أسباب تعثر إخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا

23 يناير 2021
متى يخرج المقاتلون الأجانب من ليبيا؟ (فرانس برس)
+ الخط -

لا يبدو أنّ ملف المقاتلين الأجانب في ليبيا ينتظر حلحلة قريبة، مع انتهاء مهلة إخراجهم المحددة من قبل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5، وفق بنود الاتفاق العسكري الموقع في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. 

وجددت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة مطالبتها بضرورة "التنفيذ الفوري لإخراج كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا"، ما يطرح سؤالاً عن أسباب تعثر تنفيذه. 

وأكدت اللجنة العسكرية المشتركة، في بيان لها، اليوم السبت، أنّه "على الدول المشاركة في مؤتمر برلين، ضرورة تنفيذ ما تعهدت به من التزامات تجاه الأزمة الليبية، والتي تشمل ترحيل المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم". 

وفي 19 يناير/كانون الثاني 2020، اتفقت الجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا والكونغو وبريطانيا وأميركا، وممثلون عن الأمم المتحدة، على عدم التدخل في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا، وكذلك دعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلد. 

وطالبت اللجنة الدول المعنية "بالتنفيذ الفوري، لإخراج كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، والامتثال لحظر توريد السلاح المفروض من قبل مجلس الأمن". 

وحثت اللجنة "الجهات ذات العلاقة من الطرفين، على تنفيذ التزاماتها، كما نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار المدعوم من البعثة الأممية في اجتماعي غدامس وسرت خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي"، وفق البيان. 

ونص البند الثاني في الاتفاق العسكري على إخلاء جميع خطوط التماس، في مناطق سرت والجفرة وسط البلاد، من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها، تزامناً مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية "براً وبحراً وجواً في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار"، بالإضافة إلى "تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، وخروج أطقم التدريب". 

وبالتزامن مع انتهاء المهلة، اليوم السبت، نشرت قناة "سي أن أن" الأميركية، أمس الجمعة، صوراً لأقمار صناعية تظهر بناء مرتزقة "فاغنر" الروس خندقاً ضخماً بين مدينتي سرت والجفرة، وسط ليبيا، يمتد لعشرات الكيلومترات وتدعمه سلسلة من التحصينات المعقدة. 

ورفضت موسكو، على لسان مسؤوليها في مناسبات سابقة، اتهامات ليبية، من جانب حكومة "الوفاق"، وغربية من جانب عدد من الدول، بشأن وجود عسكري لها في ليبيا، رغم إعلان وزير الخارجية بحكومة "الوفاق"، محمد سيالة، مطالبة بلاده بشكل رسمي لروسيا "دعم خروج المقاتلين الأجانب"، خلال مؤتمر صحافي مشتركة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال زيارته إلى موسكو، في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي. 

ولا يتوقف وجود المقاتلين الأجانب على مجموعات "فاغنر"، فبالإضافة إليهم يتواجد إلى جانب مليشيات اللواء خليفة حفتر مئات المرتزقة من" الجنجويد" السودانية ومن مقاتلين أفارقة وسوريين موالين لنظام الأسد.

وفي المقابل، تتهم قيادة مليشيات حفتر أنقرة بجلب مقاتلين سوريين للقتال في صفوف قوات "الوفاق"، وهو ما ترفضه "الوفاق" التي تؤكد أن صلتها بتركيا "شرعية"، وفق اتفاق أمني موقع بينها وبين الحكومة التركية، منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. 

ونشرت عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة "الوفاق"، الأربعاء الماضي، صوراً تظهر تحليقاً مكثفاً من طائرات "ميغ-29" في سماء منطقة الجفرة (وسط ليبيا)، مشيرة إلى أنّ هذه الطائرات الحربية كانت تتولى مهمة حماية طائرات شحن روسية تنقل المرتزقة من "الجنجويد" من مدينة سرت إلى قاعدة الجفرة حيث تعارض هذه التحركات اتفاق اللجنة العسكرية المشتركة.

وتثير منشورات "بركان الغضب"، بالإضافة لتقرير قناة "سي أن أن"، شكوكاً في نية موسكو التجاوب مع المطالب الأممية بشأن سحب مقاتليها، بحسب الباحث الليبي في الشؤون الأمنية الأكاديمي ياسين العريبي. 

ويلفت العريبي إلى أنّ "شكل الخندق الذي أوجده مرتزقة فاغنر بمسافة 70 كيلومتراً ليربط بين مواقع في سرت والجفرة يشير إلى نية روسية للتمركز في المنطقة، وأن مغادرتها لن تكون قريبة، في مقابل إصرار تركي على البقاء في ليبيا تحت غطاء شرعية الاتفاق الأمني الموقع مع حكومة الوفاق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إذ أعلنت، في 23 ديسمبر/كانون الثاني الماضي، تمديد مهام القوات العاملة في ليبيا" لثمانية عشر شهراً إضافية". 

