إيطاليا تلقي بثقلها في تونس: وقف الهجرة وحماية المصالح

23 مارس 2023
تاياني في تونس، يناير الماضي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يتابع التونسيون باستغراب أحياناً حجم التصريحات والمواقف الإيطالية المتواترة بخصوص تونس في الأسابيع الأخيرة. ويلاحظ الجميع تغير الدعم الإيطالي وتطوره اللافت منذ صعود الحكومة اليمينية إلى الحكم في روما، بما يشكل رهاناً قوياً على تونس لوقف نزيف الهجرة، وأولوية مطلقة لها في مستوى العلاقات، بقطع النظر عن كل الوضع الحقوقي والسياسي التونسي.

والاثنين الماضي، كشفت تصريحات المسؤولين الأوروبيين، والإيطاليين خصوصاً، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد عن نوعية الانزعاج الأوروبي من أوضاع تونس، بما يوضح أن مصدره هو فقط الخوف من تزايد موجات الهجرة إذا تدهورت الأوضاع السياسية والاجتماعية تباعاً.

وكان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني قد أكد، الاثنين الماضي، على اهتمام سلطات بلاده بالوضع الاقتصادي المتردي في تونس، وقال: "نحن على اتصال دائم بالحكومة التونسية، كما أنني على اتصال يومي بوزير الخارجية نبيل عمار".

وشدّد على أن مساعدة تونس تعني "مزيداً من الاستقرار"، مشيراً إلى أن "إيطاليا تقوم بدورها وعلى أوروبا أن تقوم بدورها أيضاً"، واعتبر أنه "من الضروري توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق تمويل مع رئيس الجمهورية قيس سعيد"، واصفاً ذلك بـ"العنصر الأساسي". وأكد تاياني أن "الأمر ليس سهلاً دائماً، ولكن من المصلحة العامة أن يكون هناك استقرار في بلد أساسي في شمال أفريقيا، الدولة الأفريقية الأقرب (جغرافياً) إلى إيطاليا".

الدعم الإيطالي لتونس

وأضاف: "سنبذل قصارى جهدنا لضمان تمويل هذا البلد بشكل كافٍ، بما يسمح في إجراء الإصلاحات، لأن التمويل مرتبط بها، ولضمان الوصول إلى مرحلة استقرار، وبالتالي منع التطرف الإسلامي من الظهور مرة أخرى في شمال أفريقيا".

وشدّد تاياني على أنه "يجب التوصل إلى اتفاق، لكن المشكلة الأساسية هي مشكلة الاستقرار وليس تحديد من هو على خطأ أو من هو على حق"، وتابع أنه من الواضح وجوب إجراء إصلاحات، مقترحاً التفكير في تمويل على دفعات: "بناء على التقدم في مسار الإصلاحات".

وقال: "لقد تم تسليط الأضواء على واقع هذا البلد، هناك ليس فقط مسألة الاستقرار، ولكن أيضاً قضية الهجرة التي تقلقنا بشدة، لأن الحدود بين ليبيا وتونس تزداد هشاشة ونخاطر برؤية تدفقات جديدة من المهاجرين من تونس". ومن المقرر أن تقدم إيطاليا حوالي 110 ملايين يورو للشركات التونسية الصغيرة والمتوسطة من خلال الوكالة الإيطالية للتعاون، حسب ما أعلن الوزير الإيطالي.


مجدي الكرباعي: إيطاليا تساند تونس بقوة في سياساتها الحالية تجاه المهاجرين

من جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي في بيان، أول من أمس الثلاثاء، نيته إرسال وفد من الاتحاد برئاسة المدير العام للجوار ومفاوضات التوسع غيرت يان كوبمان، ونائب المدير العام للهجرة يوهانس لوشنر، والمبعوث الخاص للهجرة إلى تونس لويجي سوريكا.

ومن المتوقع، وفق البيان، أن تركز المناقشات، من بين أمور أخرى، على "الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تونس وكيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يواصل تقديم أفضل دعم للشعب التونسي في السياق الحالي، وستكون الزيارة أيضاً مخصصة لمناقشة التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس بشأن الهجرة وتحديد السبل الملموسة للتعاون فيها".

ورحّبت وزارة الخارجية التونسية، أول من أمس الثلاثاء، بالتصريحات الإيطالية، لكنها انتقدت في المقابل تصريحات مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل بخصوص الأوضاع في تونس، التي اعتبر فيها أن الوضع خطير جداً، وقال إنه سيوفد مسؤولين من الاتحاد إلى تونس لتقصي الأوضاع، وتقديم تقرير عاجل حولها.

ورأى بوريل "أن كل شيء يجب أن يجري بسرعة نظراً لخطورة الوضع"، وأوضح أنه "في حال انهارت تونس اقتصادياً واجتماعياً، فهذا يعني مواجهتنا لأفواج جديدة من المهاجرين إلى أوروبا". وبخصوص الأوضاع السياسية، شدّد بوريل على أنه "لا يمكن أن نغمض أعيننا عما يجري هناك".

وأفاد بيان الخارجية التونسية بأن "التونسيين أُحيطوا علماً بالبيان الذي أدلى به" بوريل، و"أن هذه التصريحات التي تمّ الإدلاء بها غير متناسبة، سواء بالنظر مع القدرات الراسخة للشعب التونسي على الصمود وتجاوز المصاعب المشهود بها عبر التاريخ، وكذلك في ما يتعلق بالتهديد الذي تمثله الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا".

