أزمة قضاة مصر… تلويح بالإضراب وبتعليق العمل في المحاكم

02 ديسمبر 2024
خلال جلسة محاكمة في القاهرة، مارس 2022 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعد أزمة القضاة المصريين: رفض 48 قاضياً حضور جلسات التحقيق بعد إحالتهم من وزير العدل بسبب تعبيرهم عن تدهور أوضاعهم المالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تهديدهم بعقد جمعية عمومية للتصويت على تعليق العمل والإضراب.

- التحقيقات القانونية والاعتراضات: المستشار جمال قابيل أكد أن إحالة القضاة للتحقيق تفتقر للأساس القانوني، حيث أن المجموعات القضائية تعمل بإشراف محكم وتقتصر على أعضاء الجهات القضائية.

- الأزمة المالية والتمييز: بدأت الأزمة في 2014 بسبب امتيازات مالية إضافية لقضاة محكمة النقض، مما أثار غضب القضاة الآخرين ودفعهم للمطالبة بالمساواة في المستحقات المالية.

كشف مصدر قضائي بارز لـ"العربي الجديد" عن رفض 48 قاضياً مصرياً بمحاكم الاستئناف والابتدائية، والمحالين إلى التحقيق بقرار من وزير العدل المصري المستشار عدنان الفنجري، حضور جلسات التحقيق معهم أمام إدارة التفتيش القضائي. جاءت أزمة قضاة مصر على خلفية شكوى قدمها مدير إدارة التفتيش القضائي المستشار وفائي أبسخرون، اتهم فيها القضاة بالتحدث في "المجموعات القضائية" عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن أوضاعهم المالية المتدهورة والأعباء المتزايدة عليهم. ووصف القضاة خلال هذه المناقشات أنهم فقدوا امتيازاتهم واستقلاليتهم وتحولوا إلى مجرد موظفين لدى السلطة التنفيذية، إلى جانب تراجع حقوقهم المالية، مما اعتبره البعض "مذبحة قضائية".

وأضاف المصدر القضائي أن القضاة المحالين إلى التحقيق لوّحوا بعقد جمعية عمومية داخل مقر نادي القضاة، يدعون خلالها إلى التصويت على قرارات تعليق العمل في المحاكم، بالإضافة إلى الإضراب والاعتصام داخل النادي، احتجاجاً على قرارات الإحالة التي اعتبروها تعسفية. وأوضح المصدر أن أسر القضاة المحالين للتحقيق، والتي تضم مستشارين وقضاة بدرجات وظيفية مختلفة سواء كانوا أبناء أو أقارب، أعلنت تضامنها الكامل معهم، مما يشير إلى تضخم الأزمة.

وأشار المصدر إلى أنه يجري حالياً ترتيب لقاء يجمع بين وزير العدل المستشار عدنان الفنجري ومجلس إدارة نادي قضاة مصر، برئاسة نائب رئيس محكمة النقض المستشار أبو الحسين فتحي قايد، لبحث الأزمة ومحاولة نزع فتيل التصعيد. وأكد المصدر أن هذا اللقاء يأتي بعد موافقة الطرفين على إجراء الحوار، بناءً على تدخّل أطراف قضائية رفيعة المستوى.

أزمة قضاة مصر... تحقيق بلا أساس قانوني

وفي تعليق على قرارات الإحالة وأزمة قضاة مصر قال المستشار جمال قابيل، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إن قرار وزير العدل بإحالة القضاة إلى التحقيق أمام إدارة التفتيش القضائي لا يستند إلى أي أساس قانوني. وأضاف أن القانون الحاكم والمنظم للشأن القضائي، وكذلك اللوائح والقرارات التنظيمية الداخلية، لا تدعم هذه الإحالة. وأكد قابيل أن القضاة المحالين للتحقيق لم يرتكبوا أي مخالفة تستوجب مثل هذا الإجراء، حيث اقتصرت تصرفاتهم على كتابة تدوينات داخل مجموعات مغلقة مخصصة للقضاة فقط.

