اتخذت فرنسا وألبانيا، خلال الأيام الأخيرة، إجراءات متزامنة ضد منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة، تمثلت في منع عقد مؤتمرها السنوي في باريس بدعوى التخوف من هجوم محتمل، واقتحام الشرطة مقرها قرب العاصمة الألبانية.
وأثارت هذه الخطوات الأوروبية تجاه المنظمة المصنفة في إيران على أنها جماعة إرهابية، تساؤلات عن دلالاتها وتوقيتها وسياقاتها، وما إذا كانت مجرد إجراءات منفصلة غير مرتبطة أم مرتبطة بتفاهمات أميركية وأوروبية وإيرانية وراء كواليس السياسة، أم أن لها علاقة بإفراج إيران أخيرا عن معتقلين فرنسيين، ووجود تفاهمات إيرانية أوروبية وفرنسية، أم أن لها علاقة بتفاهمات إيرانية أميركية بواسطة عمان بشأن الملف النووي وصفقة تبادل السجناء والإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة في الخارج.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، يطرح المحلل الإيراني، أحمد زيد أبادي، احتمالين بشأن تلك الخطوات الأوروبية المتزامنة ضد "مجاهدي خلق"، الأول، أن تلك الإجراءات تأتي في سياق "اتفاق خلف الكواليس" بين إيران والاتحاد الأوروبي.
أما الثاني فهو غياب اتفاق بين الطرفين بهذا الشأن وإنما "الحادثان قد يمثلان خطوة باتجاه إزالة عقبة كبيرة أمام وحدة المعارضة الإيرانية الداعية إلى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية بقيادة رضا بهلوي" وهو نجل الملك الإيراني السابق.
من جهته، ربط مهدي فضائلي عضو مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، إجراءات فرنسا وألبانيا ضد منظمة "مجاهدي خلق" بتطورات أخرى، قائلا إن "السعودية تعيد النظر في علاقاتها مع إيران وأطراف أخرى في طريقها لذلك. أميركا ترسل رسائل، وفرنسا تمنع تنظيم تجمع (مجاهدي خلق) والشرطة الألبانية تقتحم مقرهم، وفي الوقت نفسه نختبر (إيران) صاروخا باليستيا فرط صوتي".
وختم فضائلي تغريدته، متسائلا: " ما الذي يجري؟".
"صفقة مخجلة" مع إيران
وكانت منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية، التي دخلت بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 في صراع مسلح معها ونفذت اغتيالات وعمليات متعددة داخل إيران ضد شخصيات الثورة، تنظم مؤتمرها السنوي في فرنسا منذ عام 2008 مطلع يوليو/تموز في كل عام بمشاركة شخصيات أميركية وأوروبية وأحيانا عربية، لكن هذا العام في تطور مفاجئ، أخبرتها الشرطة الفرنسية في رسالة بحظر تنظيم المؤتمر هذا العام.
وعزت الشرطة الفرنسية أسباب ذلك في رسالتها إلى "خطر هجوم" محتمل و"مخاوف أمنية جادة"، إلا أن "المجلس الوطني للمقاومة" المظلة السياسية لمنظمة "مجاهدي خلق" المعارضة، انتقد القرار الفرنسي، مشيرة إلى أنه "صفقة مخجلة" مع إيران.
كما طرحت الشرطة الفرنسية، أسبابا أخرى لمنع تنظيم مؤتمر المنظمة الإيرانية المعارضة، منها إمكانية وقوع اشتباكات محتملة بين المجموعات الإيرانية المعارضة المنافسة.
وجاء القرار الفرنسي ضد منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية التي تتهمها طهران بالتجسس على برنامجها النووي لصالح إسرائيل والغرب وتنفيذ "أعمال تخريبية" وهجمات إلكترونية، بعد أكثر من شهر من إفراج إيران عن مواطنين فرنسيين معتقلين لديها، في 12 مايو/أيار الماضي، هما بنجامان بريير وبرنارد فيلان.
كما أجرى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي، اتصالا هاتفيا مطولا مع نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، استغرق 90 دقيقة. ويرى مراقبون أن هناك ثمة علاقة بين تلك التطورات والإجراء الفرنسي ضد منظمة "مجاهدي خلق".
