أوكرانيا مصنع سلاح عالمي لمواصلة الحرب

09 أكتوبر 2023
مجمع لصناعة الأسلحة دمرته روسيا قرب كييف، إبريل 2022 (Getty)
+ الخط -

شهدت كييف الأسبوع ما قبل الماضي حدثاً مهماً على صعيد تطورات الحرب الروسية، حيث استضافت مؤتمراً دولياً، ضم نحو 250 شركة عالمية لتصنيع الأسلحة، بحضور مسؤولين بارزين من أوروبا، منهم وزيرا الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، والبريطاني غرانت شابس.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن، في ختام المؤتمر عن إنشاء، ما أطلق عليه، "تحالف الصناعات الدفاعية" لتصنيع الأسلحة. وأعرب عن أمله بأن يجعل من أوكرانيا أحد أكبر منتجي الأسلحة في العالم، مشيراً إلى أن بلاده مستعدة لتوفير شروط خاصة للشركات الراغبة بالعمل مع كييف.

ويستند "التحالف" إلى إعلان جرى توقيعه من جانب 13 شركة أسلحة رائدة، من ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والسويد وجمهورية التشيك، والعديد من الدول الآسيوية وأستراليا. والهدف المباشر هو إنتاج الصواريخ والمسيّرات وقذائف المدفعية وأنظمة الدفاع الجوي وإزالة الألغام، بتمويل من الدول التي تساند أوكرانيا في مواجهة الحرب الروسية، وخاصة الولايات المتحدة، التي قدمت مساعدات كبيرة، تجاوزت 76 مليار دولار حتى الآن.

تحويل أوكرانيا لمركز عسكري كبير

النقطة الأكثر أهمية في حديث زيلينسكي هي تحويل قطاع الدفاع في بلاده إلى "مركز عسكري كبير"، بالشراكة مع مصنعي الأسلحة الغربيين، ينقل أوكرانيا من مستهلك للأسلحة إلى مصدر لها، على غرار ما كانت عليه قبل الحرب، حيث كانت مصدراً أساسياً للسلاح إلى بعض بلدان أفريقيا.


تسود مخاوف فعلية من قيام روسيا بتوجيه ضربات عسكرية إلى مصانع الأسلحة

وجاء انعقاد المنتدى في وقت تشهد الحرب الروسية على أوكرانيا مجموعة من التطورات المهمة، أولها مطالبة كييف بمزيد من الأسلحة الغربية النوعية، لدعم هجوم مضاد بدأته مطلع يونيو/حزيران الماضي، لاستعادة مناطق تسيطر عليها القوات الروسية في الشرق والجنوب، وما زالت نتائجه دون ما كانت تأمل كييف ودول غربية بتحقيقه.

التطور الثاني هو بروز صعوبات كبيرة في تسليح أوكرانيا، منها سرعة نفاد المخزونات لدى الدول المزودة لها بالسلاح، وقد قامت عدة دول غربية بمدها بالذخيرة من مخزونها الاستراتيجي الخاص بالطوارئ، ولم تعد قادرة على ذلك، وهو ما يهدد بوقوعها في حالة عجز، في ظل استعدادات روسية ملحوظة لتعزيز قواتها المحاربة هناك.

تغلب روسيا على نقص الذخيرة

وظهر واضحاً أن روسيا تغلبت على صعوبات نقص الذخيرة بالاعتماد على ثلاث دول، تتمتع بإنتاج عسكري كبير ومتطور ونوعي، هي إيران التي تزودها بالمسيّرات، والصين التي تمدها بقذائف المدفعية ومنتجات تكنولوجية متطورة تُستخدم لأهداف عسكرية، بحسب مسؤولين أميركيين فيما نفت بكين هذا الأمر، وكوريا الشمالية التي دخلت على الخط في الفترة الأخيرة، وهي تمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ البالستية المتطورة.

