أصيب العشرات من الشبان الفلسطينيين مساء اليوم الإثنين، بجروح بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط وبالاختناق بالغاز المسيل للدموع في المواجهات العنيفة التي اندلعت خلال تشييع جثمان الشهيد وليد الشريف الذي ارتقى السبت، متأثراً بجروح أصيب بها في الجمعة الثالثة من رمضان، فيما أفيد بوقوع إصابات بصفوف الطواقم الصحافية والطبية وتعرض سيارة الإسعاف التي أقلت جثمان الشهيد ومركبة خاصة لإطلاق النار. كما اقتحمت قوات الاحتلال في وقت متأخر من ليل الإثنين، منزل عائلة الشريف في حي بيت حنينا شمال القدس.
وأكدت مصادر صحافية وطبية وقوع إصابة خطيرة برصاص الاحتلال، والاعتداء على عبد الرحمن الشريف شقيق الشهيد، فيما أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني في القدس بأن طواقمه تعاملت مع 71 إصابة خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في أحداث القدس الدائرة الليلة، بينها 13 إصابة نقلت للمستشفى لتلقي العلاج، بينها إصابتان بالغتان.
وأشار الهلال الأحمر إلى أن الإصابات كانت بجروح بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والاعتداء بالضرب، وقنابل الصوت، واختناقات بالغاز المسيل للدموع، وأن إحدى الإصابات كانت لمسعف بالاختناق بالغاز.
في المقابل، أعلنت شرطة الاحتلال الإسرائيلي إصابة ستة من عناصرها في المواجهات العنيفة مع الشبان المقدسيين الليلة.
وأكدت مصادر محلية وقوع إصابات بالجملة من الزملاء الصحافيين والمصورين داخل مقبرة المجاهدين، وعرف منهم ديالا جويحان، رامي الخطيب، نسرين سالم، براءة أبو رموز، أحمد جابر، محمد عشو، معاذ الخطيب، مصطفى الخاروف، عبد العفو زغير، رجائي الخطيب، أحمد أبو صبيح.
ووسط تدابير أمنية مشددة وانتشار كثيف لقوات الاحتلال على أبواب البلدة القديمة من القدس والمسجد الأقصى المبارك؛ شيعت جماهير غفيرة من المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة بعد صلاة العشاء، جثمان الشهيد وليد الشريف (23 عاماً)، من حي بيت حنينا شمالي القدس المحتلة إلى مثواه الأخير في مقبرة المجاهدين قرب باب الساهرة بالمدينة المقدسة.
وانتقل موكب التشييع من مستشفى المقاصد على جبل الزيتون في القدس المحتلة نحو المسجد الأقصى، حيث أدى آلاف الفلسطينيين الصلاة عليه هناك، ثم ساروا بمسيرة ضخمة باتجاه مقبرة المجاهدين في شارع صلاح الدين، المتاخم لباب الساهرة، لتتم مواراته هناك وسط هتافات التكبير والفداء للشهيد بالروح والدم.
وكان الشهيد الشريف ارتقى في الجمعة الثالثة من شهر رمضان بعد إصابته برصاص جنود الاحتلال في رأسه، ما أدى إلى كسور ونزيف في الجمجمة، ومنذ ذلك الحين وهو يرقد في المستشفى في غيبوبة تامة.
واتهمت عائلة الشهيد شرطة الاحتلال بالتنكيل به بعد إصابته، وعدم تقديم العلاج الفوري له، ما تسبب بنقص حاد في الأوكسجين الواصل إلى الدماغ، ما فاقم من وضعه الصحي.
وجرى للشهيد استقبال حاشد في باحات المستشفى وسط هتافات الشبان "بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، في وقت كانت قوات الاحتلال قد اقتحمت بعض مرافق المستشفى واعتلى جنودها سطح المستشفى.
وخلال نقل الجثمان باتجاه المسجد الأقصى اندلعت مواجهات عنيفة بين الشبان وقوات الاحتلال في حي الطور بمدينة القدس، تخللها إطلاق جنود الاحتلال النار على مركبة في حي الصوانة المتاخم للطور دون أن يبلغ عن إصابات.
