إسرائيل تكشف عن وثائق جديدة حول حرب أكتوبر 1973

06 أكتوبر 2021
فشلت إسرائيل في استباق الضربات المصرية والسورية (Getty)
+ الخط -

لا توجد حرب خاضها الاحتلال الإسرائيلي لم يتوقف الجدل بشأنها مثل حرب العاشر من رمضان، أو حرب أكتوبر في العام 1973، عندما شنت مصر وسورية حرباً بشكل مفاجئ على إسرائيل، وعلى الرغم من وصول معلومات استخباراتية لإسرائيل، تضمنت حتى ساعة الصفر لبدء الهجوم المصري والسوري، إلا أن الحروب بين جنرالاتها وأجهزتها المختلفة، ولا سيما الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" ووزير الدفاع موشيه ديان، حالت دون شن ضربة استباقية من إسرائيل، خلافاً لما فعلته في حرب السادس من يونيو/حزيران عام 1967.

وفي كل عام، تسمح الرقابة العسكرية بنشر وثائق جديدة من أرشيف الدولة عما دار في تلك الحرب، وعن هوية المسؤولين عن الفشل الإسرائيلي في استباق الضربات المصرية والسورية. وعلى هذا الأساس، نشر أرشيف الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الأربعاء، 61 وثيقة تاريخية تمتد على 1220 صفحة، تلقي بعض الضوء على ما دار وراء الكواليس في حكومة غولدا مائير، وسبل اتخاذ القرار بشأن الحرب فيها، وضمن ذلك ما سجلته مائير شخصياً في يومياتها للحرب وقرارات المباحثات في ديوانها.

ومن أبرز ما تكشفه هذه الوثائق، هو الخلافات الداخلية والتنافس بين أجهزة الاستخبارات، ثم كيف انطلقت صفارات الإنذار في الساعة الثانية بعد الظهر، لتعترف غولدا مائير أمام كابينت حكومتها بتمكن مصر وسورية من مفاجأة إسرائيل، وإن لم تكن المفاجأة كاملة أو غير متوقعة.

وبحسب هذه الوثائق مثلاً، فقد أعلنت مائير، بعد خمس دقائق من انطلاق صفارات الإنذار، أنه "إذاً تمكنوا على الرغم من كل شيء من مفاجأتنا"، في إشارة إلى التقرير الذي سبق إرساله قبل يوم واحد من اندلاع الحرب من قبل رئيس الموساد آنذاك تسفي زمير، عقب لقائه في لندن مع الضابط المصري وصهر الرئيس جمال عبد الناصر أشرف مروان، الذي كان عميلاً للموساد (فيما تصر القيادة المصرية على القول إنه كان عميلاً مزدوجاً ضلل إسرائيل)، وأبلغ زمير بأن الحرب ستندلع خلال 14 ساعة.

وبحسب الوثائق الجديدة، كانت لدى إسرائيل شكوك حول نوايا مصر، خصوصاً في ظل التهديدات المتتالية من قبل الرئيس أنور السادات، وكان الموساد بانتظار إشارة ومعلومات من أشرف مروان، ولكن عند تلقي إشارة أولى، لم يتمكن رئيس الموساد من السفر مباشرة للندن لعدم توفر رحلة على طائرات العال الإسرائيلية. وبحسبه، فإنه عندما توجه لمطار بن غوريون، تلقى اتصالاً أيضاً من رئيس شعبة الاستخبارات الجنرال إيلي زعيرا، الذي أبلغه بأنه قلق، ليخلص زمير إلى القول إنه أبلغ زعيرا بأن الأمر على ما يبدو مرتبط بشن الحرب.

وقد أدى ذلك كله إلى تأخر رئيس الموساد بالوصول إلى لندن للقاء أشرف مروان حتى الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، ليلتقي بمروان في الثانية من بعد منتصف الليل، وهناك أبلغه مروان بأن الحرب ستندلع، وأنها ستبدأ، "ولا أعرف لماذا، ربما بعد الظهر أو في ساعات المساء، فقررت عندها الاتصال بإسرائيل".

وبحسب الوثائق، فقد واصل أشرف مروان خلال أيام الحرب تغذية رئيس الموساد زمير بالمعلومات عن التطورات المختلفة، حتى أنه أطلق عليه في مداولات الحكومة الداخلية "صديق تسفيكا". ومن ضمن هذه المعلومات، كانت تقديرات أشرف مروان أن مصر ستطلق باتجاه إسرائيل صواريخ "سكود" فقط في حال شنت الأخيرة حربا واستهدفت مواقع مدنية.

