إسرائيل تتفاخر بشنّ الحرب على الأمم المتحدة ووكالاتها

04 أكتوبر 2024
من قصف مقر أونروا، دير البلح، يوليو 2024 (عبدالرحيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -

يتزايد الاستهداف الإسرائيلي لمنظمات الأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل نحو عام، سواء على الصعيد الرسمي والقرارات الصادرة بحق هذه المنظمات الأممية أو حتى ملاحقة العاملين فيها وقتلهم، كما جرى مع العشرات منهم. ويُعتبر القرار الأخير الصادر أول من أمس الأربعاء، عن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اعتبار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "شخصية غير مرغوب بها في إسرائيل"، آخر الاستهدافات التي تطاول الشخصيات الأممية العاملة في الحقل الدبلوماسي، ما يعكس تناقضاً واضحاً في المنظومة الدولية والأممية.

223 موظفاً من "أونروا" استشهدوا منذ 7 أكتوبر الماضي في غزة

وبموجب قرار الوزير الإسرائيلي، يحظر على غوتيريس دخول إسرائيل، بزعم عدم إدانته بصورة واضحة للهجوم الإيراني الذي طاول منشآت أمنية وعسكرية إسرائيلية الثلاثاء الماضي. وتحدث كاتس في تصريحات برّر فيها قراره أنه من لا يستطيع أن يدين بشكل لا لبس فيه الهجوم الإجرامي الإيراني على إسرائيل، لا يصلح أن تطأ قدمه الأراضي الإسرائيلية، معتبراً أن الأمين العام للأمم المتحدة كاره لإسرائيل ويدعم بشكل واضح "الإرهابيين والقتلة"، وفق كاتس.

ويأتي هذا القرار الإسرائيلي بعد شهور قليلة من تشريعات أقرّها الكنيست ضد منظمة أونروا، تتضمن إغلاق مكاتبها في القدس المحتلة والتعامل معها على أنها "منظمة إرهابية"، في إشارة واضحة إلى رغبة الاحتلال وحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية في إنهاء عمل المنظمة في الأراضي الفلسطينية وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.

محاولة جديدة للتخلص من "أونروا"

ولم يقتصر الأمر عند قرارات حكومية وتشريعات أصدرها الكنيست، إذ استشهد وأصيب العشرات من الموظفين العاملين في الأمم المتحدة و"أونروا" نتيجة عمليات القصف التي تطاول مختلف مناطق القطاع، أو حتى المنشآت المدنية التي تتبع المنظمات الأممية في غزة بالذات التي يتواجد فيها مهجّرون فلسطينيون. وبحسب بيانات "أونروا"، فإن 223 موظفاً من موظفيها استشهدوا حتى الآن، بفعل الهجمات الإسرائيلية على القطاع، المتواصلة للشهر الثاني عشر على التوالي، فضلاً عن تدمير ثلثي المنشآت في غزة، حيث تم الإبلاغ عن 464 حادثة أثّرت على مباني "أونروا" وعلى الأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ووفق البيانات، فقد تأثرت 190 منشأة مختلفة تابعة لـ"أونروا" بسبب الذخائر أو بسبب تعرّضها لتدخّل فاعل مسلح من خلال هذه الحوادث، فيما استشهد ما لا يقل عن 563 مهجّراً يلتجؤون في ملاجئ "أونروا" وأصيب 1790 آخرين على الأقل منذ بدء الحرب.

وتعكس الهجمات الإسرائيلية المتكررة للمقار المحسوبة على المنظمات الأممية عدم احترام إسرائيل للمنشآت المدنية والدولية المحمية بموجب القانون الدولي واتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة خلال الحروب، فضلاً عن تعمّد استهداف هذه المنشآت بشكل متكرر من خلال القصف الجوي والمدفعي لها.