أخبار
التحديثات الحية

وأضاف البيان: "تواصل التصريحات الانتقائية في تجاهل لأي مسؤولية عن الوضع الذي ساد في تونس منذ عام 2011 وإلى غاية 25 يوليو/ تموز 2021"، واعتبر أنه "إذ ترحب تونس بالدعم البنّاء للعديد من الشركاء، بما في ذلك الجارة إيطاليا، فإنها تبقى منفتحة على شراكة مسؤولة قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة مع جميع شركائها".

ويثير هذا الرضا والتفاهم المتبادل بين نظام سعيد وإيطاليا أسئلة كثيرة حول خلفياته. ورجّح عضو البرلمان السابق عن دائرة إيطاليا (المقيمين بها) مجدي الكرباعي، أن تكون "إيطاليا قد حصلت على ضمانات من السلطة التونسية بشأن قبول مشروع تحويل تونس إلى نقطة حدودية متقدمة لحراسة السواحل"، مؤكداً أن الدعم الإيطالي لملف تونس لدى صندوق النقد الدولي "سيكون له ثمن".

وأوضح الكرباعي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "إيطاليا تدعم تونس بقوة رغم اعتراضات داخلية وأوروبية على سياسات تونس تجاه المعارضة السياسية في البلاد، وأيضاً مواقفها بشأن الأفارقة من دول جنوب الصحراء ".

روما تساند تونس في ملف المهاجرين

وشدّد على أن "إيطاليا تساند تونس بقوة في سياساتها الحالية تجاه المهاجرين من دول جنوب الصحراء، وقد تكون أعلمت الدول الأوروبية بحصولها على ضمانات بشأن قبول تونس التحول إلى منصة لاستقبال المهاجرين". ورأى أنه "ربما تفاوض إيطاليا باقي دول الاتحاد الأوروبي لدعم ملف تونس مقابل تنازلات تونسية في ما يخص ملف الهجرة أو وضع الحريات في البلاد".

وأشار الكرباعي إلى أن "الحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني، التي تدعم ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي، تواجه معارضة من أحزاب إيطالية ولا سيما الحزب الديمقراطي، الذي يشكل القوة السياسية الثانية في إيطاليا وائتلاف اليسار الأخضر".

وأوضح أن "قيادات حزبية وبرلمانيين إيطاليين عبروا عن موقفهم الرافض لدعم بلدهم لتونس، بسبب مخاوف من التضييق على الحريات وسجن سياسيين معارضين للرئيس قيس سعيد".


عادل بن عبد الله: الرفض الأوروبي لخطاب سعيد تجاه المهاجرين للاستهلاك الإعلامي فقط

وبحسب الكرباعي، فإن "المواقف الرافضة لدعم تونس جاءت في شكل تدوينات للسياسيين على حساباتهم على تويتر، ومن بينهم الأمينة العامة للحزب الديمقراطي الإيطالي إيلي شلاين، التي عبّرت عن أسفها أن يدعم بلدها تونس التي لا تحترم الحريات.

كما وجّه النائب البرلماني عن ائتلاف اليسار الأخضر ماركو غريمالدي سؤالاً لوزير الخارجية الإيطالي حول مواصلة دعم إيطاليا لتونس، بعد الأحداث التي استهدفت مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء".

من جهته، رأى المحلل السياسي عادل بن عبد الله أن "الدعم الإيطالي الكبير لتونس في ملفها الاقتصادي، مرتبط برغبة روما في الحفاظ على مصالحها، باعتبارها الشريك الاقتصادي الأول لتونس في الفضاء الأوروبي متقدمة على فرنسا الشريك التقليدي عقوداً طويلة".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة الإيطالية اليمينية تعتمد سياسات أكثر براغماتية للحفاظ على مصالحها في المنطقة عموماً".

وأشار بن عبد الله إلى أن "إيطاليا تنافس الجميع في المنطقة"، مذكّراً بأن "رئيسة الحكومة الإيطالية سبق أن انتقدت فرنسا بشدة، عبر الدلالة على تاريخها الاستعماري في أفريقيا وملفها في مجال حقوق الإنسان، وهو ما يشير إلى نزوع إيطالي نحو منافسة هذه الأخيرة على أسواقها التقليدية ولا سيما تونس والجزائر". ورأى أن "الموقف الإيطالي الداعم لتونس يتجاوز ملف الهجرة نحو مجالات أوسع تضمن المصالح الإيطالية في المنطقة ككل".

وأضاف بن عبد الله أن "الاتحاد الأوروبي لا يخفي قلقه من فقدان السيطرة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تونس، ما قد يتسبب في فوضى في المنطقة تفرز موجات هجرة كبيرة نحو الضفة الشمالية للمتوسط".

واعتبر أن "رفض الاتحاد الأوروبي خطاب سعيد تجاه المهاجرين من دول جنوب الصحراء هو خطاب للاستهلاك الإعلامي، يقابله في الواقع حرص هذه الدول على ضمان مصالحها فقط". وأكد أن "الديمقراطية التونسية ليست أولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، بينما يشكل الاستقرار السياسي في تونس أولوية بالنسبة إليهم، حتى وإن كان عبر إيجاد تسويات مع نظام سعيّد".