ومع أن هذه التفاصيل معروفة، إلا أن الجديد أنها تظهر في "يوميات رئيسة الحكومة غولدا مائير". إلى ذلك، تشير الوثائق الجديدة إلى أن معلومات مصيرية ومهمة وصلت من عميل آخر للموساد في صفوف القوات المصرية العسكرية، وهو ما كان قد كشف عنه أول مرة العام الماضي، والذي أوصل معلومات أخرى عن مجرى العمليات المصرية في 12 أكتوبر/ تشرين الأول، بينما كان الكابينت الإسرائيلي يناقش سبل اجتياز قناة السويس، وتتعلق بالقرار المصري بتفعيل وحدة المظليين، إلى جانب القوات البرية والمدرعات لتحرير أراضٍ في عمق شبه جزيرة السودان.

ومع تلقي هذه المعلومة، غيّرت إسرائيل من عملياتها لجهة الاستعداد لصدّ الهجوم المصري قبل البدء باجتياز سيناء، وفق اقتراح رئيس أركان الحرب آنذاك، الجنرال دافيد العزار. ولخصت مائير الاجتماع بقولها عن المعلومة التي وصلت للتو، إنها حسمت النقاش حول أولويات العمليات القادمة. لكن المعلومة المصرية الأخيرة من الضابط في القوات المسلحة، الذي لم تكشف هويته لليوم، كانت بحسب رئيس الموساد تسفي زامير، هي "ما أنقذ إسرائيل من أكبر إهانة في تاريخها".

وتكشف الوثائق الجديدة على نحو خاص، الخوف الإسرائيلي خلال الحرب من أن تشنّ مصر هجوماً صاروخياً على إسرائيل، وهجوماً كيميائياً على أهداف معينة. وكانت تقديرات كبار القيادات الإسرائيلية تشير إلى أن الاتحاد السوفييتي يساعد مصر في توجيه وإطلاق الصواريخ. وجاء في إحدى الوثائق: "لقد قال لهم الروس سنتعلم وإياكم إطلاق هذه الصواريخ، وفي نهاية المطاف إذا أطلقت صواريخ فستكون روسية، لكن سيقولون إنها صواريخ مصرية".

وقد أثار هذا الأمر قلقاً خاصاً عند وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان، حيث تقول الوثائق إن ديان تساءل "ما الذي سيحدث إذا ضغط السادات على الروس، هل سيدعون أننا هاجمنا مدنيين ثم يطالبون بإمطارنا بالصواريخ؟ هناك أخبار أن مصر تملك على الأقل 400 صاروخ". وكان هذا القول المنسوب لديان قد جاء خلال مداولات في قيادة أركان الجيش، عارض خلالها قصف مواقع استراتيجية مصرية خوفاً من إطلاق صواريخ "سكود" على إسرائيل، بحسب ما تنقل الوثائق عن الوزير يغئال ألون.

وتبرز الوثائق الجديدة على نحو بارز، مخاوف إسرائيلية من دور سوفييتي فاعل في الحرب، إذ يتساءل الوزير في الحكومة الإسرائيلية يسرائيل غاليلي، بحسب الوثائق: "هل يوجد تهديد وخطر بتدخل سوفييتي؟ كيف سنرد؟". إلى ذلك، يتضح أن الحكومة الإسرائيلية خشيت من استعمال القوات المصرية للغازات في الحرب، عندما تساءلت غولدا مائير في إحدى المداولات هل يملك جميع الجنود كمامات واقية من الغازات.

إلى ذلك، تكشف الوثائق الجديدة لأول مرة أن رئيس الأركان دافيد العزار اقترح قصف دمشق بصواريخ إسرائيلية من طراز "عبري"، كانت قد طورت قبل الحرب، قال إنها تصل لقلب دمشق، مقترحاً قصف مطار بالقرب من دمشق، يسمع صداه في دمشق ويسبب ارتجاجاً في بيوت المدينة، لكن ديان عارض ذلك.

كما تشير الوثائق إلى تجند عائلة البارون روتشيلد لتقديم الدعم المالي عبر تقديم مليوني جنيه إسترليني لصالح الجهد الحربي، ومثلها فعل أثرياء يهود من مختلف أنحاء العالم، عبر توظيف المحرقة اليهودية لهذه الغاية.