رغم عدم إتيان الجولة الـ21 من مسار أستانة الخاص بالقضية السورية بأي جديد، لا سياسياً ولا ميدانياً، إلا أن البيان الختامي لهذه الجولة الذي صدر الخميس الماضي، الذي صاغه واتفق عليه الثلاثي الضامن لهذا المسار (تركيا، روسيا، إيران)، ووافق عليه كل من وفد النظام ووفد المعارضة، أكد الالتزام الثابت للموقعين عليه بسيادة سورية، واستقلالها، ووحدتها، وسلامتها الإقليمية، من دون أن يحدد شكل الالتزام.
وبالنسبة لسيادة سورية، لم تُحدّد الجهة السيادية المقصودة بالبيان، مع أن الواضح أن البيان قصد سيادة النظام، كونه لا يزال الممثل الرسمي لسورية في الكثير من المحافل الدولية، ومن غير المنطقي أن يقصد سيادة مشتركة بين المعارضة والنظام كونه يتعارض مع الالتزام الثالث الذي قطعه المجتمعون على أنفسهم وهو وحدة سورية. هذا الأمر يعني أن المعارضة المشاركة في أستانة قد تخلت عن الثورة، واعترفت ضمنياً بسيادة النظام على كل الأراضي السورية.
كما أن التزام تركيا بسيادة سورية يتناقض مع الوجود التركي على الأراضي السورية "كون روسيا وإيران يوجدان في سورية بناء على طلب النظام"، وبالتالي فوجود تركيا يعد خرقاً للسيادة التي تطالب بالالتزام بها، ما لم تكن هناك خطة لاستئناف التطبيع التركي مع النظام وانسحاب أنقرة تدريجياً من الأراضي السورية.
أما في ما يخص الالتزام باستقلال سورية فهو يتناقض مع كل ما يقوم به الثلاثي الضامن من تدخّل في سورية، وسلب قرار المعارضة، والنظام، ويتنافى مع مسار أستانة نفسه الذي تُقرر فيه روسيا وإيران وتركيا عن كل الأطراف السورية، الأمر الذي يجعل من البيان عبارة عن عبارات لا معنى لها تتناقض مع الواقع.
لكن، رغم التحكم شبه المطلق لروسيا بقرارات النظام، إلا أن مسار أستانة برمته هو اختراع روسي، يهدف إلى تمكين النظام والقضاء التدريجي على المعارضة، إذ استطاع المسار إعادة معظم المناطق التي سيطرت عليها المعارضة إلى سلطة النظام، فطُردت من ريف حمص الشمالي وغوطتي دمشق ومن المنطقة الجنوبية، ومن جزء كبير من ريفي حماة وإدلب، والآن يُعمل من خلال استئناف هذا المسار على ترويض المعارضة وتحويلها تدريجياً إلى عراب مصالحات مع النظام.
وطالب بيان أستانة النظام بضرورة تحسين علاقاته مع تركيا على أساس حسن الجوار، والمصالح المشتركة، وتعامل مع المعارضة كطرف هامشي وطارئ يمكن حله بالتدريج، ومن خلال شخصيات محسوبة على المعارضة قابلة للتطويع والقبول بكلّ الإملاءات، بما فيها قبول المصالحة مع النظام والمساعدة في إعادة تعويمه دولياً، رغم ما ارتكبه من فظائع بحق السوريين.