أخرجت صواريخ إسرائيلية مطار حلب الدولي في الشمال السوري، فجر أمس الثلاثاء، من الخدمة للمرة الثانية (الأولى في سبتمبر/ أيلول الماضي) بعد استهدافه بصواريخ من البحر الأبيض المتوسط.
وفيما أشارت تقديرات إلى أن الهدف تعطيل استخدام طهران هذا المطار لإيصال شحنات أسلحة ودعم لوجستي لمليشياتها في سورية، تحت غطاء المساعدات الإنسانية المقدمة إلى المتضررين من الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في 6 فبراير/ شباط الماضي، دان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أمس في بيان، الهجوم الإسرائيلي، واصفاً إياه بـ"العدواني وغير الإنساني".
وأضاف: "في الوقت الذي يعيش المتضررون السوريون من الزلزال ظروفاً صعبة، يقصف الكيان الصهيوني مطار حلب، الذي يشكل مساراً رئيسياً لوصول المساعدات الدولية، وهذا مثال واضح على الجريمة ضد الإنسانية".
غارات إسرائيلية على مطار حلب
ونقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري عن مصدر عسكري، لم تسمّه، قوله إن "العدو الإسرائيلي نفذ عدواناً جوياً من اتجاه البحر المتوسط غرب اللاذقية، مستهدفاً مطار حلب الدولي".
وأضاف أن القصف أدى إلى "حدوث أضرار مادية في المطار وخروجه عن الخدمة". كذلك، أفادت وكالة "سبوتنيك" الروسية بأن الصواريخ التي أفلتت من المضادات الجوية استهدفت المهبط الرئيسي للمطار، ما أدى إلى أضرار مادية أخرجته عن الخدمة.
وائل علوان: عمليات الرصد الإسرائيلية للقوافل الإيرانية مستمرة
وأعلنت المؤسسة العامة للطيران، التابعة للنظام، تحويل هبوط طائرات المساعدات الإغاثية والرحلات الجوية الأخرى إلى مطاري دمشق واللاذقية، مشيرة إلى مباشرة "عمليات الكشف عن الأضرار وإزالتها تمهيداً لإصلاحها".
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول الجاهزية في وزارة النقل في حكومة النظام سليمان خليل، قوله إن "مطار حلب استقبل أكثر من 80 طائرة مساعدات في فبراير الماضي"، موضحاً أن "الأضرار مادية فقط وطاولت مدرج الطائرات". وأشار إلى عدم وجود أي أضرار في الطائرات، كاشفاً أنه "لم يعد هناك إمكانية لاستقبال أي طائرة مساعدات جديدة حتى يتم إصلاح الأضرار".
وجاء القصف الإسرائيلي على مطار حلب بعد أيام من تداول وسائل إعلام إيرانية أنباءً عن قرب تزويد النظام السوري بمنظومة صواريخ دفاع جوي، بهدف التصدي للغارات الجوية الإسرائيلية.
وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أواخر الشهر الماضي، أنّ من المرجح أن تبيع إيران صواريخ أرض - جو لسورية، لمساعدتها على تعزيز الدفاعات الجوية في مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة.
وحول هذه التطورات، أشار الباحث وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن القصف الإسرائيلي الذي طاول مطار حلب "يؤكد أن عمليات الرصد الإسرائيلية لكل قوافل المساعدات الإيرانية التي تصل إلى سورية لم تغب على الإطلاق".
وتابع قائلاً إن "الحرس الثوري الإيراني اتخذ من هذه القوافل التي أتت عبر مطار حلب أو معبر البوكمال البري (في أقصى الشرق السوري) غطاءً لتمرير شحنات أسلحة ضمنها".
وفي السياق، أشار المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الجانب الإيراني "أدخل عبر مطار حلب طائرتي شحن أسلحة وذخائر تحت غطاء المساعدات الإنسانية"، مضيفاً: "الحرس الثوري يستغل الجانب الإنساني لرفد مليشياته بالأسلحة والدعم اللوجستي في سورية. لقد حوّل مطار حلب إلى وسيلة لنقل السلاح والذخيرة بشكل مكثف منذ وقوع الزلزال".
مصطفى فرحات: إيران أدخلت أسلحة وذخائر عبر مطار حلب تحت غطاء المساعدات الإنسانية
وأبدى فرحات اعتقاده أن طهران "تجاوزت ثلاثة خطوط حمراء"، شارحاً أن "الأول هو المفاعل النووي، والثاني التمدد في المحيط العربي بحيث بات لطهران مناطق نفوذ على حدود إسرائيل، والثالث هو الصواريخ البالستية".
وتابع: "هذه القضايا تفسر التصعيد الإسرائيلي ضد الأهداف الإيرانية في عموم الجغرافيا السورية". وأشار إلى أن الجانب الإيراني "عاجز عن الرد على التصعيد الإسرائيلي"، معتبراً أن "طهران تحاول امتصاص الضربات وإقامة منشآت محصنة، خصوصاً في مصياف، غربي حماة، وفي منطقة السفيرة، جنوب شرقي حلب، لصناعة الأسلحة والصواريخ، بدلاً من نقل هذه الأسلحة الثقيلة من إيران".
إخراج مطار حلب عن الخدمة في سبتمبر
وهذه ليست المرة الأولى التي تُخرج فيها صواريخ إسرائيلية مطار حلب الدولي عن الخدمة، إذ تعرّض في سبتمبر الماضي لضربتين إسرائيليتين منفصلتين خرج على إثرهما عن الخدمة، قبل أن يعود للعمل بعد حوالى عشرة أيام.
وتتهم إيران بأنها اتخذت من كارثة 6 فبراير ذريعة لتكريس وجودها العسكري في مدينة حلب، التي تضررت من الزلزال. وزار قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني مدينة حلب بعد يومين من وقوع الزلزال، في خطوة تبرز أهمية هذه المدينة في المشروع الإيراني في سورية.
وكان قاآني أول مسؤول أجنبي يصل إلى سورية بعد الزلزال، وسبق حتى وصول رئيس النظام بشار الأسد إلى حلب. وزار الأسد المدينة في اليوم الخامس بعد الزلزال، وتركت زيارته انطباعاً سيئاً، بسبب إطلالته المبتسمة والضاحكة أمام وسائل الإعلام.
كذلك زار المدينة رئيس هيئة أركان "الحشد الشعبي" العراقي، عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، معززاً الاعتقاد أن الحضور العسكري في حلب من أولويات الحرس الثوري الإيراني في الوقت الراهن.
وبدأت إيران نشاطها العسكري والديني والاقتصادي في حلب منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، إلا أنه تعزز واتخذ أبعاداً أكثر وضوحاً بعد خروج فصائل المعارضة من أحياء حلب الشرقية في أواخر عام 2016.
وتؤكد مصادر في المعارضة السورية أن الحرس الثوري الإيراني يتخذ من تقديم مساعدات إلى مناطق النظام بسبب تضرر بعضها بالزلزال، غطاءً لجلب أسلحة وذخائر إلى مليشياته في حلب ودمشق، وهو ما يفسر القصف الاسرائيلي للمطار. وسبق للاحتلال أن أخرج أيضاً مطار دمشق الدولي من الخدمة مرتين: الأولى في منتصف عام 2022، والثانية مطلع العام الحالي، مستهدفاً شحنات أسلحة آتية من إيران.