يسيطر على عمليات التحليل والتكهن لاستشراف ما تحمله الأيام المقبلة لمستقبل ليبيا، الحديث عن "آليات بديلة" لإنتاج أساس دستوري للانتخابات، لوّح باستخدامها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، في إحاطته السابقة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وردّدتها سفارات الدول الخمس المعنية بليبيا، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في بيان مشترك عقب الإحاطة. وأخيراً، تردد الاقتراح في تغريدة كتبها رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، الاثنين الماضي.
التلويح باستخدام "الآليات البديلة" من قبل باتيلي جاء في سياق تحذيره لمجلسي النواب والأعلى للدولة من الاستمرار في الإخفاق في الاتفاق على قاعدة دستورية للانتخابات. لكن ما تلك الآليات؟ وهل يمكن أن تنتج شيئاً يُنجِح الانتخابات ويحقق مقصود الليبيين ومأمولهم؟ ولماذا هذا التكتم والغموض من جانب البعثة الأممية حول تلك الآليات وأيضاً من قبل العواصم الكبرى التي تدعم عمل البعثة في الملف الليبي؟
اندفعت التحليلات في طرق باب العديد من السيناريوهات والتصورات حول "الآليات البديلة"، ومنها إنشاء لجنة حوار سياسي جديدة على غرار لجنة الحوار السياسي السابقة التي تكونت من أعضاء ممثلين عن مجلسي النواب والدولة، بالإضافة إلى أعضاء آخرين مستقلين، لكسر احتكار المجلسين للقرارات في العملية السياسية. ومن التصورات أيضاً، إمكانية دفع الأمم المتحدة إلى خيار اعتماد النظام البرلماني في ليبيا، بعدما استمر الجمود بسبب عدم التوافق على الانتخابات الرئاسية، وعندها يمكن إجراء انتخابات برلمانية، على أن ينتخب المجلس التشريعي الجديد رئيس البلاد.
قريباً سينجلي الغموض، وسيتضح كل ذلك في إحاطة باتيلي الذي سيقدمها إلى أعضاء مجلس الأمن في 27 من شهر فبراير/ شباط الحالي. وقبل ذلك سيشارك المبعوث الأممي في المؤتمر المعني بليبيا في واشنطن إلى جانب كل الدول المعنية بالشأن الليبي، باستثناء ليبيا نفسها التي لن تشارك بحجة عدم وجود شخصية مجمع عليها يمكن أن تمثلها.
لكن الانغماس في التحليل والتهكن في شكل تلك الآليات البديلة والحل الذي يمكن أن تنتجه، غيّب عن المتابع والمراقب في خضمه، قضية هامة تتعلق بتزايد "تدويل" الملف الليبي في كل مرحلة من مراحل الأزمة، وكيف وافق الشعب على أن يحتكر قادة الأطراف المتصارعة القرار السياسي، لا في النجاح، بل في الفشل الذي سيفضي حتماً إلى المزيد من التدخلات الخارجية.
وربما ستنتهي كلّ تلك التدخلات إلى فرض وصاية دولية تبدو مقدماتها واضحة ربما من خلال الاجتماعات التي تجريها الدول المعنية بليبيا حول الملف الاقتصادي، والمعرّفة بـ"مجموعة العمل الاقتصادي" برعاية أممية، ودون أي مشاركة ليبية، للعمل على الوصول إلى آلية لحجب أموال النفط الليبي عن التصرف فيها من قبل أي شخصية تصل إلى كرسي السلطة، بدعوى أن إيرادات النفط هي السبب الرئيسي في تمويل حالة الصراع في ليبيا.
وقد يبرز السؤال الأهم هنا، عن جدوى انتخاب قادة جدد للبلاد، وما جاء بهم وأوجدهم في السلطة "آلياتٌ بديلة" لخدمة مصالح الخارج، وقرار المال مرهون بموافقة الخارج.