اقتحام مقر المنظمة في ألبانيا
إلى ذلك، اقتحمت المئات من قوات الشرطة الألبانية، أمس الثلاثاء، مخيم "أشرف 3" الذي يقيم فيه ألفان من عناصر منظمة "مجاهدي خلق"، نقلوا إليه عام 2014 من العراق.
وأعلنت المنظمة في بيان أن الاقتحام حدث بـ"طلب" من السلطات الإيرانية، مشيرة إلى أن نحو ألف عنصر بالشرطة الألمانية، هاجموا المخيم، واصفة الاقتحام بأنه "إجرام"، مع القول إن قوات الشرطة الألمانية استخدمت الغاز المسيل للدموع وقامت بتكسير الأبواب.
إلا أن الشرطة الألبانية، أعلنت أن الاقتحام جاء تنفيذا لحكم محكمة "مكافحة الفساد والجرائم المنظمة".
كما قالت وزارة الداخلية الألبانية، إن عناصر "مجاهدي خلق" تصدوا لقوات الشرطة "في مخالفة قانونية"، معلقة على إعلان المنظمة، مقتل أحد أعضائها وإصابة عدد آخرين بالقول إن العملية لم تخلف ضحايا.
غير أن الشرطة الألبانية أكدت وقوع 15 إصابات في صفوف الشرطة و21 في صفوف أعضاء منظمة "مجاهدي خلق". وأعلنت الشرطة أنها نفذت الاقتحام لإجراء تحقيقات بشأن ممارسة أعضاء المنظمة "النشاط السياسي".
تعليق إيراني وأميركي
إلى ذلك، علقت الخارجية الإيرانية، على اقتحام الشرطة الألبانية، مقر المنظمة، ودعا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في تغريدة، تيرانا إلى "تدارك خطئها في استضافة هذه الزمرة الإرهابية" حسب وصفه.
وأضاف كنعاني أن السلطات الألبانية أعلنت أنها ضبطت أجهزة إلكترونية ومسيرات، قال إنها "كانت تستخدم في تنفيذ أعمال إرهابية".
من جهتها، أعلنت الخارجية الأميركية، أمس الثلاثاء، أنها كانت على علم باقتحام الشرطة الألبانية مقر المنظمة الإيرانية المعارضة تنفيذا لحكم قضائي.
وأضاف الخارجية في بيان أميركي، أن ألبانيا طمأنت واشنطن بأن جميع إجراءاتها المتخذة ستكون وفق القوانين وأنها ستحترم حقوق وحريات الأفراد، قائلا "إننا ندعم حق الحكومة الألبانية في إجراء تحقيقات حول أي نشاط غير قانوني داخل حدودها".
يشار إلى أن القوات الأميركية سلمت عام 2009 مسؤولية حماية مقرات ومخيمات منظمة "مجاهدي خلق" إلى الحكومة العراقية عند تواجدهم في البلاد، ثم تعرضت هذه المقرات إلى هجمات متعددة، قتل فيها عدد من أفرادها.
وبعد إغلاق الحكومة العراقية، تلك المقرات، اتفقت ألبانيا عام 2014 مع منظمة "مجاهدي خلق" بواسطة أميركية على إيوائهم، لكن بشرط تجنبهم ممارسة النشاط السياسي.
وتقع مخيم المنظمة في ألبانيا في منطقة على بعد ثلاثين كيلومترا من العاصمة تيرانا، غير أن انتقال عناصر "مجاهدي خلق" إلى ألبانيا أشعل توترا في علاقات الأخيرة مع إيران.
واستمر هذا التوتر والاتهامات المتبادلة بين طهران وتيرانا، إلى أن قطعت الحكومة الألبانية، علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في سبتمبر/أيلول 2022، على خلفية اتهام طهران بتنفيذ هجوم إلكتروني ضد منشآتها. إلا أن الخارجية الإيرانية، نفت صحة تلك الاتهامات في بيان.
وسبق أن حذرت السلطات الإيرانية، ألبانيا من قيام أعضاء منظمة "مجاهدي خلق" بتنفيذ هجمات إلكترونية في داخل إيران انطلاقا من مخيم "أشرف 3" بأراضيها.