منظمات الأمم المتحدة في مرمى التضييق والتحريض

وعن ذلك، قال رئيس شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا، إن الاحتلال يتهجم تاريخياً على المنظمات الأممية والعاملين فيها على مدار عقود، لا سيما في الأوقات التي كانت تشهد قرارات لصالح القضية الفلسطينية، حيث كان يقوم الاحتلال بالتضييق على عمل البعثات الأممية في الأراضي الفلسطينية. وأضاف الشوا لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال يقوم بشكل دائم بالتحريض على "أونروا" ومهاجمتها ومحاولة تقليص التمويل وقطعه، كما حدث خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وأشار إلى أنه خلال الحرب الحالية، قام الاحتلال بتصعيد الهجمات ضد وكالات الأمم المتحدة، لا سيما حينما وضعت منظمة "يونيسف" (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) الاحتلال الإسرائيلي في القائمة السوداء، بعد استهداف أطفال غزة وقتلهم بشكل واضح ومكثف على مدار فترات الحرب التي أوشكت على دخول عامها الثاني. وبحسب رئيس شبكة المنظمات الأهلية، فإن الهجمة الإسرائيلية لها تأثيراتها على الأرض في ما يتعلق بالمؤسسات الأممية، حيث تم رصد استشهاد أكثر من 210 من عمال الإغاثة في "أونروا" عدا عن استهداف مقار المنظمة الأممية، بالإضافة إلى استهداف مقدراتها كالسيارات والمكاتب المحسوبة عليها. ولفت إلى أن الاحتلال يمنع وصول العاملين في المنظمات الأممية، مثل مفوض عام "أونروا" فيليب لازاريني، فضلاً عن التضييق الذي يتعرض له العاملون في المنظمات الأممية على مدار شهور الحرب.

ورأى الشوا أن الاحتلال، وعبر قراراته وإجراءاته الحالية، يريد المساس بالمنظومة الدولية والأممية، وفرض واقع جديد يقوم على قانون "الغاب" وتغييب القانون الدولي، وبات يتعامل كسلطة فوق القانون الدولي. وهو واقع غير مسبوق يسعى الاحتلال إلى تطبيقه على كافة المستويات. وحذّر من التداعيات المترتبة على القرارات الإسرائيلية، وعدم احترام القانون الدولي، وعدم السماح بإدخال المساعدات أو وقف جرائم الإبادة، ما يعكس فشلاً واضحاً من المجتمع الدولي في تطبيق القانون الدولي.

من جهته، أشار أستاذ العلوم السياسية ناجي شراب، إلى أن سلوك الاحتلال الإسرائيلي تجاه القانون الدولي والأمم المتحدة يظهر في عدم تنفيذه أيا من قراراتها الصادرة على مدار تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو حتى التصريحات المختلفة الصادرة عن المسؤولين والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 وحتى الآن. ولفت شراب، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستخف بالشرعية الدولية وبدور المنظمات الأممية كافة، مستغلاً الغطاء الأميركي الممنوح له والذي يوفر له الفيتو (حق النقض) في مختلف الأوقات لتعطيل قرارات صادرة بحقه ولصالح الشعب الفلسطيني. وأضاف أن المشكلة الحالية تكمن في وصول الاحتلال مرحلة من التطاول على رموز الأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام أنطونيو غوتيريس ووكالاتها المختلفة، وعرقلة عمل الموظفين الأمميين والدوليين في الأراضي الفلسطينية.

ورأى شراب أن أحد مسببات هذا الأمر يتمثل في القرارات المتعلقة بالعضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة والمخاوف الإسرائيلية المستقبلية من التداعيات المترتبة على مثل هذه القرارات، لا سيما على الصعيد القانوني وملاحقة القادة السياسيين والعسكريين، في ظلّ التحقيقات التي تتم أمام المحاكم الدولية بشأن ارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين في غزة. ولفت كذلك إلى أن هناك خللاً في المنظومة الدولية والنظام القائم وأحد أشكاله عدم الالتزام بالقانون الدولي، وهدف الاحتلال من وراء التشكيك بهذه الشرعية الهروب من أي كشف للغطاء السياسي المتوفر للاحتلال في ما يتعلق بجرائمه.

المساهمون