أفق الأزمة المغربية الجزائرية: هل تنزلق إلى مواجهة عسكرية؟

26 سبتمبر 2021
ارتفع التوتر بعد تأمين المغرب معبر الكركرات (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

منطقة لا تهدأ مفتوحة على جميع السيناريوهات. أصبح هذا عنوان المغرب العربي، في ظل تصعيد لم يتوقف منذ نحو شهر، بعد قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وسيطرة مخاوف من اقتراب البلدين أكثر من حافة الهاوية. وفي وقت تتجه فيه الأنظار إلى الموقف المغربي من قرار الجزائر إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية المدنية والعسكرية، يبدو أن الأزمة بين البلدين تتجه نحو مزيد من التعقيد في ظل واقع إقليمي مضطرب، وهو ما بدا في تصريح مسؤول ملف دول المغرب العربي في الخارجية الجزائرية عمار بلاني، لـ"رويترز" الجمعة الماضي، أنه "من غير الممكن استبعاد اللجوء لإجراءات إضافية"، من دون أن يحددها.
وأياً تكن دوافع القرارات الجزائرية التي توالت على امتداد الأسابيع الماضية، فإن المؤكد أنها خلقت حالة من القلق في عموم المنطقة، وطرحت علامات استفهام حول أفق التوتر بين الجارين، وإلى أين يمكن أن يصل.

يشكل ملف الصحراء أبرز القضايا الخلافية بين الجزائر والمغرب

ولم يكن التوتر الشديد بين الرباط والجزائر، وليد اللحظة، بل صراع مستمر منذ صدامهما العسكري الأول في حرب الرمال في عام 1963 بسبب الخلاف الحدودي حول منطقتي تندوف وبشار، اللتين طالب بهما المغرب، وهو الصدام الذي استمر لأيام محدودة، وانتهى بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية. وازداد وضع العلاقات بين البلدين تعقيداً بعد تنظيم المغرب المسيرة الخضراء عام 1975، التي شارك فيها نحو 350 ألف شخص، وأنهت وجود الاستعمار الإسباني في المنطقة، وكذلك بعد إعلان الجزائر اعترافها ودعمها جبهة "البوليساريو" الانفصالية في 1976، وهو ما ردت عليه الرباط بقطع العلاقات. كما دخلت العلاقات بين البلدين الجارين مرحلة توتر أخرى منذ يناير/ كانون الثاني عام 1995، بعد اتهام الرباط للجزائر بالتورط في تفجير إرهابي لفندق "أطلس آسني" بمراكش في ديسمبر/ كانون الأول 1994، فيما ردت الجزائر حينها بإغلاق الحدود البرية التي لا تزال مغلقة حتى اليوم.
ولا تكاد العلاقات الجزائرية المغربية تتلمّس طريقاً لحلّ الخلافات بين البلدين، حتى تعيد التصريحات السياسية الأزمة إلى نقطة بداية الخلاف الحاد. ويشكل ملف الصحراء أبرز القضايا الخلافية بين الجزائر والمغرب، إذ تتهم الرباط الجزائر بتقديم الدعم لجبهة "البوليساريو"، فيما تعتبر الجزائر القضية مسألة أممية.

