قرر وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين إعفاء وإقالة عشرات المسؤولين المحليين، في خطوة اعتبرها معارضون خطوة جديدة يسعى من خلالها الرئيس قيس سعيد للسيطرة مفاصل الدولة، ورآها آخرون تمسّ حياد الإدارة.
وصدرت بالجريدة الرسمية للجمهورية التونسية قرارات بإعفاء وإقالة نحو 42 مسؤولا محليا، وقرارات بنقل آخرين، بينما قدم مسؤولون استقالاتهم.
وأعفى شرف الدين، منذ أسابيع، نحو ثلاثين شخصا آخرين وأدخل تعديلات على تركيبة ديوانه في خطوة غذت الجدل من جديد بشأن حياد الإدارة التونسية، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، خصوصا الاستفتاء المنتظر في 25 يوليو/ تموز والانتخابات التشريعية المبكرة في 17 ديسمبر/كانون الأول القادم.
ويعتبر معارضون أن تواصل التعيينات على أساس الولاءات والمحاباة خطوة تدخل في سياق مواصلة بسط سعيد سلطاته على كامل مفاصل الدولة، بينما يعد حياد الإدارة مبدأ قانونيا جوهريا في المسارات الانتخابية.
في المقابل، يعتبر أنصار الرئيس أن هذه الخطوات إيجابية تتنزل في سياق تطهير الإدارات والوزرات من الموالين للأحزاب التي حكمت تونس طيلة 10 سنوات.
وينص الفصل 15 من دستور 2014 (تم تعليق العمل بأغلب فصوله من قبل سعيد)، على أن "الإدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام، تُنظّم وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام، ووفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاة والمساءلة".
بن عيسى: إدارة البلد بصفة عامة لا تخضع سوى لاستحواذ رئيس الجمهورية على كل السلطات دون أي مرجعية
وينص القانون الانتخابي على وجوب "حياد الإدارة وأماكن العبادة وحياد وسائل الإعلام الوطنية وإلزام السلطة ذات النظر باتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام واجب الحياد، وإلزام رئيس الإدارة بتسجيل مخالفة في حق كل من يخرق واجب حياد إدارته وإحالتها إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
واعتبر المحلل السياسي شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المسألة أصبحت أعمق وأخطر من حياد الإدارة، لأن البلد كله يقبع في يد وتحت سلطة شخص واحد انحرف بالسلطات" عن كل المعايير السياسية والدستورية والحقوقية.
وتابع أن "إدارة البلد بصفة عامة لا تخضع لأي معيار، سوى استحواذ رئيس الجمهورية على كل السلطات دون أي مرجعية، سوى الأمر الرئاسي عدد 117 في 22 سبتمبر/أيلول 2021، الذي يعد دستورا خفيا ينظم السلط العمومية وكل المرجعيات القانونية والقرارات الإدارية تتبع هذا الانحراف في اتجاه السطو على السلطة".
وبين أن "تعيين حكومة نجلاء بودن والوزراء، والتي هي حكومة فاقدة للشرعية، وتتابع التعيينات والإعفاءات على مستوى المسؤولين والمحافظين والمعتمدين، تخضع بالأساس للولاء لرئيس الجمهورية وبمستوى ثان لوزير الداخلية الذي يعد رجل الثقة عند سعيد".
يزداد تشكيك المعارضين في التعيينات التي يجريها سعيد خصوصاً بعد حملة الانتقادات التي صاحبت تعيين 3 محافظين محسوبين على الرئيس شاركوا في إدارة حملته الانتخابية الرئاسية.
ومضى في قوله إن شرف الدين ينفّذ أجندة سعيد بالنسبة للمواعيد الانتخابية القادمة، وأن "البلد على أبواب الاستفتاء الذي أعلن سعيد أنه سينتقل بالبلاد إلى النظام الرئاسي سلفا، أي أنه أعلن نتائجه أمام هيئة الانتخابات التي تعتبر هيئة لا عليا ولا مستقلة لأنها معينة من سعيد وتخضع لقراراته ولنتائج مسبقة".
ونبّه بن عيسى إلى "أننا أمام ملامح انهيار كاملة للدولة وانحراف بالمؤسسات بكل المعايير، وخصوصا بعدما ضرب سعيد كل القواعد على غرار الإطاحة بنظرية هاتس كلسن حول تراتبية القوانين، والمرجعيات التي تخضع لها وتشتغل بها كل كليات الحقوق".
ويزداد تشكيك المعارضين في التعيينات التي يجريها سعيد، خصوصا بعد حملة الانتقادات التي صاحبت تعيين 3 محافظين محسوبين على الرئيس شاركوا في إدارة حملته الانتخابية الرئاسية.
وتنتقد المعارضة بشكل متواصل أداء كل من محافظي تونس وبن عروس وبنزرت، بسبب ما وصفوه بعدم حيادهم في تطبيق القرارات الجهوية.
ورغم حملة الإعفاءات المتواصلة في عدة مستويات ما زالت الشغورات في عديد المناصب الجهوية، على غرار المحافظات والكتاب العامين للمحافظات والمعتمديات، كما تشهد عديد من البعثات الدبلوماسية والسفارات فراغات، رغم حساسية الوضع.
واليوم سحب عدد من مسؤولي اتحاد الفلاحين الثقة من الرئيس الحالي عبد المجيد الزار، المتهم بقربه من حركة النهضة، الذي استبعده الرئيس قيس سعيد من اللقاءات مع المنظمات واستقبل نائبه بدلا منه، ووجه إليه انتقادات غير مباشرة.
ورد الزار، من خلال صفحته على "فيسبوك"، بأن "الجلسة التي عقدها، اليوم الأربعاء، البعض من أعضاء المجلس المركزي للاتحاد، تعتبر لاغية اعتبارا لما رافقتها من خروقات ومخالفات تجانب النظام الأساسي للاتحاد".