافس على النفوذ
هذه التعليقات، فسرها مراقبون من البصرة، أنها جاءت عقب استهداف قادة من الطرفين بالعبوات الصوتية، والهجمات بالأسلحة الخفيفة التي لحقت بالجانبين، لكن في الوقت نفسها، يرى بعضهم أنّ أساس غالبية المشاكل والتوترات بين الطرفين، تأتي بسبب تنافس على النفوذ داخل البصرة.
وقال عضو بمجلس محافظة البصرة المُنحل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التيار الصدري وعصائب أهل الحق، يشتركون إلى جانب بقية الفصائل المسلحة التي تستولي على القرار الأمني والسياسي في المدينة، على ملفات اقتصادية وتجارية، ومنها ما يتعلق بالاستيراد والتصدير من إيران والكويت، فيما تتورط بعض هذه الفصائل بملف تهريب وإدخال المخدرات عبر ممرات غير رسمية مع شبكات داخل إيران".
وأضاف مُفضّلاً عدم الكشف عن اسمه، أنّ "الخلافات حول النشاطات الاقتصادية والتجارية هو أساس الخلافات بين الطرفين، وهذا لا يعني عدم وجود خلافات لأسباب أخرى، منها العقائدية والسياسية، بسبب توجهات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من بقية المليشيات المشاركة في حكومة محمد شياع السوداني".
وبرغم كل التوتر الشاخص في البصرة، إلا أنّ المؤسسات الأمنية والقضائية الرسمية في المدينة ترفض التعليق على ما يجري، رغم التحذيرات التي يطلقها مراقبون من استمرار الاحتقان والتهديدات بين المليشيات المسلحة، لا سيما وأنها وصلت خلال الفترة الماضية إلى حرق مكاتب بعض هذه الأطراف، واستخدام الأسلحة في الاستعراض والهجمات.
وفي سبتمبر/ أيلول العام الماضي، قتل 5 أشخاص وجُرح نحو 20 آخرين، بعد اشتباكات بين "سرايا السلام" و"عصائب أهل الحق"، استمرت 6 ساعات وسط مدينة البصرة، ولم تهدأ الأمور حتى تدخلت أطراف عدة من بغداد، من بينها "رئيس أركان" هيئة "الحشد الشعبي"، عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، في وقف الاشتباك، وانسحاب مسلحي "العصائب" من شارع القصور وسط البصرة، حيث مركز تلك المواجهات، التي استخدمت فيها قذائف الهاون والأسلحة المتوسطة.