إيران: استمرار الجدل حول الانتخابات الرئاسية الإيرانية والقضاء يلوّح بمحاكمة لاريجاني

21 ديسمبر 2021
رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني (Getty)
+ الخط -

لم ينتهِ الجدل بعد حول الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جاءت بالمحافظ إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، ليلوّح القضاء الإيراني، اليوم الثلاثاء بمحاكمة رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني، لنشر "وثيقة سرية" مرتبطة بالكشف عن أسباب رفض ترشحه للانتخابات الرئاسية الأخيرة من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني.

وقال المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية ذبيح الله خداييان في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، اليوم الثلاثاء، إنه يحق ملاحقة لاريجاني قانونياً إذا ثبت أنه من نشر الوثيقة، داعياً الأجهزة الأمنية إلى البحث عن الجهة التي نشرتها.  وأضاف خداييان: "إنّ من ينشر الوثائق السرية الحكومية يكون قد ارتكب جرماً حسب القانون، كما يلاحق قضائياً".

وكان مجلس صيانة الدستور قد أقصى المحافظ المعتدل علي لاريجاني من السباق الرئاسي الذي أجري خلال يونيو/حزيران الماضي، لكن لاريجاني رفض إعلان أسباب رفض ترشحه بعد طلبات عدة تقدم بها.

وبعد تجاذبات استمرت لأشهر، شرح المجلس تلك الأسباب في وثيقة "سرية" أرسلها إلى لاريجاني، لكنها كانت مختومة بالشمع الأحمر، ما يعني أنه لا يحق للاريجاني نشرها في الإعلام.

ثم طالب لاريجاني مرة أخرى مجلس صيانة الدستور برفع السرية عن الوثيقة، إلا أن المجلس لم يوافق على الطلب وتجاهله، قبل أن تجد الوثيقة طريقاً إلى وسائل الإعلام قبل عدة أيام، ما أثار جدلاً على شبكات التواصل ووسائل الإعلام بشأن الأسباب التي صاغها مجلس صيانة الدستور في استبعاد لاريجاني، وسط استغراب ناشطين ومراقبين منها وإشادة محافظين بها.

سبعة أسباب لرفض ترشح لاريجاني

وذكر مجلس صيانة الدستور الإيراني في وثيقته "السرية"، سبعة أسباب لرفض ترشح لاريجاني، أثارت انتقادات وردود فعل. والأسباب مرتبطة بحياة أسرته وإقامة بعضهم في الخارج ومواقفه السياسية واتهامه بالبذخ.

وكان أبرز الأسباب متعلقاً باتهامه بـ"اتخاذ مواقف سياسية والإدلاء بتصريحات في مراحل مختلفة منها (فتنة عام 2009)"، في إشارة إلى الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية آنذلك. وأعلن في هذه الانتخابات فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، وفُرضت إقامة جبرية على الزعيمين الإصلاحيين ميرحسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، ورئيس البرلمان الأسبق مهدي كروبي، حيث تستمر هذه القيود حتى الآن، على الرغم من تخفيفها خلال الشهور الأخيرة.

أما الأسباب الستة الأخرى، فهي "دعم أشخاص رُفضت أهليتهم للانتخابات والدفاع عن أدائهم وتوظيف بعضهم في مناصب تحت إمرته، وتدخل أحد الأبناء في الصفقات الخدماتية والعمرانية في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)"، فضلاً عن "إقامة بعض المنتسبين إلى العائلة في دولة بريطانيا المعادية"، و"زيارات متكررة لبعض أعضاء الأسرة في الخارج، بما فيه أوروبا وأميركا وإقامة إحدى البنات في أميركا"، وكذلك اتهامه بـ"عدم مراعاة مبدأ الحياة البسيطة"، و"المساهمة في الوضع المتردي غير المرغوب فيه في الحكومة"، أي حكومة الرئيس السابق حسن روحاني.
 

