إقرار إسرائيل صفقة التبادل... تعثر الجيش ومنع أزمة سياسية

22 نوفمبر 2023
من تحرك لأهالي المحتجزين الإسرائيليين، 18 نوفمبر (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

أقرّت الحكومة الإسرائيلية بأغلبية كبيرة، ليلة أمس الثلاثاء، موافقتها على اتفاق هدنة إنسانية ووقف إطلاق نار لمدة أربعة أيام في غزة. فقد صوّت لصالح الاتفاق الوزراء كافة، ما عدا ثلاثة وزراء من حزب "القوة اليهودية" برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والذي فضّل معارضة الاتفاق بحجة أنه خطأ كبير، يضر بمصالح إسرائيل.

وفقاً للاتفاق، سيتم إطلاق سراح 50 محتجزاً إسرائيلياً على الأقل، على مراحل، مع التشديد على إطلاق سراح الأولاد والأمهات. ومقابل كل محتجز إسرائيلي، سيُطلق سراح ثلاثة أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال.

كذلك يتضمّن الاتفاق وقفاً لإطلاق النار لمدة أربعة أيام في غزة، بحيث تُمدد أيام الهدنة مقابل محتجزين آخرين، وإدخال كمية كبيرة من الوقود والمعدّات إلى غزة خلال أيام الهدنة، من ضمنها شاحنات وقود وغاز للمستشفيات، فيما التزمت إسرائيل بوقف عمل طائرات الاستطلاع فوق غزة لمدة ست ساعات يومياً.

صيغة اتفاق الهدنة لا تختلف كثيراً عن الصيغة التي اقترحتها حركة "حماس"

صيغة اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت الذي أقرّته الحكومة لا تختلف كثيراً عن الصيغة التي اقترحتها حركة "حماس" ضمن الوساطة القطرية والمصرية قبل أكثر من أسبوع، بينما ناورت إسرائيل لتأجيلها، حيث عارضتها حينها المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية ووزير الأمن يوآف غالانت، وإلى حد ما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه، متبنياً موقف المؤسسة العسكرية.

تغيُّر مواقف المؤسسة العسكرية ونتنياهو لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة عدة عوامل، أبرزها تعثّر الحملة العسكرية في قطاع غزة، وإمكانية تحوّل قضية الأسرى إلى خلاف سياسي داخل المجتمع الإسرائيلي، تغلغل إلى مجلس الحرب المصغر.  

تعثّر الحملة البرية الإسرائيلية في غزة

عوّلت القيادة العسكرية الإسرائيلية، ومعها غالانت، كثيراً على الحملة البرية للجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، حيث ادعى الأخير وقيادات الجيش يومياً أن الضغط العسكري والضربات القاسية على غزة و"حماس" ستؤتي ثمارها وتؤدي إلى تحرير قسم من الأسرى الإسرائيليين، وأن ذلك أجدى من التفاوض.

غالانت، وبسبب عقليته العسكرية والعنف البنيوي المتجذّر في عقيدته، استمر بالعمل وفق مبدأ ما لا يُحل بالعنف يُحل بمزيدٍ من العنف. وهو يرى في الحرب على غزة فرصةً لإغلاق حسابات مع "حماس"، ثم مع الشعب الفلسطيني برمته، ويدفع لاستعمال أقصى درجات التدمير والعنف تجاه غزة.

كذلك يسعى الجيش الإسرائيلي إلى الانتقام من "حماس" لاسترداد هيبته ومكانته التي تلقّت ضربة قاسية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. من هنا كان موقف غالانت والمؤسسة العسكرية أن استمرار القتال والقصف وتقدُّم الجيش في شمالي غزة يسهم في الضغط على قيادة "حماس" ومن بعدها تليين شروطها لإطلاق قسم من الأسرى لديها.

لذلك طلبوا مزيداً من الوقت، من القيادة السياسية ومن الإدارة الأميركية وكذلك من المجتمع الإسرائيلي بشكل غير مباشر، لإثبات صحة موقفهم.

وعلى ما يبدو فإن المؤسسة العسكرية كانت فعلاً على قناعة بهذا الموقف، نتيجة معلومات استخبارية غير دقيقة، وأن اقتحام مستشفى الشفاء سيكون له أثر بالغ على قيادات "حماس"، متوقعة أن تكون تحت المستشفى غرف قيادة وأنفاق استراتيجية، سيؤدي اكتشافها إلى ضربة استراتيجية للحركة.

مسرحية عرض صور لاثنين من الأسرى لدى "حماس" يدخلان مستشفى الشفاء لتلقي العلاج، واكتشاف نفق بالقرب من أسوار المستشفى، لم يشفعا لرواية الجيش الإسرائيلي، وأضرّا بمصداقيته المحلية والدولية.

وساهم الإخفاق الجديد في مستشفى الشفاء، وعدم تحقيق "إنجازات" عسكرية جدية على أرض المعركة في شمالي قطاع غزة، وتماسك "حماس" وعدم انهيارها، بعكس توقعات الإسرائيليين، معاً، في إضعاف موقف المؤسسة العسكرية ووزير الأمن، ومهّد لقبول اتفاق وقف إطلاق النار.        

نتنياهو الذي تحفّظ على الاتفاق قبل أيام عدة، رغبةً منه في تجنّب الاصطدام مع المؤسسة الأمنية ووزير الأمن، وتفادي أزمة سياسية مع أحزاب اليمين المتطرف في حكومته، اضطُر إلى التراجع وتغيير موقفه والموافقة على صيغة الاتفاق المقترح.

