لا تزال آثار زيارة رئيس أركان الجيش المصري الفريق أسامة عسكر إلى محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، تظهر تباعاً، من خلال البدء بتنفيذ مشروع مصادرة أراضي أهالي سيناء واستبدالها بالتجمعات السكانية.
في موازاة ذلك، كشفت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، أن قوات الجيش بدأت أخيراً بسحب المعدات العسكرية الثقيلة من مدينتي رفح والشيخ زويد باتجاه مقر الكتيبة 101 في العريش ومواقع عسكرية أخرى قرب بئر العبد، في أعقاب انتهاء العملية العسكرية ضد تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش" في شمال سيناء.
وأوضحت المصادر أن الجيش عمل خلال الأيام الماضية على نقل عشرات الدبابات والمدرعات وناقلات الجند ووحدات المدفعية من الكمائن الرئيسية والطرقات العامة في مدينتي ورفح والشيخ زويد باتجاه موقع الكتيبة 101 في العريش، وموقع الفرقة 18 في بئر العبد، وأشارت إلى أن عملية النقل بدأت في اليوم التالي لزيارة رئيس الأركان المصري إلى المحافظة، وأن النقل تم بإشراف قيادات عسكرية، إذ لم تتبق سوى عربات مصفحة وآليات هندسية تابعة للجيش.
في موازاة ذلك، أبقت قوات حرس الحدود على مدرعاتها، والتي لا تخرج من المنطقة الحدودية الفاصلة بين قطاع غزة وسيناء، وأيضاً من الحدود الفاصلة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 التي يوجد فيها جيش الاحتلال (الإسرائيلي).
زيارة مرتقبة للسيسي إلى سيناء
وحصلت "العربي الجديد" على مقاطع مصورة لنقل دبابات ومدرعات تابعة للجيش المصري على الطريق الدولي بمدينة رفح، عبر شاحنات ضخمة تابعة للجيش، باتجاه مدينة العريش، خلال الأيام القليلة الماضية، والتي تبعت زيارة رئيس الأركان لمدن رفح والشيخ زويد برفقة وفد عسكري رفيع المستوى.
وجاء تفقد عسكر للمنطقة عقب زيارة لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، فيما يتوقع أن يزور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المنطقة خلال الفترة القريبة المقبلة.
ويأتي هذا التطور الميداني في ظل تصريحات غير مسبوقة للسيسي حول الوضع الأمني في سيناء، تمثلت بإعلانه القضاء على الإرهاب، والإعلان عن تنظيم احتفالية كبيرة في العريش ورفح والشيخ زويد، وأشار في كلمة مرتجلة، أول من أمس الإثنين، خلال الاحتفال بالذكرى الـ71 لعيد الشرطة بمجمع المؤتمرات بأكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة، إلى أن طائرة مدبولي "كانت أول طائرة تهبط في مطار العريش منذ 7 أو 8 سنوات وأنه لم يكن في مقدورنا إقامة تلك الاحتفالية حين كانت العريش ورفح في تلك الحالة".
السيسي لم يحدد موعد احتفالية تطهير سيناء
وبرغم أهمية الاحتفالية في سيناء بعد عقد كامل من مكافحة الإرهاب فيها، بيد أن السيسي لم يحدد موعدها. ويسحب النظام المصري القوة العسكرية من سيناء التزاماً بما تمليه اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل التي تحول دون تمكن القوة العسكرية المصرية من التحرك في أراضيها على الحدود الشرقية بحرية.
وتحظر الاتفاقية على الجانب المصري إدخال طائرات وأسلحة ثقيلة إلى المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وحددت طبيعة القوات المصرية المنتشرة وتسليحها، على أن يتم التنسيق بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي حول أي عملية عسكرية يريد الجيش المصري تنفيذها في سيناء.
وكانت إسرائيل قد علّقت العمل بالشق الأمني من اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع مصر، بهدف تمكين الجيش المصري من تنفيذ عملية عسكرية واسعة للقضاء على المجموعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء في يوليو/ تموز 2013 في أعقاب تطور الأحداث الأمنية في شمال سيناء إثر ما جرى في المشهد السياسي المصري آنذاك.
