إرجاء زيارة تبون إلى موسكو.. رغبة جزائرية في "الحفاظ على التوازن"

01 فبراير 2023
تبون: الجزائر توازن بين علاقاتها مع موسكو بنفس القدر مع واشنطن (Getty)
+ الخط -

مع إعلان الرئاسة الجزائرية موعداً جديداً لزيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى موسكو، شهر مايو/أيار المقبل، تزامناً مع زيارة أخرى سيقوم بها الرئيس تبون إلى فرنسا في الشهر نفسه، تبرز رغبة جزائرية واضحة في الحفاظ على التوازن الضروري في علاقات الجزائر مع محوري الأزمة الدولية القائمة، روسيا والمعسكر الغربي، خصوصاً في ظل الحرب على أوكرانيا.

وتأتي هذه الرغبة الجزائرية بهدف استبعاد مزيد من الضغوط الغربية على الجزائر، نتيجة ما تعتبره أطراف أوروبية وأميركية انحيازاً جزائرياً إلى روسيا.

يُذكر أنه قبل تحديد موعد زيارة تبون إلى موسكو، كان الحديث يدور عن أن الزيارة ستكون مطلع العام الجاري، إذ تم البدء في الإعداد لبرامج مرافقة للزيارة، لكن ظروفاً وتطورات دفعت الجانب الجزائري إلى إرجاء الزيارة واختيار تاريخ آخر، قبل أن يعلن عن التاريخ الرسمي للزيارة.

يُذكر أن الرئاسة الجزائرية كانت قد أعلنت، أمس الثلاثاء، أن الرئيس عبد المجيد تبون أبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مكالمة هاتفية، أنه سيقوم بزيارة إلى موسكو شهر مايو/أيار المقبل، بعدما كان مقرراً أن تتم الزيارة خلال الأيام الأخيرة.

وأفاد بيان للرئاسة الجزائرية بأن الرئيسين تطرّقا إلى "الاجتماع المرتقب للجنة المختلطة الكبرى الجزائرية-الروسية، كما اتفقا أيضاً على زيارة الرئيس تبون إلى روسيا الاتحادية، في شهر مايو/أيار المقبل"، كما تناولا العلاقات الثنائية التي تربط البلدين، ولا سيّما آفاق التعاون الطاقوي.

ولم تبرز مبررات واضحة لاختيار شهر مايو/أيار بدلاً من المواعيد التي كان قد أعلن عنها من قبل وزير الخارجية رمطان لعمامرة، والسفير الروسي فاليري شوفايف، من أن الزيارة ستتم في حدود نهاية 2022 أو بداية العام الجديد.

وقال رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائرية-الروسية، عبد السلام باشاغا، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ظروفاً ما دفعت إلى تأجيل زيارة الرئيس الجزائري إلى موسكو، وأعتقد أن تحديد موعد جديد لهذه الزيارة مهم ويؤكد أنها ستتم في ظروف أفضل وبما يساعد على ترقية اتفاق التعاون والصداقة الموقّع في عام 2001، إلى اتفاق شراكة استراتيجي يعزز ويطور التعاون بين البلدين"، مضيفاً أن "المكالمة الهاتفية بين الرئيسين تبون وبوتين تأتي في سياق التأكيد على علاقات الصداقة التي تجمع البلدين، وتعزيز قنوات التواصل والتشاور، خصوصاً ما يتعلق بالقضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك وفي عديد من القطاعات".

"تحقيق التوازن"

بعض التفسيرات السياسية تطرح عاملين أساسيين للموعد الجديد لزيارة موسكو، الأول يرتبط بأن الظروف الحالية قد لا تكون مناسبة لإجرائها، خاصةً في ظل تطورات الحرب في أوكرانيا، والموعد الجديد قد يتيح ظروفاً أفضل في حال أمكن التوصل إلى تفاهمات لوقف الحرب وإيجاد مخارج للأزمة من جهة، وبحيث تكون الأوضاع والتطورات أكثر وضوحاً. أما التفسير الثاني فيرتبط بأن قرار السلطات الجزائرية بتأجيل زيارة موسكو يأتي بهدف وضعها قريبة من زيارة باريس، وهذا يهدف إلى توفير تغطية سياسية وتجنب الضغوط والقراءات الغربية التي قد تُفهم لزيارة تبون إلى موسكو.

في السياق، تؤكد تفسيرات دبلوماسيين جزائريين تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أن "الزيارة لم يكن أن تتم في هذا الظرف الراهن الذي يوصف بالذروة، خاصةً مع تأزم الصراع في أوكرانيا، ما يعني أن هناك ذروة ميدانية في الحرب وفي المواقف، لذلك فإن إرجاء الزيارة هو خيار جيد بالنسبة للجزائر. وتضيف نفس المصادر، أن "ذلك يُظهر محاولة الجزائر لتحقيق التوازن الصعب في العلاقة مع كلا المعسكرين، ومحاولة إعطاء الانطباع بأنها على بعد مسافة متقاربة من الجانبين، وكذا التأكيد على كونها دولة عدم انحياز، وأنها تدير علاقاتها وفقاً لمصالحها ومقتضيات العلاقات الدولية".

وكان الرئيس تبون قد عبّر عن هذا بوضوح في أكثر من مناسبة، حيث أعلن، في وقت سابق، أن "الجزائر توازن بين علاقاتها مع موسكو بنفس القدر مع واشنطن، لدينا علاقات مميزة مع روسيا منذ ستين عاماً، ولدينا علاقات مع أميركا، والأميركيين يتفهمون ذلك جيداً".

وقبل ذلك كان قائد الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، قد خاطب بشكل مباشر قائد الأركان العسكرية لحلف الناتو، الفريق هانس وارنر وييرمان، خلال زيارته إلى الجزائر في الفترة نفسها، وقال إن "الجزائر تتبنى سياسة الحياد وتحرص على النأي بنفسها عن التجاذبات الحاصلة بين مختلف الأطراف".

وعلى الرغم من السعي الجزائري لتحقيق حالة من التوازن في الموقف والعلاقات مع كل الأطراف، خاصة في ظل الحرب في أوكرانيا التي ترفض الجزائر إدانتها، تصدم هذا المسعى بمواقف متباينة من هذه الأطراف، ففيما تشيد موسكو بثناء على الموقف الجزائري من الحرب في أوكرانيا، تجد أطراف أميركية أن الموقف الجزائري غير متوازن ومنحاز لموسكو، على غرار ما عبر عنه نائب رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس، ماركو روبيو، الذي طالب إدارة بايدن بتسليط عقوبات على الجزائر.

المساهمون