تعليق لاريجاني

من جانبه، علّق علي لاريجاني على الوثيقة "السرية" التي تلقاها من مجلس صيانة الدستور برسالة في 14 صفحة، حيث وجهها إلى كبار المسؤولين الإيرانيين، مخاطباً فيها المجلس بالقول: "كان يمكنكم التصريح في كلمة واحدة بأنه كنا نريد شطبك (من الترشح)، وأن تصرحوا بكلمة يكون لها معنى".
ونفى لاريجاني صحة الاتهامات الموجهة إليه، داعياً رئيس السلطة القضائية غلامحسين محسني إيجه اي، بالبت في الاتهام الموجه إلى نجله في التدخل في صفقات البرلمان المالية وإعلان النتيجة للشعب، معلناً استعداده هو ونجله لتحمّل "أي عقوبة قانونية" في حال ثبوت التهم، أو "إذا ثبت أن جهازاً ما أرسل تقريراً كاذباً فليُعلَن ذلك".

واتهم لاريجاني جهازاً أمنياً لم يسمّه، وأجزاءً من مجلس صيانة الدستور بـ"صناعة الأكاذيب" ضده، داعياً المجلس إلى البحث عمّن تورط في إعداد هذه التقارير المرفوعة ضده. ونفى لاريجاني زيارات زوجته المتكررة في الخارج، قائلاً إن معظم زياراتها كانت لـ"أماكن مقدسة"، مشيراً إلى أنها زارت بريطانيا مرتين لعلاج ابنهما. وعن ابنته المقيمة في الولايات المتحدة، قال لاريجاني إنها تقيم هناك مع زوجها لإكمال الدراسة.

تعليق مجلس صيانة الدستور 

من جهته، رد المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور هادي طحان نظيف على رسالة لاريجاني واعتراضاته المستمرة، قائلاً إن الانتخابات قد انتهت منذ 6 أشهر وإن "إثارة مواضيع هامشية لن تؤثر في الأنشطة التخصصية للمجلس".
وأكد طحان نظيف وفق وكالة "إرنا" الرسمية، أن "أعضاء المجلس استخصلوا إلى عدم الموافقة على الأهلية بالنظر إلى فحوى الملف والتقارير المتعددة".

وينتمي علي لاريجاني إلى عائلة متنفذة لم يسبق أن سجل تاريخ البلاد السياسي حضور عائلة متنفذة مثلها، ليتولى اثنان من أبنائها رئاسة سلطتين من السلطات الثلاث في الدولة في آن واحد ولعشر سنوات، أي التشريعية التي أمسك زمامها علي لاريجاني لـ12 عاماً، والقضائية التي ترأسها شقيقه العالم الديني صادق لاريجاني لعشر سنوات، قبل أن يغادر هذا المنصب في ديسمبر/كانون الأول 2018 ليعيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي على رأس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وكان أيضاً عضواً في مجلس صيانة الدستور، لكنه استقال قبل أشهر من المنصب، في خطوة فُسرت على أنها كانت احتجاجاً على رفض ترشح شقيقه للرئاسة.

وإضافة إليهما، تولى ثلاثة أشخاص من العائلة، هم فاضل وباقر ومحمد جواد، مناصب ومسؤوليات متعددة في إيران، والخمسة هم أبناء المرجع الديني ميرزا هاشم آملي لاريجاني.

وبدأ نجم العائلة يتراجع منذ الولاية الثانية لنجاد الذي شنّ هجوماً عليها، وسط اتهامات لبعض أبنائها بالفساد. لاريجاني ما زال يحسب على التيار المحافظ، لكن اقترابه منذ سنوات من الإصلاحيين والمعتدلين (تيار الرئيس السابق حسن روحاني)، أزعج أطيافاً كثيرة بين المحافظين، ما جعله عرضة لانتقادات حادة، وصلت أحياناً إلى حد مقاطعة محاضراته، وحتى مهاجمته في 2013 في مدينة قم، حيث معقله الانتخابي. واتُّهم وقتها أنصار نجاد بتدبير الحادث.

وتولى علي لاريجاني رئاسة البرلمان الإيراني لـ12 عاماً من 2008 إلى 2020، إذ كان من الشخصيات التي ربطتها علاقات جيدة بالمرشد الإيراني علي خامنئي، وتولى عدداً من المناصب في السابق، مثل رئاسة الهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، ووزارة الثقافة، وممثل المرشد في اللجنة العليا للأمن القومي، كذلك عُيِّن أميناً لمجلس الأمن القومي الأعلى في زمن نجاد، لكنه استقال من هذا المنصب بعد عامين.