التطور الثالث هو النقاش بصوت عالٍ في الولايات المتحدة، حول النفقات الكبيرة التي تتكفل بها الإدارة الأميركية، من أجل تعزيز قدرات كييف على المواجهة، وتحسين شروطها في الميدان من أجل تحرير الأراضي التي استولت عليها روسيا منذ بداية الحرب في 24 فبراير/شباط 2022.

وهناك مخاوف لدى الطرف الأوكراني من تزايد الضغوط على الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل ضغط النفقات، وتخفيف المساعدات. ولكن هذه المخاوف تتحول إلى قلق حقيقي حين يلوح في الأفق إمكان عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات العام المقبل، فهو من أنصار وقف الحرب، وإيجاد تسوية مع روسيا، لا تريح زيلينسكي وفريقه.

رفض الغرب نقل تكنولوجيا متطورة لأوكرانيا

مؤتمر التسليح مجرد بداية مشروع كبير، ولكن هناك صناعات عسكرية كثيرة، وأنواع مختلفة من الأسلحة ترفض الولايات المتحدة وأوروبا نقل التكنولوجيا الخاصة بها إلى طرف ثالث، سواء تعلق الأمر بأوكرانيا أو غيرها، خوفاً من وصولها إلى روسيا، ومن ثم إلى إيران والصين وكوريا الشمالية. ويبدو أن هذا ما حصل، من خلال استيلاء روسيا على بعض المسيّرات، والأسلحة المضادة للدروع.


الهدف من إنشاء مصانع للأسلحة في أوكرانيا هو بناء سور دفاعي كبير بين روسيا وأوروبا

وعلى هذا الأساس لن يحل التصنيع العسكري داخل أوكرانيا، محل عملية ارتهان كييف للإمداد الأميركي والأوروبي بأنواع محددة من الأسلحة ذات تقنية عالية، وهذا يبقيها من ناحية أخرى تعتمد في تسليحها الأساسي على أميركا وأوروبا، ولا يمكن لها أن تستقل في هذا المجال، أو تصبح مالكة للتكنولوجيا العسكرية، مثلها مثل عدة دول مصنعة لأنواع محددة من الأسلحة، ومنها تركيا.

هناك من شكك في نجاح مشروع توطين التسليح داخل أوكرانيا، في ظل ارتفاع الأصوات في الولايات المتحدة ضد استمرار تمويل كييف، كما أن شركات التسليح الأميركية والأوروبية لن توافق على بناء مصانع أسلحة متطورة في أوكرانيا، ما لم تحصل على ضمانات بشأن أمرين.

الأمر الأول هو استمرار التمويل. ورأى خبراء غربيون أن هذه النقطة شبه محسومة، طالما بقيت الإدارة الأميركية الحالية في البيت الأبيض حتى نهاية العام المقبل، ولكن ليس بمستوى الكرم المعهود خلال الفترة السابقة. ويبرز في هذا الصدد قرار رفع بند تمويل أوكرانيا بـ 6 مليارات دولار من اتفاق الموازنة المؤقتة، الذي تم إقراره نهاية الشهر الماضي لمدة 45 يوما.

واستشهد معارضو تمويل أوكرانيا بتجربة الولايات المتحدة في أفغانستان، التي انتهت بانسحاب قواتها، وسيطرة حركة "طالبان" مجدداً على الحكم. وطالب هؤلاء بضرورة إيجاد حلول غير استمرار التمويل، تقود إلى وقف الحرب، سواء بفرض عقوبات أقسى تحرم روسيا من مواردها الاقتصادية، التي تستخدمها لتمويل استمرار الحرب، أو إيجاد تسوية وسط تقوم على التضحية بالرئيس الأوكراني وفريقه، مقابل تقديم موسكو تنازلات ميدانية.

وهناك بعض الخبراء الأوروبيين الذين رأوا أن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة سوف تلعب دوراً أساسياً في تحديد الوجهة العامة للحرب، في ظل تزايد أعداد الذين يرون أن استمرارها لن يساعد الأوكرانيين على استعادة أراضيهم المحتلة، ولن يؤدي سوى إلى المزيد من إراقة الدماء.

