إثيوبيا تحتفل بسد النهضة: أي أوراق متبقية لمصر؟

08 ابريل 2024
سدّ النهضة الإثيوبي، فبراير 2022 (أمانويل سيليشي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إثيوبيا تحتفل بالذكرى الثالثة عشرة لبداء بناء سد النهضة، وسط تحديات إقليمية مثل الحرب في غزة والأزمة في السودان، مما يضع البلاد في موقف متوتر مع مصر بشأن تقاسم مياه النيل.
- مصر تواجه تحديات مائية كبيرة وتسعى للحصول على دعم دولي لمواجهة هذه التحديات، بما في ذلك أزمة سد النهضة، لكنها لم تستغل الدعم الدولي بعد للتفاوض بشأن السد.
- الجدل حول سد النهضة يتواصل، حيث تعتبره إثيوبيا مشروعاً قومياً لتحقيق الرخاء، بينما ترى مصر أن المفاوضات مع إثيوبيا مضيعة للوقت وتؤكد على حقها في الدفاع عن مصالحها المائية.

وسط تعقيدات المشهد الإقليمي من الحرب في غزة مروراً بالأزمة في السودان، ووصولاً إلى التوترات في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، احتفلت إثيوبيا قبل أيام بمرور 13 عاماً على وضع الحجر الأساس لسدّ النهضة، وذلك فيما تعاني مصر من أزمات عديدة محيطة بها، وهي المهددة بالتعرض لأزمة شحّ مياه شديدة خلال السنوات القليلة المقبلة. وقال مصدر مصري رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد"، إن "محادثات المسؤولين المصريين، مع نظرائهم في الولايات المتحدة والدول الغربية، تدور في جانب كبير منها حول التهديدات التي تواجه مصر من موجات النزوح المحتملة من سكان قطاع غزة، والأخطار الفعلية من تزايد أعداد اللاجئين السودانيين، وخصوصاً في ظل الندرة الشديدة في الموارد التي تعاني منها مصر، ولا سيما في المياه، ولذلك تحاول القاهرة إقناع الدول الغربية بأن تساعد مصر في تلافي تلك الأخطار التي تؤثر في استقرار المنطقة بشكل عام".

وأضاف المصدر أن "الإدارة المصرية نجحت في إقناع الغرب بضرورة تقديم الدعم المالي والاقتصادي إليها اعتماداً على المخاطر المحتملة الآتية من ناحية قطاع غزة، لكنها حتى الآن لم تستغل الموقف الدولي الداعم لها في الوقت الحالي، بسبب دورها في غزة، من أجل طلب المساعدة الفعلية في قضية سدّ النهضة، التي يبدو أنها توارت في الوقت الحالي خلف الأزمات الجديدة المتمثلة بالحرب على غزة والتوترات في البحر الأحمر، التي أثرت بالملاحة في قناة السويس، وبالتبعية إيرادات القناة". وأوضح المصدر أن "هناك أوراق ضغط لا تزال تمتلكها مصر في قضية سدّ النهضة، تتمثل بالثقل الاستراتيجي الذي تتمتع به في الإقليم، والذي يجب أن تستخدمه الإدارة السياسية بالشكل الذي يوفر لها الدعم الدولي في النزاع مع إثيوبيا".

وأعلنت إثيوبيا، الخميس الماضي، بمناسبة الذكرى السنوية الـ13 لوضع الحجر الأساس للمشروع، أن نسبة بناء سدّ النهضة بلغت 95%. وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية في منشور مقتضب عبر منصة إكس: يوافق "هذا العام الذكرى الـ13 لوضع الحجر الأساس لمشروع سدّ النهضة (في الثاني من إبريل 2011)". وأضافت أنه "مع اكتمال 95% (من بناء السدّ)، أصبح مشروعنا الرائد على وشك أن يصبح حقيقة واقعة".