هذا التراجع تأثر أيضاً بضغط عائلات الأسرى داخل إسرائيل، وموقف شريكيه في مجلس الحرب، الوزيرَين بيني غانتس وغادي آيزنكوت.  

بوادر أزمة سياسية في إسرائيل نتيجة احتجاج عائلات الأسرى

تغيّر موقف نتنياهو من اتفاق وقف إطلاق النار تأثر كذلك بتنامي حراك عائلات الأسرى، التي بدأت أخيراً بحملة احتجاج جدية للضغط على الحكومة، للعمل بشكل جدي على إعادة المحتجزين لدى "حماس".

ونظّمت وقفات احتجاجية في تل أبيب، ومارست ضغطاً كبيراً عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، فيما قادت مسيرة شارك فيها الآلاف من تل أبيب إلى القدس المحتلة، اختتمت بتظاهرة أمام مقر الحكومة.

وجهت عائلات الأسرى لدى "حماس" انتقادات لنتنياهو وحكومته

وقد اجتمعت عائلات الأسرى لأول مرة مع مجلس الحرب، الاثنين الماضي، حيث وجهت انتقادات لاذعة للحكومة، وعلى وجه الخصوص لنتنياهو، بسبب طريقة إدارتها قضية ذويهم.

ونقلت وسائل إعلام أن العائلات عبّرت عن خيبة أملها الكبيرة بعد اللقاء، خصوصاً بسبب تصريح نتنياهو خلال الاجتماع بأن القضاء على "حماس" وإعادة المحتجزين هما بالدرجة نفسها من الأهمية.

ضغط العائلات والدعم الذي تلقته من غالبية وسائل الإعلام في إسرائيل، واستطلاعات الرأي العام التي وضعت إعادة الأسرى على رأس سلم أولويات الحرب، شكّلت عوامل ضغط جدي على الحكومة.

فضلاً عن أن هذا الحراك بدأ يُترجم بخلافات داخل المجلس المصغر لإدارة الحرب، إذ أعلن غانتس موقفاً مغايراً لموقف الحكومة الرسمي الذي وضع هدف القضاء على قدرات "حماس" العسكرية والإدارية هدفاً أساسياً للحرب. وقال غانتس في عدة مناسبات، منها اللقاء مع عائلات الأسرى، إن إعادة الأسرى يجب أن تكون الهدف الأول للحرب.   

هذه التحولات كانت مؤشراً واضحاً على إمكانية تحوّل قضية الأسرى إلى موضوع خلافي داخل الحكومة، وربما داخل المجتمع الإسرائيلي.

نتنياهو، المتهم بالمسؤولية المباشرة بالإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، لا يريد أن تلصق به تهمة إخفاق آخر بصيغة عدم إعادة الأسرى، خصوصاً النساء والأطفال، ويسعى للحفاظ على تماسك حكومة الحرب، ولتخفيف الانتقادات الحادة تجاهه. وعليه، إضافة إلى العوامل العسكرية المذكورة، غيّر نتنياهو موقفه وقبل باتفاق الهدنة.

نتنياهو يبرر دعم اتفاق الهدنة

وفي محاولته لتبرير دعم الاتفاق، شدّد نتنياهو على أن الاتفاق يستند إلى دعم كافة أجهزة الأمن، وأن المؤسسة العسكرية أوضحت أن بإمكانها التعامل مع وقف إطلاق النار لعدة أيام، وبمقدورها العودة إلى الهجوم البري مع انتهاء الهدنة.

واعتبر أن الاتفاق لن يؤدي إلى وقف الحرب على غزة وأن الجيش مستعد للاستمرار بكل قوة بعد انتهاء أيام وقف إطلاق النار المؤقت، لافتاً إلى أن الاتفاق أفضل ما يمكن الوصول إليه بهذه المرحلة والظروف.

يأتي ذلك رغم المخاوف من استغلال "حماس" للهدنة في إعادة ترتيب صفوفها وجمع معلومات عن أماكن تموضع قوات الجيش الإسرائيلي، والتحضر للمرحلة القادمة من الحرب، ومن أن يتحول وقف إطلاق النار المؤقت إلى حالة ثابتة نتيجة للضغط الدولي.

7 أكتوبر فشل لإسرائيل

إسرائيل فشلت في السابع من أكتوبر في قراءة نوايا وخطط "حماس" رغم كل المؤشرات. ولغاية الآن لم تحقق إنجازات عسكرية استراتيجية في المعركة البرية، ولم تؤذِ قدرات الحركة العسكرية بشكل جدي. فما حققه الجيش الإسرائيلي حتى الآن يتلخص بترجمة سياسات الدمار والانتقام ومحاولات ترميم الهيبة والردع.

لكن ذلك لم يشفع في ردع "حماس" ولا إخضاع الشعب الفلسطيني، كما لم يردع ويمنع "حزب الله" اللبناني من توسيع وتعميق المعارك اليومية في الحدود الشمالية.

إسرائيل اكتشفت مرة أخرى أنها لا تستطيع تطويع الجميع ولا فرض إرادتها على الجميع، خصوصاً في إعادة أسراها. واقتنعت أن الطريق الأسرع والأضمن لذلك يكون من خلال اتفاق، ولو كان ثمنه من وجهة نظر إسرائيلية، مرتفعاً وذا مخاطر، ويكشف محدودية قدرات أجهزتها الأمنية والاستخباراتية.

فهل سيؤدي هذا التحوّل إلى تغيير أكبر ويكون بداية نهاية الحرب الجنونية على غزة؟ الأيام المقبلة تحمل الإجابة عن هذه التساؤل.

المساهمون