ثم ما لبثت أن امتدت المواجهات إلى حي باب حطة، داخل أسوار البلدة القديمة، وفي ساحة الغزالي قرب باب الأسباط، في وقت كانت أعداد غفيرة من المشيعين تجول بالجثمان ساحات المسجد الأقصى وتهتف بحياة الشهيد وتلوّح بأعلام فلسطين.
لكن أعنف المواجهات كانت في محيط مقبرة المجاهدين، بعد اقتحامها من قبل قوات كبيرة من جنود الاحتلال، ما أوقع المزيد من الإصابات وصفت إحداها بالخطيرة، وإصابة أخرى بالعين، فيما اعتقل ما لا يقل عن 13 شاباً تعرض بعضهم للضرب. وشهدت البلدة القديمة من القدس ومحيطها بعد التشييع مواجهات متفرقة وسط استمرار التوتر الشديد.
والشاب وليد الشريف بحسب الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، يعد أول شهيد في مواجهات في المسجد الأقصى منذ 22 عاماً، أي منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000.
السلطة الفلسطينية وحركتا حماس والجهاد تندد بوحشية الاحتلال
في الأثناء، وصفت الرئاسة الفلسطينية في بيان صحافي، اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على مشيعي الشهيد وليد الشريف، ومقبرة المجاهدين في القدس، بأنه عمل وحشي وهمجي.
وقالت الرئاسة الفلسطينية: "إن قوات الاحتلال لم تعد تكتفي بارتكاب جرائمها بحق الأحياء من شعبنا، بل طاولت انتهاكاتها حرمة الأموات والمقابر"، فيما أكدت الرئاسة أن الحكومة الإسرائيلية بهذه الجرائم هي وحدها من يتحمل مسؤولية التصعيد الجاري، وأنه لا سلام ولا استقرار في المنطقة إلا بزوال هذا الاحتلال ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله وحقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
وطالبت الرئاسة المجتمع الدولي بالكف عن الكيل بمكيالين، والنظر إلى ما يجري في فلسطين بعين عادلة.
بدورها أكدت حركة "حماس"، أنّ اعتداء قوّات الاحتلال على الجماهير الفلسطينية في القدس، الذين خرجوا في تشييع جثمان الشهيد وليد الشريف، مساء اليوم، وقمعهم واستهدافهم بالرّصاص الحيّ، وإصابة العشرات منهم "جريمة تفضح إرهاب وسادية هذا العدو، وانتهاكاته لكلّ القوانين والأعراف والشرائع".
ويكشف هذا القمع، وفق بيان لـ"حماس"، أنَّ قيادة الاحتلال قد فقدت صوابها وباتت في حال من الذعر والخوف، أمام التلاحم والصمود الشعبي والتصدّي لكلّ مخططاته التهويدية والاستيطانية.
وأشادت "حماس" بـ"جماهير شعبنا المرابط في الأقصى وأكناف بيت المقدس، والتي خرجت في تشييع شهيد القدس والأقصى، وليد الشريف، تكريماً للشهيد وإعلاءً لقيمة الشهادة، وإعلاناً لعهد الوفاء لدماء الشهداء".
الجهاد الإسلامي: جريمة لا تغتفر
أما الناطق باسم حركة "الجهاد الإسلامي"، طارق سلمي، فاعتبر اعتداء الاحتلال على جنازات الشهداء في القدس "جريمة لا تغتفر"، مشيراً إلى أنّ "تكرارها في جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة واليوم في جنازة الشهيد وليد الشريف، هو جزء من الحرب التي تستهدف المقدسيين".
وحذّر سلمي الاحتلال من تداعيات هذه الجرائم، مشيراً إلى أنّ "محاولة الاحتلال الهادفة لإرهاب أهلنا في القدس وفض الالتفاف الشعبي حول الشهداء وعوائلهم؛ محاولات يائسة تعكس عمق الفشل والعجز الذي وصل إليه المشروع الصهيوني". ودعا "أهلنا وشعبنا لتحدي الاحتلال والمشاركة الحاشدة في أداء الواجب والوقوف إلى جانب ذوي الشهداء والأسرى".