أين اختفى معارضو التوافق؟

26 ابريل 2021
يتبادل الرؤساء الرسائل عن بُعد دون أن يلتقوا (الأناضول)
+ الخط -

يستمر الحال على ما هو عليه في تونس، ثلاثة رؤساء لا يلتقون ولا يجتمعون، رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي، يتبادلون الرسائل عن بُعد، وبعد التلميحات وصلنا إلى مرحلة التهديدات المتبادلة، وكلما تقدّم أحدهم بخطوة أو حرّك بيدقاً على رقعة الشطرنج، رد عليه الآخر بخطوة مماثلة، في انتظار اللحظة الحاسمة "كش ملك".

الغريب أن ذلك يحصل في تونس، التي أحرزت جائزة نوبل للسلام نتيجة قدرتها على الحوار وفضّ الخلافات سلمياً، وشكّلت مثالاً وقدوة يمكن الاستئناس بتجربتها، والغريب أن الرؤساء الثلاثة يتبارزون في تهنئة الليبيين على توصلهم إلى اعتماد الحوار وسيلة لفضّ النزاعات، وتزخر بيانات الخارجية التونسية بدعوات الحوار في أي منطقة ساخنة من العالم. بات هؤلاء يلقون دروساً على الآخرين فيما بيتهم خربان من الداخل، وهناك مثل شعبي تونسي يصح في هذا الوضع "أرِ الضوء لعينيك" أي قبل أن تتشدق على الآخرين بشعارات واهية.

يتساءل التونسيون اليوم وهم يرصدون هذا العناد الصبياني بين الرؤساء الثلاثة: كم يلزم من ضحايا حتى يجتمعوا؟ فالوضع الصحي في تونس خطير للغاية، وتجاوزت البلاد عشرة آلاف وفاة بكورونا، فيما وزير الصحة فوزي المهدي يقول إن تونس ستخسر ألفين بعدهم خلال هذه الفترة. الحرب على كورونا تحتاج حكومة حرب واقتصاد حرب ولحمة وطنية وتأجيلاً لكل المعارك والخلافات، ولكن يبدو ألا أحد يعبأ بمعاناة الناس وآلامهم. الخطير اليوم أن المعركة تحوّلت إلى وزارة الداخلية والقوات الحاملة للسلاح، وهذا سيفرّقها ويقسمها في وقت تخوض فيه حرباً لا تتوقف ضد الإرهاب وتحتاج فيه لكل قوتها مجتمعة ولظهير يسندها معنوياً وسياسياً وليس لخلافات تنذر بتشتيتها وإقحامها في قضايا لا تعنيها بل ويمكن أن تُحدث في المؤسسة الأمنية شرخاً يصعب إصلاحه في المستقبل.

أمام تداعيات تعطّل الحوار وتهديده الخطير لمستقبل التجربة الديمقراطية، لا بد من سؤال أولئك الذين انتفضوا لمعارضة التوافق بين الغنوشي والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي منذ سنوات، أولئك الذين صدوا آذان التونسيين بخطابات لهدم تلك العلاقة التي حافظت على قدر مهم من الهدوء السياسي في البلاد، أين اختفوا اليوم، وهل اقتنعوا أخيراً بأن الدستور الذي وضعوه لا يسمح بحياة سياسية بحدها الأدنى إلا بالتوافق بين الرئاسات الثلاث شرطاً أساسياً لا غنى عنه؟ أولئك الذين يتمنون اليوم أن تنسج ولو علاقة شكلية بين هذه المؤسسات تقي التونسيين ويلات الخلاف المستعر الذي يهدد بحرق الأخضر واليابس؟

المساهمون