لليوم الأربعين على التوالي، تواصلت الاحتجاجات في محافظة السويداء جنوبي سورية، والتي تتكثف عادة كل جمعة، وتكون المظاهرة المركزية في ساحة "الكرامة" وسط مدينة السويداء، فيما تأخذ الوقفات الاحتجاجية شكل الطقس الاجتماعي اليومي في العديد من القرى والبلدات على امتداد ريف المحافظة.
واحتشد اليوم الجمعة آلاف الأشخاص في ساحة الكرامة، قادمين من مناطق مختلفة في المحافظة، فضلا عن أهالي المدينة أنفسهم، وسط مشاركة لافتة للنساء اللواتي تزين بأكاليل الزيتون ورددن الأغاني والأهازيج المحلية وأخرى أعدت خصيصا لهذه المناسبة، تطالب رئيس النظام السوري بشار الأسد بالرحيل، وترك الشعب السوري ليعيش بحرية وأمان وكرامة.
ورفع المشاركون لافتات تؤكد وحدة السوريين في مواجهة نظام الأسد، ومنها "يجمعنا وطن، ويفرقنا الاستبداد، ما يجمعنا أكبر وأكثر مما يفرقنا".
وعلى غرار كل مظاهرة ووقفة احتجاجية، ردد المشاركون هتافات تنادي برحيل نظام الأسد وتطبيق قرارات الشرعية الدولية المتصلة بالحل السياسي في سورية. ومن أبرز الهتافات "سورية بدها حرية" و "يلا ارحل يا بشار".
الاحتجاجات التي زينتها اليوم أغصان الزيتون والكروت الحمراء التي تعبر عن طرد النظام من العقل والذاكرة والوجود، اتسمت بوضوح الرؤية والإصرار على المطالبة بالعدالة للشعب السوري، وتطبيق القرار الأممي 2254، خطوة للخلاص من النظام السوري وأدواته، وما جلبه من احتلالات.
وعمدت إحدى الناشطات إلى طباعة أوراق كرتونية على شكل خريطة سورية تتوسطها كلمة حرية، ووزعتها على المتظاهرين لتعليقها على صدورهم، في إشارة إلى توحد السوريين على مطلب الحرية.
كما ألقى الشاعر الشعبي ماجد رضوان قصيدة باللهجة البدوية أشاد فيها بمناقب الشعب السوري، منتقداً تولي أموره مجموعة من الدخلاء على عاداته وتقاليده.
ووصل إلى الساحة وفد من عائلات مدينة السويداء مثل أبو عسلي ورضوان ونعيم، حاملين علما مدمجا (علمي الثورة والنظام) في إشارة للإصرار على وحدة الشعب السوري.
كما وصلت وفود من الريف الجنوبي، والريف الجنوبي الشرقي، ومن قرى وبلدات قنوات ومفعلة ومردك، إضافة إلى وفد كبير من الريف الغربي إلى ساحة الكرامة، للمشاركة في المظاهرة المركزية.
ووثق "العربي الجديد" رسائل عدة طرحها المتظاهرون في الساحة التي امتلأت بآلاف المشاركين، كان أهمها اللوحة التي أعدها عدد من الشابات والشباب عن سرقة النظام الآثار الرومانية وطمسها وتهديمها. وقال أحد منظمي الحراك الشعبي لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، إن النظام السوري منذ ستينيات القرن الماضي وهو يمعن في نهب الثروات الحضارية وبيعها، وطمسها حيث يعلم السكان ما يوجد تحت الشارع المحوري في مدينة السويداء الذي جرى تدميره، علماً أنه جزء من التراث العالمي، منها ثاني أقدم كنيسة في المنطقة.
وقال أحد المتظاهرين لـ"العربي الجديد" يدعى أحمد الشحف: "اليوم كانت مشاركتي الأولى في هذا الحراك الشعبي، تخطيت كل الخوف الساكن في عقلي وكل رواسب القهر والذل خلال سنين عمري وهتفت بين الرجال والنساء. كان جسدي يرتجف وأنا أهتف ضد السلطة والقمع ومن أجل الحرية".
وأضاف الشحف: "تلاشت جميع المبررات وانكسر حاجز الخوف أمام حناجر هؤلاء الأطفال والنساء والرجال، ومهما كانت نتائج هذا الحراك ومهما تقاذفته الرياح المحلية والدولية، فهناك شيء ثمين امتلكه هؤلاء ولن يتنازلوا عنه".
أما المحامية أ. مقلد فقالت لـ"العربي الجديد": "نحن نصدر للعالم وجهنا الحقيقي، فنحن طلاب الحرية والعدالة والأمن والسلام، ونحاول كنساء في كل يوم من أيام الحراك أن نوجه رسالة إلى جميع مكونات الشعب السوري، عبر أناشيدنا وخطابنا، وحتى في جزء من لباسنا، وأغصان الزيتون التي نحملها على رأسنا وفي أيدينا مفادها أن حراكنا سلمي، ونحن جزء رئيسي وربما الأهم لبناء مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية، في وطن تحكمه القوانين وتسوده المحبة والسلم والمساواة بين جميع مكوناته وشرائحه".
وتبرز في حراك الشارع أصوات تنادي ببلورة رؤية أجسام سياسية موازية للتظاهر، للوصول إلى تحقيق المطالب بشكل عملي وتطبيقها على الأرض كحلول.
بدوره، قال علي الحسين خلال مشاركته بمظاهرة ساحة الكرامة لـ"العربي الجديد": "يجب أن تنتهي مرحلة الشعارات والتظاهر بشكلها الأحادي والاتجاه للتفكير بتشكيل أجسام سياسية موازية تصدر مشروعا وطنيا يفرض التعددية السياسية على النظام، وتطبيق مبدأ التيارات الوطنية الشريكة غير الخاضعة لأحادية القرار القطبي".
وكالعادة، بادر المشاركون والمشاركات في المظاهرة المركزية الى تنظيف الساحة عقب الانتهاء من مظاهراتهم، بحيث تعود كما كانت قبل المظاهرة.
وشهدت المحافظة احتجاجات أخرى في العديد من القرى والبلدات، يوم أمس. ورفع المحتجون بمدخل قرية رساس جنوب غرب السويداء صورة الراحل سلطان الأطرش، الذي أطلق شرارة المقاومة ضد الانتداب الفرنسي، قبل انطلاق بعضهم للمشاركة في المظاهرة المركزية في ساحة الكرامة.
جدير بالذكر أن أبرز ما يعوق توسع المشاركة من الأرياف، خاصة البعيدة، هو عدم توفر وسائل النقل الكافية لإيصال الراغبين بالمشاركة باحتجاجات مدينة السويداء، فضلا عن نقص حاد في الوقود.