إدارة بايدن وهاجس التطبيع.. إصرار على وضع العربة أمام الحصان

02 فبراير 2024
من المتوقع أن يجري بلينكن جولة جديدة في المنطقة مطلع الأسبوع (Getty)
+ الخط -

يتوجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الأحد القادم إلى المنطقة. الأرجح كما تسرّب أن تبدأ زيارته الخامسة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في الخليج كالمرة السابقة. والأرجح أيضا أن تنتهي عند حدود "الحكي" وتمرير الوقت، كما انتهت الأخيرة. ذلك أنه ذاهب بنفس المقاربة التي لا بدّ وأن تكون محكومة بنفس النتائج. فالوزير يعتمد على ما يبدو ذات النهج الذي يضع العربة أمام الحصان، وذلك بإغراء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتطبيع من أجل حمله على تسهيل الخطوات المؤدية إلى وقف الحرب التي باتت تهدد وضع بايدن الانتخابي، وربما قد تؤدي إلى توريطه لو خرجت عن السيطرة كما هددت بذلك عملية البرج 22 في الأردن.

الفارق هذه المرة أن الإدارة الأميركية تراهن على نجاح المساعي الجارية للتوصل إلى صفقة رهائن يتم تنفيذها على دفعات تقتضي هدنة تكون مدتها كافية لتبريد الجبهة، علّ ذلك يؤدي إلى وقف النار وبالتالي الحرب، على أن تساعد في ذلك رشوة نتنياهو بالتطبيع.

السيناريو الذي يحمله الوزير كشف المعلّق دافيد أغناتشيوس المعروف بقنوات اتصالاته العالية، عن خطوطه الرئيسية، وربما بعلم الوزير. يبدأ ذلك في المملكة العربية السعودية التي ستكون المحطة الأولى في الزيارة، ليحصل على موافقة الرياض مجدداً على التطبيع مع إسرائيل شرط "أن يسبق ذلك وقف حرب غزة والتزام إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف في الضفة والقطاع". ثم يعرض ذلك على نتنياهو لوضعه أمام خيارين: الأول "قبول العرض وهذا غير مستبعد؛ إذ إن ذلك قد يظهره كرجل سلام وبما يساعده على إنقاذ وضعه وإزالة وصمة عار 7 أكتوبر التي لحقت به". وفي هذه الحالة "تفرط حكومته وعليه تشكيل أخرى بتحالف يتقبل العرض". الثاني "ألا يوافق بحيث تصبح حكومته مهددة بالسقوط في الكنيست لتأتي مكانها حكومة تتبنى المشروع". وكل ذلك يتطلب البتّ فيه "خلال شهرين"، من جهة للضغط على نتنياهو ومن جهة أخرى لإنجاز المهمة قبل الغرق بالحملة الانتخابية.

إذا صحت الرواية وغالباً هي كذلك، فإنها تبدو أقرب إلى "المناورة" منها إلى الدبلوماسية. والعطب الأكبر فيها أنها تتمحور حول هاجس التطبيع الذي يحتل الأولوية في مقاربة الإدارة وكأنه مفتاح الحلول في المنطقة ومن خلاله تولد "الدولة الفلسطينية" لا العكس. وهي في كل حال، ما زالت ولادتها ومواصفاتها ملغومة، وفي أحسن الأحوال مبهمة، أي قابلة لتدوير الزوايا.

وقد صدرت تلميحات في هذا الخصوص ومن الرئيس بايدن بالذات، كأن تكون دولة لا تتولى زمام أمنها. ثم إن على إسرائيل "أن تلتزم مقابل التطبيع بإقامة دولة فلسطينية في آخر المطاف"، وهو التزام سبق ومزقته بعد أوسلو مع أنه كان محددا بخمس سنوات. الآن هو مفتوح على "آخر المطاف".

ولإعطاء هذا التحرك شيئا من الصدقية، سرّبت الجهة المعنية معلومة مفادها أن الإدارة الأميركية تبحث في كيفية وإمكانية "الاعتراف بدولة فلسطينية". وزارة الخارجية تركت الرواية معلقة. المتحدث الرسمي ماثيو ميللر نفى بطريقة ملتبسة من خلال القول إنه "ليس هناك تغيير، لكن الإدارة تطرح حل الدولتين". كذلك أصدرت الوزارة بيانا ضد عنف المستوطنين في الضفة، وفرضت عقوبات على أربعة منهم متوعدة بالمزيد.

تحليلات
التحديثات الحية

ثمة اعتقاد بأن الإدارة الأميركية بدأت تحزم أمرها، وأن ساعة الحقيقة قادمة لوضع إسرائيل عند حدّها. لكن مثل هذا الكلام تردد أكثر من مرة في الآونة الأخيرة وقيل إن بايدن "ضاق ذرعاً" بنتنياهو. وفعلاً هو منزعج لناحية الكلفة الانتخابية التي قد يدفعها ردا على فظائع حرب الإبادة في غزة وسكوت البيت الأبيض عليها. فالكتلة الانتخابية العربية الوازنة وخاصة في ولاية هامة مثل ميشيغان، لا تلوح فقط بعدم التصويت له بل تقوم بحملة مضادة ضده في هذه الولاية وغيرها. وقد أثار ذلك خشية المعنيين مثل وزير الخارجية بلينكن الذي دعا وفدا من هيئات الجالية للاجتماع معه اليوم الخميس، لكن الدعوة رفضت.

وفي الأسبوع الماضي، قاطعت الجالية لقاء انتخابيا مع بايدن في مدينة ديترويت. كما ذكرت بعض وسائل الإعلام أن عددا منهم مثل عبد الله حمود رئيس بلدية مدينة ديربورن في ميشيغان، أعرب عن نقمة عارمة مع التوعد بالمحاسبة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

وسط هذه الأجواء تأتي زيارة بلينكن. وقد يعود قريبا المبعوث عاموس هوكشتاين إلى لبنان لضبط الوضع بحيث يتلاقى مع صفقة الرهائن الموعودة. لكن طبخة المقايضة من خلال التطبيع يستبعد العارفون تسويقها بل منهم من يحذر من "مخاطرها"، كالمحلل آرون ديفيد ميللر، ولو أن هناك من يرى أن بايدن يدرك ذلك لكنه يدفع بهذا الاتجاه لوضع نتنياهو في موقف يؤدي إلى "التخلص منه".