وعلى مدار السنوات الماضية أدخل الجيش المصري قوات عسكرية ضخمة إلى شمال سيناء، لا سيما إلى مناطق رفح والشيخ زويد والعريش، وتعرّضت هذه القوات لمئات الهجمات من قبل تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، ما أدى إلى وقوع خسائر فادحة في صفوف القوات البشرية والمعدات.
فيما لا تتجاوز هجمات التنظيم على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عدد أصابع اليد الواحدة، سواء إطلاق نار أو صواريخ على مدار السنوات الماضية.
وفي التعقيب على ذلك، أشار باحث في شؤون سيناء، فضل عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن ما يجري من سحب لقوات الجيش، سواء الآليات أو الأفراد الذين تمت زيادة أعدادهم بموجب تنسيق مصري إسرائيلي في أعقاب الانقلاب العسكري، صيف عام 2013، يعتبر شيئاً طبيعياً، ولفت إلى أن هذا الانسحاب يأتي بعد انتهاء المهمة التي جاؤوا من أجلها، والتي تتمثل في مكافحة الإرهاب وطرد تنظيم داعش الإرهابي، والقضاء على التهريب باتجاه قطاع غزة، وهدم الأنفاق التي كانت تمثل شريان الحياة للقطاع المحاصر من إسرائيل، والآن انتهت كل هذه المهمة.
وأوضح الباحث أنه بات من المطلوب العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل عام 2013، بوجود محدود لقوات الجيش لدعم وإسناد قوات حرس الحدود والشرطة المدنية في حماية المنطقة من أي توسع لتنظيم داعش.
مخاوف من عودة تنظيم "داعش" لنشاطه
وأكد الباحث أن النظام حاول تصوير ما جرى من إدخال قوات عسكرية على أنه إنجاز مصري، إلا أن هذا الحديث يتبدد في ظل سحب الآليات والقوات العسكرية من مناطق رفح والشيخ زويد والعريش كمرحلة لاحقة.
وشدد على أنه رغم أن أرض سيناء حق أصيل للشعب المصري وسيادته، ويحق لمصر نشر قواتها في كل شبر منها، إلا أن اتفاقية كامب ديفيد كبّلت ذلك، وأجبرت القاهرة على طلب الإذن من الإسرائيليين لنشر قوات عسكرية في سيناء، بل ربما يكون الانسحاب المصري من هذه المناطق قد جاء بناءً على طلب إسرائيلي، في ظل التخوفات الأمنية الاستراتيجية لدى قيادة الاحتلال من خطورة بقاء قوة عسكرية مصرية ذات ثقل في المناطق المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة.
باحث: ربما يكون الانسحاب المصري من رفح والشيخ زويد والعريش قد جاء بناءً على طلب إسرائيلي
وأشار الباحث إلى "خطورة الاستعجال في سحب الجيش قواته من مدن شمال سيناء، في ظل إمكانية معاودة تنظيم داعش نشاطه، لا سيما في ظل غياب الخطة الحكومية الاستراتيجية لتنمية سيناء بما يخدم سكانها، في ظل حالة الشعور بالظلم التي عاشها أبناء سيناء طيلة العقود الماضية".
وأكد أن هذا الشعور يعتبر جزءاً أساسياً من أسباب توجه شبان القبائل للانتماء للفكر المتشدد والجهادي الذي يقوم على محاربة الجيش المصري، كما أوضح أنه في حال استمرار تعامل النظام المصري مع أهالي سيناء على أنهم مواطنون درجة ثانية وثالثة، فإن ذلك يعني استمرار نشوء أجيال كارهة لمؤسسات الدولة وقد تلجأ لأفكار منحرفة مجدداً.
وخاض الجيش المصري عملية عسكرية واسعة النطاق خلال العام المنصرم، بمشاركة المجموعات القبلية المساندة له، خسر خلالها تنظيم داعش مساحات واسعة من مدن محافظة شمال سيناء كان يسيطر عليها منذ سنوات، كما تعرض لخسارات بشرية ومادية فادحة، تمكن جزءٌ يسير من قوة التنظيم من الانسحاب باتجاه مناطق وسط سيناء وغربها، وصولاً إلى محافظة الإسماعيلية والقنطرة، التي شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية سلسلة من الهجمات للتنظيم، وأدت لوقوع خسائر بشرية في صفوف قوات الجيش والشرطة.