وتعليقاً على إعلان أديس أبابا، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "إزاء مماطلة إثيوبيا وتهربها من الالتزام بتوقيع اتفاق قانوني ملزم يضمن لمصر حقوقها في مياه نهر النيل باعتبارها دولة مصبّ، بالرغم من عقد عشرات الاجتماعات التي اتضح منها أن إثيوبيا مصرة على موقفها ولا تبدي أي رغبة في تغييره، رأت مصر أن المفاوضات أصبحت مضيعة للوقت وأيضاً غطاءً لإثيوبيا لاستكمال بناء السد تحت دعوى أن المفاوضات مستمرة، وبناءً عليه قررت مصر وقف المفاوضات مع توضيح أنها لن تفرط في حقوقها في مياه النيل وفقاً للقانون والالتزامات المعمول بها في الأنهار الدولية". وشدّد على أنّ "من حق مصر المحافظة على حقوقها في مياه نهر النيل، بكل الوسائل، إذا لحقت بها أضرار كبيرة تهدد حياة الشعب المصري، ووقتها فإن لكل مقام مقالاً".

عصام عبد الشافي: تعتبر إثيوبيا سد النهضة مشروعاً قومياً للدولة

في السياق، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب التمييز بين ما تملكه مصر كدولة وكيان وإمكانات وقدرات باعتبارها قوة إقليمية من أهم القوى في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، وبين النظام السياسي الحاكم في مصر الآن وما يملكه من أدوات، وهل يمكنه توظيف قدرات مصر وإمكاناتها لصالح هذه القضية أم لا". وأضاف أن "مصر كقوة إقليمية، لديها الكثير من الأوراق، لأن معظم دول العالم لديها مصالح استراتيجية حقيقية، وتستطيع مصر توظيف هذه المصالح في إطار الدفاع عن مياه النيل، وذلك يمكن أن يكون قائماً إذا كان هناك نظام يمتلك القدرة أو الرغبة في ذلك".

وتساءل: "هل يمكن أن يستغل النظام في مصر حاجة الولايات المتحدة والغرب له في أزمة غزة؟"، مضيفاً: "أعتقد أن ذلك لن يحدث لأن النظام في مصر بالأساس أتيحت له عشرات الفرص قبل أن تعلن إثيوبيا انتهاءها من بناء نحو 95 في المائة من المشروع، خلال السنوات العشر الماضية". وبشأن مدى استغلال إثيوبيا تعقيدات الموقف الإقليمي والأزمات المحيطة بمصر، قال عبد الشافي إن "إثيوبيا لا تعتمد على ذلك فقط، لكنها تمضي وتتعامل مع هذا المشروع باعتباره مشروعاً قومياً للدولة، تم التفكير فيه منذ عقود، وتوافرت فرص كبيرة من خلال ما حدث في التحولات السياسية التي شهدتها الدول العربية بداية من عام 2010 وحتى الآن".


عباس شراقي: تمت المبالغة في حجم سد النهضة، من دون دراسات جدوى اقتصادية، وذلك لأسباب سياسية

من جهته، اعتبر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "تمت المبالغة في حجم سدّ النهضة، من دون دراسات جدوى اقتصادية لأسباب سياسية، وكي يقول الإثيوبيون إنه أكبر سدّ كهربائي في أفريقيا"، مضيفاً أن "الشعب الإثيوبي سيدرك قريباً أكذوبة سدّ النهضة في تحقيق الرخاء وتوفير الكهرباء". وأوضح شراقي أن "إنتاج سدّ النهضة الكهربائي الإجمالي سيبلغ 5150 ميغاوات، ونظراً لعدم التشغيل 24 ساعة، فإن كفاءة السدّ أقل من 30 في المائة طبقاً للدراسات العلمية، وبالتالي إنتاج سدّ النهضة سيكون نحو 1500 ميغاوات فقط، وهذا يكفي لنحو 10 ملايين نسمة، 12 ساعة يومياً، وفي حالة عدم تصديرها، سيظل أكثر من 50 مليون إثيوبي من دون كهرباء، فكيف يدّعي المسؤولون في إثيوبيا أن كهرباء سدّ النهضة ستنتشل الشعب من الظلام، والباقي منها سيضيء الدول المجاورة".

وينصّ المبدأ الثالث من "اتفاق إعلان المبادئ" الموقّع بين مصر وإثيوبيا والسودان حول مشروع سدّ النهضة الإثيوبي، في 23 مارس/آذار 2015، والمُسمّى "مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن"، على أنه "تتخذ الدول الثلاث الإجراءات المناسبة كافة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق/ النهر الرئيسي" و"على الرغم من ذلك، ففي حالة حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، اتخاذ الإجراءات المناسبة كافة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً".

المساهمون