جمال قابيل: القضاة المحالون للتحقيق لم يرتكبوا أي مخالفة تستوجب مثل هذا الإجراء

وأوضح قابيل أن هذه المجموعات القضائية تُستخدم منذ إنشائها لمناقشة شؤون القضاة وأزماتهم المهنية، وتعمل بإشراف محكم يقتصر على أعضاء الجهات القضائية المختلفة. وأشار إلى أن الانضمام لهذه المجموعات يتم بعد التأكد من هوية العضو عبر وثائق رسمية مثل بطاقة عضوية الجهة القضائية والهاتف الشخصي. وأضاف: "كيف يُحال قاضٍ إلى التحقيق لمجرد طرحه مشكلة مزمنة تؤثر على العمل القضائي وتخل بمبدأ العدالة والمساواة؟".

أزمة منذ 2014

من جهته، أوضح المستشار أشرف مصطفى، الرئيس السابق بمحكمة استئناف القاهرة، لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة الحالية بين المحاكم الابتدائية والاستئناف من جهة، ومحكمة النقض من جهة أخرى، بدأت منذ عام 2014. وأضاف أن هذه الأزمة تعود إلى قرارات مجلس القضاء الأعلى بمنح امتيازات مالية إضافية لأعضاء محكمة النقض، الذين لا يزيد عددهم عن 900 قاضٍ، بينما حُرم نظراؤهم من المحاكم الابتدائية والاستئناف، الذين يتجاوز عددهم 12 ألف قاضٍ، من نفس الامتيازات.

أشرف مصطفى: الأزمة الحالية بين المحاكم الابتدائية والاستئناف من جهة، ومحكمة النقض من جهة أخرى، بدأت منذ 2014

وأشار مصطفى إلى أن هذه الامتيازات بدأت تحت مسمى "بدلات الطعون"، بعد أن قرر المشرع آنذاك أن تتولى محكمة النقض النظر في الطعون وتحقيقها والحكم فيها بشكل موضوعي. ومع زيادة الأعباء الملقاة على قضاة النقض، قرر مجلس القضاء الأعلى منحهم هذه البدلات كتعويض عن المهام الإضافية. وتابع مصطفى أن الأزمة تفاقمت مع إلغاء هذه المهام الإضافية في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث أصبحت القضايا الجنائية تُنظر في محاكم الاستئناف بدلاً من محكمة النقض. ورغم انتقال الاختصاصات، إلا أن الامتيازات المالية المرتبطة بهذه المهام لم تُمنح لقضاة الاستئناف. وأكد مصطفى أن هذا التمييز استمر رغم صدور قرار المجلس الأعلى للهيئات القضائية، برئاسة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، في يونيو/حزيران 2021، الذي دعا إلى توحيد الامتيازات والمساواة بين جميع الهيئات القضائية. وأضاف أن استمرار عدم تطبيق هذا القرار أدى إلى تصاعد الغضب بين القضاة، خصوصاً أن الامتيازات الممنوحة لقضاة النقض تضاعفت، في حين ظل الآخرون يعانون من التهميش المالي. واختتم مصطفى بالقول: "قرار وزير العدل أشعل مرفق العدالة. كان الأولى أن تُبحث الأزمة بشكل جاد وتنُفذ قرارات رئيس الجمهورية المتعلقة بالمساواة بين القضاة، بدلاً من إصدار قرارات تزيد من التوتر". وأضاف أن الأزمة الحالية قد تدفع القضاة إلى اتخاذ خطوات تصعيدية غير مسبوقة.

وفي إطار تصاعد الأزمة، أرسل رؤساء محاكم الاستئناف الثماني مذكرة موحدة إلى المستشار حسني عبد اللطيف، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، قبل نحو عشرة أيام. طالبت المذكرة بتفعيل قرار رئيس الجمهورية، الذي يدعو إلى المساواة في المستحقات المالية بين جميع الدرجات القضائية المناظرة. كما اقترحت وضع خطة تدريجية لتحقيق هذه المساواة، تشمل بدلات مثل بدل الكسب غير المشروع وبدل الطعون الانتخابية وبدل حضور الجمعيات العمومية. وأوضحت المذكرة أن أعلى مرتبات رؤساء محاكم الاستئناف تصل إلى 40 ألف جنيه (نحو 800 دولار) شهرياً، بينما يحصل نظراؤهم في محكمة النقض على ما يصل إلى 75 ألف جنيه (نحو 1500 دولار). كما أشارت إلى الفوارق الكبيرة في امتيازات رؤساء الهيئات القضائية، الذين يحصلون على أضعاف هذه المبالغ شهرياً.