مخاوف من استهداف روسيا لمصانع الأسلحة

والأمر الثاني هو توفير ضمانات أمنية، حيث تسود مخاوف فعلية من قيام روسيا بتوجيه ضربات عسكرية إلى المصانع، وهذا أمر غير مستبعد على ضوء الغارات الواسعة التي تقوم بها القوات الروسية على كافة مساحة الجغرافية الأوكرانية، وهي لا تفرق بين هدف وآخر، سواء كان عسكرياً أو مدنياً.

وتبدو هذه النقطة محل اهتمام واسع، وجرى بحثها بين زيلينسكي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، الذي حضر الاجتماع. وهذا يعني أن الحلف يوفر تغطية أمنية، ويتبنى المشروع، وهناك تأكيدات أنه سوف يستثمر فيه على المديين القريب والمتوسط.

ورأت أوساط "الناتو" أن التوقيت مهم جداً، لأن أغلبية دول الحلف الداعمة لأوكرانيا استنفدت مخزونها من الذخيرة بشكل كبير، كما أن هذه الفرصة على درجة كبيرة من الأهمية لتأسيس بنية تحتية للصناعات العسكرية للحلف بجوار دولة تشكل تهديداً لدوله، ومن شأن هذا الاستثمار أن يغطي احتياجات الحاضر، ويلبي مواجهة تحديات المستقبل.

وتجب في هذا الصدد ملاحظة نقطتين مهمتين، الأولى هي التوجه نحو إرسال خبراء من الولايات المتحدة وأوروبا، لتقديم المشورة للقوات الأوكرانية في العديد من الجبهات. والثانية هي التفكير بإرسال مدربين غربيين لتدريب القوات الأوكرانية داخل معسكرات على أرضها، بعد أن كانت هذه المسألة تتم في الدول الأخرى.

أولى الدول التي من المقرر أن ترسل مستشارين إلى الميدان هي الولايات المتحدة، وقد جرى تناول ذلك في الصحافة الشهر الماضي، بهدف تحقيق جدوى من استخدام التكنولوجيا الأميركية المعقدة، خصوصاً بعد وصول أعداد من دبابة "أبرامز" إلى القوات الأوكرانية. وفي الجانب الثاني، قررت بريطانيا إرسال مدربين، بالإضافة إلى تدريب قوات أوكرانية على أراضيها.

وقال وزير الدفاع البريطاني، أخيراً، إن هناك مجالاً لتقديم تدريب عسكري داخل أوكرانيا "خصوصاً في غرب البلاد، أعتقد أن الفرصة الآن هي جلب المزيد من المعدات إلى البلاد".

ورغم نفي رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لتصريحات وزير الدفاع، فإن بريطانيا تعد بذلك أول دولة غربية، في الوقت الحالي، تبادر إلى ذلك، بعد أن كانت العملية تقتصر على تدريب داخل بعض الدول، مثل بريطانيا، وبولندا، وألمانيا وفرنسا. وهذا يعني من الناحية الفعلية رفع مستوى الانخراط الغربي في الحرب.

وفي الحالتين لن تقف روسيا متفرجة. وقد اعتبر نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف أن مثل هذه الخطوات من قِبل الغرب تعجل باندلاع حرب عالمية ثالثة.

وحذر من أن الجنود البريطانيين الذين يقومون بتدريب القوات الأوكرانية سيكونون أهدافاً مشروعة للقوات الروسية، وكذلك المصانع الألمانية التي تنتج صواريخ "توروس" إذا قدمت إمدادات لكييف، وذلك بعد تزايد مطالبة برلين بتزويد أوكرانيا بصواريخ من هذا الطراز.

إنّ إنشاء مصانع للأسلحة في أوكرانيا ليس عملاً تجارياً، أو من أجل تعويض نقص الذخائر فقط، بل هو مشروع أكبر ذو بعد استراتيجي، هدفه بناء سور دفاعي كبير بين روسيا وأوروبا، وخاصة دول البلطيق، وتطويق روسيا بقوة.

المساهمون