ويربط العريبي، خلال حديثه لــ"العربي الجديد"، بين تمركز المقاتلين الأجانب في منطقة سرت والجفرة، وحقول النفط وموانئه التي تتكثف في وسط البلاد، معتبراً أنّ "التواجد العسكري في هذه المنطقة ترك الساحة مهددة بالحرب في أي وقت للضغط بالملف النفطي المهم بالنسبة للعديد من الأطراف وهو سبب رئيسي أيضاً في تعقد الحل الليبي"، وفق رؤيته.

ويلفت العريبي إلى أنّ "بيانات اللجنة العسكرية المشتركة المستعينة بالخارج تشير إلى عجزها عن تنفيذ أي بنود، فحتى البنود المتعلقة بتبادل الأسرى ليست محورية في الاتفاق علاوة على عجزها عن فتح المسارات البرية بالمنطقة". 

ويعزو العريبي السبب إلى أنّ القرار العسكري بالمنطقة "لم يعد بيد الأطراف المحلية"، مؤكداً أنّ "حفتر لم يعد المفاوض في المسألة ولا يمكنه إرغام الروس على ترك الساحة، كما أن الاتفاقات الأمنية بين الوفاق والحكومة التركية، وفرّت غطاء مناسباً لاستمرار الدعم التركي". 

من جانبه، يرى الباحث الليبي في الشأن السياسي خميس الرابطي أنّ سبب تعرقل خروج المقاتلين الأجانب "يعود لعدم وجود إرادة دولية"، مشيراً إلى أنّ البعثة الأممية في ليبيا والتي رعت الاتفاق العسكري "لم تسم حتى الآن الأطراف المعنية بوجود المقاتلين الأجانب في ليبيا". 

وخلال تصريحات سابقة لرئيسة البعثة الأممية في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، أكدت وجود عشرة قواعد أجنبية في البلاد يديرها 20 ألف مقاتل أجنبي، دون تحديد جنسياتهم. 

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً حول ليبيا في 28 يناير/كانون الثاني الجاري، لمناقشة مشروع قرار ستقدمه بريطانيا لمجلس الأمن الدولي لتوسيع مهام بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، لتشمل الإشراف على وقف إطلاق النار، ومراقبة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا. 

ويصف الرابطي رفض اللجنة العسكرية المشتركة لمقترح تمديد المهلة بأنّه "مجرد كلام"، منبهاً إلى أنّ خارطة الطريق التي أعلنتها البعثة الأممية للمرحلة المقبلة "أوكلت فيها صراحة للسلطة الجديدة معالجة هذا الملف"، مرجحاً أن تشهد الجلسة المنتظرة لمجلس الأمن قراراً يقضي بتجديد المهلة. 

الرابطي: ملف التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا متصل بشكل وثيق بالمداولات السياسية الحالية التي تعمل على إنتاج سلطة جديدة

ووفق قراءة الرابطي، فإنّ ملف التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا "متصل بشكل وثيق بالمداولات السياسية الحالية التي تعمل على إنتاج سلطة جديدة"، متسائلاً "كل الدول لا تزال تحافظ على وجود مباشر أو غير مباشر بميدان القتال فكيف لها أن تنسحب منه قبل ضمان حصص ممثليها في السلطة الجديدة"؟ 

ويربط الرابطي تعثر تنفيذ الاتفاق العسكري، بما فيه بند المقاتلين الأجانب، بشكل خارطة السلاح في ليبيا، ويقول: "أعتقد أنّ معالجة الملف تنتظر أيضاً إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية التي يتنازع شرعيتها طرفا الصراع في طرابلس وفي معسكر شرق البلاد"، معتبراً أنّ انكسار حملة حفتر على طرابلس "وفرت مناخاً مناسباً لوقف القتال، ومن ثم إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية". 

ويتابع: "لم يكن الاتفاق العسكري سوى خطوة في هذا الاتجاه، إذ نجحت الأمم المتحدة في حصر صلاحيات الحديث عن الشأن العسكري في لجنة مؤلفة من الطرفين بقوام ضباط كبار". 

ويحدد الرابطي نجاح تنفيذ الاتفاق العسكري بعدة عوامل تحفظ مصالح الدول المنخرطة في الملف الليبي سياسياً واقتصادياً قبل الذهاب إلى أي ملفات تتعلق بنزع السلاح ومغادرة المسلحين الأجانب.

المساهمون