استمع إلى الملخص
- التحديات المصرية: يثير الاتفاق مخاوف بشأن الأمن والممرات المائية في البحر الأحمر، وقد يؤثر على التوازن الأمني ويعقد المفاوضات حول سد النهضة، مما يستدعي مراجعة السياسات الخارجية المصرية.
- الوساطة التركية: ساهمت في منع تصاعد الأزمة ووضع أسس للسلام، مما قد يفتح المجال لتطوير العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا لمواجهة التحديات المشتركة.
في خطوة وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ"التاريخية"، أعلنت كل من إثيوبيا والصومال، عن اتفاق برعاية تركية لإنهاء الخلافات بينهما والتعاون في مشاريع استراتيجية. ويشمل الاتفاق الذي تم الإعلان عنه مساء الأربعاء الماضي خلال مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة، جمع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى جانب أردوغان، منح إثيوبيا منفذاً بحرياً عبر الحكومة الصومالية، وهو ما يُعتبر نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين البلدين. ومع هذا التطور، تثار تساؤلات عدة حول انعكاسات للاتفاق على الأوضاع الإقليمية، خصوصاً على مصر، التي تُعد لاعباً رئيسياً في القارة الأفريقية وتراقب عن كثب التحركات الإثيوبية والتركية في المنطقة.
ويعزز الاتفاق الجديد النفوذ الإثيوبي والتركي في شرق أفريقيا، حيث يمنح إثيوبيا فرصة لتحسين مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية من خلال الوصول إلى البحر، وهو ما يُعتبر خطوة استراتيجية لدولة غير ساحلية، ومن ناحية أخرى، يؤدي النفوذ التركي المتزايد في شرق أفريقيا إلى تعقيد التوازنات الإقليمية، ما قد يشكل تحدياً إضافياً لمصر، لاسيما في ظل العلاقات المتأرجحة بين القاهرة وأنقرة، على الرغم من محاولات التقارب.
تأثير اتفاق إثيوبيا والصومال على مصر
إحدى القضايا الرئيسية التي يثيرها هذا الاتفاق هي تأثيره على الأمن والممرات المائية في البحر الأحمر، الذي يُعد شرياناً استراتيجياً لمصر من خلال قناة السويس. فإذا تم إنشاء موانئ جديدة بإشراف إثيوبي ـ صومالي، قد يتأثر التوازن الأمني في المنطقة، ما يثير مخاوف بشأن تعزيز التحالف البحري بين تركيا والصومال واحتمال وجود عسكري تركي أكبر. سياسياً ودبلوماسياً، يُتوقع أن تستخدم إثيوبيا الاتفاق لتقوية موقفها في نزاعات أخرى، مثل قضية سد النهضة، ما يزيد من تعقيد المفاوضات مع مصر.
عبد الله الأشعل: الوضع يتطلب تطوير رؤية استراتيجية تعيد لمصر دورها المؤثر في أفريقيا
وعلى مدار السنوات الماضية، بذلت مصر جهوداً حثيثة لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً من خلال بناء علاقات قوية مع الصومال. وركزت هذه الجهود على التعاون العسكري والدعم الأمني وسيلة لتأمين المصالح المصرية في هذه المنطقة. وشملت المبادرات المصرية تدريب القوات الصومالية ودعم البنية التحتية العسكرية، إلى جانب تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي. ومع ذلك، يثار تساؤل الآن حول مدى فاعلية هذه الجهود في ظل نجاح الوساطة التركية بين إثيوبيا والصومال، وهل يمكن لمصر أن تستمر في لعب دور مؤثر في القرن الأفريقي؟
مصر بحاجة لمراجعة توجهاتها الخارجية
وقال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير حسين هريدي، لـ"العربي الجديد"، إن مصر بحاجة إلى مراجعة شاملة لمجمل سياستها وتوجهاتها الخارجية في ضوء الزلازل الجيوسياسية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط أخيراً، مضيفاً أن هذه المراجعة يجب أن تشمل تعزيز التحالفات الإقليمية، وإعادة تقييم الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية المستخدمة، لضمان حماية المصالح المصرية في ظل التغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة.
من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير عبد الله الأشعل، لـ"العربي الجديد": "تركيا فعلت فعلاً مهماً لأنها تتحرك من أجل السلام والاستقرار في القرن الأفريقي، فيما مصر كانت لاعباً أيام (الرئيس الراحل) جمال عبد الناصر، ورأيت بنفسي كيف انحسر النفوذ المصري علانية لغياب الرؤية". وأضاف: "عندما كنت مرشحاً للرئاسة في 2012، اقترحت إنشاء وزارة متخصصة للأمن المائي المصري تنسق بين وزارات الخارجية والدفاع. الآن، الحكومة المصرية لا تضمن الأمن المائي كما ينص الدستور". وتابع: "إثيوبيا تعتمد منهج كسب الوقت، وتركيا ليست منافسة لمصر، لكنها إلى جانب إيران والصين من القوى الجديدة التي دخلت أفريقيا بعد انسحاب القوى التقليدية مثل إنكلترا وفرنسا والولايات المتحدة". ورأى الأشعل أن "الوضع يتطلب حسماً سياسياً وليس بالضرورة عسكرياً، مع ضرورة تطوير رؤية استراتيجية تعيد لمصر دورها المؤثر في أفريقيا".
جاهد طوز: العلاقات بين مصر وتركيا لها خصوصيتها
من جانبه، قال المستشار السابق برئاسة الوزراء التركية جاهد طوز، لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق بين إثيوبيا والصومال يُعد خطوة مهمة ليس فقط على مستوى علاقات البلدين بل على مستوى القارة الأفريقية ككل. وأضاف: "لقد كانت العلاقات بين الطرفين على وشك الانزلاق إلى الحرب، ما كان سيؤثر سلباً على المنطقة بأسرها، لذلك، جاءت الوساطة التركية لمنع تصاعد الأزمة ووضع أسس للسلام بين الجانبين، وكان هناك توتر كبير بين البلدين لفترة طويلة، ولكن مع تدخّل تركيا تم ترتيب الأمور والتوصل إلى حل سلمي".
وأشار طوز إلى أن هذا الاتفاق يحمل تأثيرات إيجابية على القارة الأفريقية بأكملها. كما أوضح أنه لا يتوقع أن يؤثر هذا الاتفاق على العلاقات المصرية-التركية، قائلاً: "العلاقات بين مصر وتركيا لها خصوصيتها، وما يحدث بين تركيا ودول أخرى يجب ألا يُعتبر تهديداً لهذه العلاقة. بل إن هناك فرصة لتطوير العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة، خصوصاً أن الطرفين يعتمدان بشكل متزايد على التعاون لمواجهة التحديات الإقليمية".