لم يتضمن اتفاق ائتلاف "إشارات المرور" الحكومي أي إشارات واضحة فيما خص مشروع أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" المثير الجدل، والذي انتهت الأعمال منه خلال سبتمبر/أيلول الماضي، عدا ما تضمنته الصفحة 9 من الاتفاق بفقرة غامضة إلى حد ما، ونصّها أنه "ينطبق قانون الطاقة الأوروبي أيضاً على مشاريع سياسة الطاقة في ألمانيا"، ما يوحي باختلاف المواقف حول كيفية مقاربة التعاطي مع المشروع الهام لألمانيا اقتصادياً وحياتياً، مع استمرار ارتفاع الأسعار خلال شتاء هذا العام.
وفي السياق، ذكرت "زود دويتشه تسايتونغ" أن هذه الصيغة كانت مهمة بشكل خاص لحزب الخضر، الذي يعارض المشروع، بعد أن شجب مراراً وتكراراً التعاون مع شركة "غاز بروم"، ورفض إنجاز خط الغاز الروسي إلى ألمانيا.
وحجة الحزب البيئي أن الخط يتعارض مع سياسة المناخ في ظل السعي للتخلص من الوقود الأحفوري، عدا ذلك، فإن المشروع يجعل ألمانيا تعتمد بشكل كبير على روسيا، كما أنه سيتجاوز أوكرانيا كدولة عبور للغاز إلى أوروبا.
أما "الليبرالي الحر"، فتشكيكه يعود لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية بشكل عام والمردود المالي من المشروع، ما قد يساعد موسكو على زيادة التسلح، في حين أن الاشتراكي الديمقراطي، الذي سيقود ائتلاف إشارات المرور، أكثر انفتاحاً ويحمي المشروع، مع ضمان العمل به رغم الاعتراضات التي تصدر من بعض دول أوروبا الشرقية والولايات المتحدة.
ومع عدم ذكر خط أنابيب "نورد ستريم 2" بشكل مباشر في اتفاق الائتلاف، فقد يتحول الصراع بشأنه إلى خلاف ملموس.
وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم السياسة الخارجية لـ"الليبرالي الحر"، بيجان دجار سراي، في مقابلة مع "هاندلسبلات"، إن "الحكومة الجديدة ستتبع بالتأكيد سياسة مختلفة عن سابقتها، ومن وجهة نظرنا نورد ستريم 2 قضية أوروبية، والسؤال الرئيسي يبقى ما إذا كان خط الأنابيب سيمتثل لقانون الطاقة الأوروبي".
بدوره، اعتبر الزعيم المشارك عن حزب الخضر روبرت هابيك أخيراً، والمرجح تعيينه وزيراً للاقتصاد، أن "نورد ستريم 2" لم يكن مجرد مشروع اقتصادي بحت، "لكن مشروعاً استراتيجياً يضغط على أوكرانيا ويزيد من التبعيات السياسية الألمانية".
أما زميلته كلوديا مولر فتوقعت، في مقابلة مع "هاندلسبلات"، أن تعمد وزارة الاقتصاد التي سيتولاها حزبها إلى مراقبة المشروع عن كثب وبصورة حاسمة.
وحيال ذلك، أبرزت الصحيفة أنه "من خلال اتفاق التحالف الحكومي المستقبلي، يمكن الفهم أنه يكمن تغيير أساسي في المسار، أي أن التحالف الجديد غير متمسك بموقف الحكومة الحالية والمستشارة أنغيلا ميركل عرابةِ المشروع. ومن الناحية السياسية، تعد هذه نقطة انطلاق مساعدة لبروكسل وهنا، تشير التحليلات إلى أنه إذا ما منحت الوكالة الفيدرالية الألمانية لتنظيم قطاع الطاقة الموافقة المعلقة حالياً، بموجب قانون الطاقة الألماني، يتعين عليها تقديم الصيغة في بروكسل، ومن غير المحتمل أن تمنع مفوضية الاتحاد الأوروبي بدء تشغيل خط الأنابيب، لكنها قد تفرض شروطاً من شأنها أن تجعل المشروع أقل ربحية لشركة "غاز بروم"، علماً أن المصادقات المطلوبة تهدف لتأكيد استيفاء الشركة لشروط توجيهات سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي، وفيه أنه يجب فصل تشغيل الأنابيب وتوزيع الغاز.
علاوة على ذلك، يؤشر الغموض في ورقة ائتلاف إشارات المرور أن الأخير لن يتدخل في آلية تعليق التراخيص التي اتخذتها أخيراً الوكالة الفيدرالية الألمانية لتنظيم قطاع الطاقة بموجب القانون الألماني، وذلك حتى يصار إلى إنشاء شركة تابعة لشركة "نورد ستريم إيه جي" المتفرعة من "غازبروم" الروسية، كي تحصل على رخصة تشغيل خط الغاز الطبيعي عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا وأوروبا، ويعود السبب إلى أن الجزء الذي يمر عبر المياه الإقليمية الألمانية يخضع للقانون الألماني والأوروبي، وتطالب الوكالة بأن تتم إدارة هذا القسم بشكل مستقل من قبل شركة مسجلة في ألمانيا، وليس في سويسرا، حيث مقر المشغل، وكأنه تغيير بسيط في هيكل الشركة.
وعما إذا كانت الشركة الروسية المشغلة ستنتظر كل هذا الوقت، مع غياب الوضوح والفترة التي سيتم فيها تعليق عملية المصادقات، سيما وأنه كان من المتوقع إنجازها أوائل يناير/كانون الثاني من العام 2022، أبرزت صحيفة "هاندلسبلات" عن مطلعين أن تشغيل الخط بدون شهادة سيعرّض الشركة لغرامة مالية، ولمرة واحدة تصل إلى مليون يورو تقرها الوكالة الألمانية، مشيرة إلى أن المبلغ يبدو معقولاً لمشروع بلغت كلفة إنجازه حوالي 10 مليارات يورو. وبالنظر إلى مستوى أسعار الغاز المرتفع، قد يكون من المغري للشركة الروسية تشغيل خط الأنابيب بسرعة، خاصة وأنه سيوفر عليها رسوم عبور مرور الغاز عبر أوكرانيا.