وخلال الأشهر الماضية ارتفع التوتر السياسي والإعلامي بين الجزائر والمغرب إلى درجة تكاد تكون غير مسبوقة، بعد أن أدخلت التصريحات السياسية العلاقات بين البلدين مرحلة الأزمة، على خلفية موقف الجزائر من فتح دول أفريقية قنصليات لها في العيون والداخلة، أكبر مدن الصحراء، ومن تأمين الجيش المغربي معبر الكركرات الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا. كما أدخلت إشارة السفير المغربي في الأمم المتحدة عمر هلال، خلال اجتماع دول مجموعة عدم الانحياز، يومي 13 و14 يوليو/تموز الماضي، إلى "استقلال شعب القبائل" في الجزائر، في رد على إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة دعم حق تقرير مصير سكان الصحراء، البلدين في أزمة جديدة بعد قرار الجزائر استدعاء سفيرها في الرباط.
ولم تؤدّ دعوة العاهل المغربي محمد السادس، في خطاب العرش في 30 يوليو الماضي، إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لـ"العمل معاً، في أقرب وقت يراه مناسباً، على تطوير العلاقات الأخوية"، ولا رسائل الطمأنة للقادة الجزائريين بأن "الشر والمشاكل لن تأتيهم أبداً من المغرب"، إلى "فتح صفحة جديدة" في العلاقات بين المغرب والجزائر وطي صفحة الخلافات، وإلى تحسّن العلاقات بين الدولتين الجارتين.

اعتبر يوسف غرابي أن خيار الحرب لا تتحكم فيه إرادة السلطات الجزائرية بمفردها

وبلغ التوتر أوجه بعد أن أعلنت الجزائر قطع العلاقات مع المغرب، جراء ما وصفتها بـ"الأعمال العدائية" للمملكة المغربية وبـ"الاستفزاز الذي بلغ ذروته"، في حين اتهم مجلس الأمن القومي في الجزائر، برئاسة تبون، المغرب بدعم حركة انفصالية تدعو لاستقلال منطقة القبائل. كما حمّل لعمامرة "قادة المملكة مسؤولية تعاقب الأزمات التي تزايدت خطورتها"، معتبراً أن "هذا التصرف المغربي يجر إلى الخلاف والمواجهة بدل التكامل في المنطقة" المغاربية. كما ذكر بيان للخارجية الجزائرية أن "المملكة المغربية جعلت من ترابها قاعدة للتعاون مع المنظمتين الإرهابيتين "حركة انفصال القبائل" (الماك) و"رشاد" اللتين ثبت ضلوعهما في الحرائق التي شهدتها العديد من المناطق أخيراً". وأشار البيان إلى تورط التنظيمين في قتل شاب بمنطقة القبائل، والتنكيل بجثته.

في المقابل، جاء الرد المغربي على القرار الجزائري عبر بيان لوزارة الخارجية، قالت فيه إن "المملكة المغربية أُحيطت علماً بالقرار الأحادي الذي اتخذته السلطات الجزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية"، مبدية أسفها على "هذا القرار غير المبرر تماماً". وأعلنت أن المغرب "يرفض رفضاً قاطعاً المبررات الزائفة، بل العبثية التي بني عليها القرار". وفيما اعتبرت الخارجية المغربية أن قرار الجزائر "متوقع في ضوء منطق التصعيد الذي لوحظ في الأسابيع الأخيرة - وكذلك تأثيره على الشعب الجزائري"، تركت الرباط الباب موارباً أمام إمكانية تجنب القطيعة من خلال تشديدها على أن المملكة "ستظلّ من جهتها شريكاً صادقاً ومخلصاً للشعب الجزائري، وستواصل العمل بحكمة ومسؤولية من أجل تنمية علاقات مغاربية صحية ومثمرة".

وفي ظل تزايد الهوة بين المغرب والجزائر، واتساع دائرة الخلاف بينهما، تبدو العلاقات بين الجارين مقبلة على امتحان صعب، بعد أن دخلا خلال الأيام الماضية نفقاً مظلماً، يجعل المنطقة ككل مفتوحة على احتمالين لا ثالث لهما، إما استمرار التصعيد السياسي أو تحوله إلى مواجهة عسكرية.
في السياق، توقع القيادي في حزب "العدالة والتنمية" الرئيس السابق للجنة الخارجية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) يوسف غرابي، أن يبقى التوتر في حدود التصعيد السياسي، وألا يتطور الأمر إلى مواجهة عسكرية. وأكد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الذهاب نحو خيار الحرب والصدام العسكري له كلفة ثقيلة سيعيد المنطقة إلى العصور الحجرية. وتابع: "نتمنى أن يحضر العقل والمنطق، وألا يدفع الأشقاء في الجزائر نحو المواجهة العسكرية من أجل التنفيس عن أزمة داخلية، من خلال اتباع استراتيجية الهروب إلى الأمام ورمي الكرة في ملعب المغرب، الذي أصبح العداء له عقيدة عند النظام الجزائري".

