إشكالية التعافي المبكر في سورية

09 يونيو 2024
مبانٍ مدمرة في الغوطة، 16 إبريل 2018 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تصريح منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية حول إطلاق مشروع التعافي المبكّر في سورية يثير جدلاً واسعاً بين المعارضة السورية، مع مخاوف من استغلال النظام للصندوق للالتفاف على العقوبات الغربية.
- منظمات المجتمع المدني في مناطق المعارضة تخشى من إجبارها على الترخيص وفق قوانين النظام، مما يتيح له التحكم في توزيع الدعم بما يخدم مصالحه.
- التعافي المبكّر يواجه تحديات تتعلق بتمويل مناطق النزاع وضرورة توافق المشروع مع الوضع السوري، وسط مخاوف من أن يعطل العملية السياسية ويساهم في تعويم النظام سياسياً.

لا تزال مفاعيل تصريح منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية آدم عبد المولى لصحيفة الوطن الموالية للنظام السوري، نهاية مارس/ آذار الماضي، عن نية الأمم المتحدة إطلاق مشروع للتعافي المبكّر في سورية مدته خمس سنوات، تثير جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة السورية، سواء على مستوى المعارضة السياسية، أو منظمّات المجتمع المدني التي تعمل في مناطق سيطرة المعارضة، خصوصاً أن عبد المولى قد أكد في تصريحه أن برنامج التعافي المبكّر سيتضمّن إنشاء صندوق يسمح للدول و"خاصة الخليجية منها" تقديم المساعدات للنظام بغطاء أممي تجنباً للعقوبات المفروضة من الغرب على النظام.

وقد عزز هذا الأمر مخاوف المعارضة السياسية من أن يكون الهدف من هذا الصندوق الالتفاف على العقوبات المفروضة على النظام، وتعويمه سياسياً من خلال عباءة الدعم الإنساني، فيما رأى قسم من المعارضة أن النظام لا يهمّه كثيراً إنشاء مثل هذا الصندوق، بقدر ما يهمّه رفع العقوبات عنه، كونه يستفيد من رفعها مادياً وسياسياً أضعاف ما يحصّله من هذا الصندوق الذي سيكون مُجبراً بموجبه على القيام بمشاريع خدمية لا يهمّه إنجازها.

أما منظمات المجتمع المدني في مناطق المعارضة، فأبدت مخاوفها من أن يستغل النظام هذا المشروع، ويفرض "باعتباره الممثل القانوني للدولة السورية في الأمم المتحدة" على المنظمات التي ستتلقى دعماً من الصندوق أن تكون مرخصة في مناطقه ووفق قوانينه، وأن يتحكم بتوزيع الدعم المقدم حسب مصالحه وليس حسب احتياجات المتضررين.

ولا تكمن إشكالية التعافي المبكر فقط في المخاوف آنفة الذكر، بل تتعدّاها إلى إشكاليات أكثر تعقيداً، في مقدمتها أن التعافي المبكر أصلاً لا يمول في مناطق النزاع، وإنما هو تمويل لمجتمعات مستقرّة وتشهد كوارث طبيعية، لمساعدتها على التعافي، وبالتالي، يحتاج البرنامج إلى مقاربة تتوافق مع الوضع السوري. الإشكالية الثانية أن المعارضة لا تمتلك ترف قبول مشروع التعافي المبكر أو رفضه في حال أُقرّ، وبالتالي، عليها تقديم مقاربة للتعافي المبكر تحقق من خلالها مصالحها قدر الإمكان وتمنع استغلال النظام. فيما الإشكالية الثالثة هي أن على هذا المشروع، في حال أُقرّ، مراعاة محصلة مصالح الدول المتدخلة في الشأن السوري، وبالتالي، يجب ألا تغفل أية مقاربة لهذا المشروع تلك المصالح.

وتكمن خطورة مفهوم التعافي المبكر في الحالة السورية في أنه رغم أن ظاهره زيادة التمويل المخصص للاستجابة الإنسانية، إلا أنه سيؤدي حتماً إلى تعطيل العملية السياسية على حساب استقرار هش يزيد من ابتعاد المجتمع الدولي عن التفكير بحل سياسي جذري للقضية السورية. طبعاً عدا مساهمته في تعويم النظام سياسياً من خلال تهافت مزيد من الدول للتطبيع معه، الأمر الذي من شأنه أن يحوله في مرحلة لاحقة إلى مشروع إعادة إعمار ينهي القضية السورية لصالح بقاء النظام.

المساهمون