وأوضح غرابي أن خيار الحرب في منطقة ملتهبة لا تتحكم فيه إرادة السلطات الجزائرية بمفردها، وإنما هو محكوم بخطوط حمراء تفرضها القوى الدولية الكبرى، ولا يمكن لتلك السلطات تجاوزها. ولفت إلى أن تلك القوى لا يمكن أن تسمح بتوتر يذهب إلى حد الاصطدام العسكري بين الرباط والجزائر، بالنظر إلى انعكاساته السلبية على الأوضاع في المنطقة التي تعرف تنامي المخاطر الأمنية والتهديدات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وكذلك على الأوضاع في أوروبا وأمنها.

بوبكر أونغير: التوتر بين المغرب والجزائر يسير نحو الأفق المسدود والمظلم

من جهته، رأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الفتاح البلعمشي، أن قرار الجزائر إغلاق الأجواء في وجه الطائرات المغربية المدنية والعسكرية، غير مفهوم وغير مبرر، على اعتبار أن أقصى ما يمكن تصل إليه الأطراف والدول في أي صراع هو قطع العلاقات الدبلوماسية، وهو ما قامت به الجزائر الشهر الماضي، معتبراً أن "سوء الفهم والتوتر الحاصل بين الجزائر والمغرب حالياً يشير إلى أننا أمام تصعيد من طرف واحد، وإمعان في استدراج المغرب نحو تصعيد مماثل".
واعتبر البلعمشي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التصعيد الذي تعرفه العلاقات بين البلدين لن يؤدي إلى مواجهة مباشرة بينهما، وذلك بالنظر إلى غياب أي استعداد للحرب من كلا البلدين. وقال: "أستبعد أن تكون هناك حرب في المنطقة لأسباب ليست ذاتية وإنما استراتيجية. ويبدو أنه من الصعب أن تكون هناك أي مواجهة، باستثناء إن اندفعت الجزائر إلى أي تهور أو دفع جيشها البوليساريو للقيام بأي تصرف". وتوقع أن تستمر الجزائر في التصعيد مقابل مواصلة المغرب في توجهه المهادن وغير الصدامي، وعدم الانجرار نحو المواجهة العسكرية.

لكن الباحث في العلاقات الدولية بوبكر أونغير قال إن "التوتر بين المغرب والجزائر يسير نحو الأفق المسدود والمظلم، خصوصاً في ظل إصرار جزائري على الإمعان في استفزاز المغرب والإضرار به". واعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ارتفاع نفقات التسلح الجزائري أخيراً، وإجراء مناورات عسكرية على الحدود، بالإضافة إلى التغيير الذي طرأ أخيراً على رأس قيادة القوات المسلحة الملكية المغربية، يبين أن عنصر الثقة بين البلدين لم يعد موجوداً، وأن جميع عوامل الأزمة قد اكتملت. ولئن كان احتمال تحول التوتر الحالي إلى حرب بين البلدين مستبعداً، برأي أونغير، على اعتبار أن قرار السلم والحرب في المنطقة المغاربية ليس بأيدي دولها وحدها، بل يهم أطرافاً إقليمية ودولية كثيرة، إلا أن التفاؤل باستبعاد الصدام العسكري لا يجب أن يحجب الرغبة الجامحة لدى بعض القابضين على زمام السلطة في الجزائر في اندلاع مواجهة عسكرية مع المغرب خدمة لمآرب سياسية داخلية، وفق الباحث المغربي.

المساهمون