أعربت مصادر دبلوماسية وسياسية مصرية عن قلقها من تصاعد الأزمة بين القاهرة وحكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بعد انتهاء المهلة الزمنية المحددة لإنهاء خريطة الطريق للحل الليبي برعاية الأمم المتحدة في 22 يونيو/حزيران الحالي.
وقالت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إنه بينما حثّت الأمم المتحدة (أول من أمس الأربعاء) على الامتناع عن استخدام تاريخ 22 يونيو (التاريخ المحدد لانتهاء المرحلة الانتقالية وفق خريطة الطريق الأممية) أداةً للتلاعب السياسي، أصدرت القاهرة بياناً رسمياً يشير إلى التاريخ وانتهاء ولاية الدبيبة، وهو ما رأت أنه "يهدد بفقدان القاهرة قدرتها على التأثير في القضية الليبية".
وتصاعدت الأزمة الدبلوماسية أخيراً بين وزارتي الخارجية في كل من مصر وليبيا، والتي تسببت بها شكاوى مواطنين ليبيين من "سوء معاملة على الحدود المصرية" عبر منفذ السلوم البري، ووصلت إلى حد توجيه الخارجية الليبية الاتهام إلى مصر بالتدخل في شؤون ليبيا والتعدي على السيادة الوطنية.
فبينما ألمحت مصر إلى أن حكومة الوحدة تستخدم أزمة "عبور المواطنين الليبيين إلى مصر لتشتيت الانتباه عن موعد انتهاء خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي وولاية حكومة الوحدة في 22 يونيو"، اتهمت الخارجية الليبية مصر بـ"التدخل في الشأن الليبي والتعدي على السيادة الوطنية، باعتبار العملية السياسية ملكية وطنية لليبيين وحدهم".
اعتبر المسؤولون في مصر أن مجرد الفوز باستضافة الاجتماعات الدستورية الليبية انتصار لمصر
وقالت مصادر مصرية خاصة إن "انتهاء أجل خريطة الطريق وعدم توصل جولات المسار الدستوري الليبي الثلاث، التي انعقدت في القاهرة بين أعضاء اللجنة الدستورية المشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، إلى توافق على الإطار الدستوري للانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، قد يؤديان إلى انزلاق الأوضاع في ليبيا إلى دوامة الفوضى من جديد، وهو ما سوف يؤثر بشكل خطير على مصر، ولذلك فإنه من المفترض أن تتدخل القاهرة بشكل إيجابي وعقلاني في الأزمة بعيداً عن المناكفات السياسية والحروب الكلامية".
وأضافت المصادر أن "المسؤولين داخل النظام المصري اكتفوا بجمع الأطراف الليبية في القاهرة للجلوس إلى طاولة المفاوضات، من دون بذل جهد في توفير المشورة السياسية والقانونية، واعتبروا أن مجرد الفوز باستضافة الاجتماعات الليبية في القاهرة، في ظل منافسة أطراف دولية وإقليمية أخرى، انتصار لمصر".
وأوضحت المصادر أنه "كان يجب على المسؤولين المصريين أن يحددوا موقفهم في الملف الليبي بوضوح، وذلك بناء على دراسة مستفيضة للأوضاع، ومدى تأثر مصر بها، وبعد ذلك يُرسم تصور للتعامل مع الملف يشارك في وضعه سياسيون ودبلوماسيون وخبراء في القانون، حتى يتحقق الاستقرار في ليبيا، وحتى تخرج مصر فائزة، لكن الحقيقة أن المسؤولين المصريين أهملوا الملف الليبي، واكتفوا بإعلان دعم فريق ضد الآخر".
وقالت المصادر إن "القاهرة لم تبن موقفها من الأزمة الليبية على أساس المصلحة الوطنية ومقتضيات الأمن الوطني، ولكنها اتخذت موقفها على أساس التبعية السياسية لدول تعتبرها حليفة مثل الإمارات والسعودية، وذلك ما أدى في النهاية إلى عدم اتضاح الرؤية لدى المسؤولين المصريين حول المصلحة القومية، وساهم في تعقيد الأزمة في الجارة الغربية".
وكانت وزارة الخارجية الليبية قد أعلنت، أول من أمس الأربعاء، أنها أبلغت القائم بالأعمال بالسفارة المصرية لدى ليبيا بـ"استياء الوزارة حول الطريقة السيئة التي تجرى فيها معاملة المواطنين الليبيين خلال دخولهم وخروجهم من الأراضي المصرية عبر منفذ السلوم البري".
وقالت الوزارة في بيان، نشرته عبر صفحتها على "فيسبوك"، إنه "بناء على توجيهات وزيرة الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش ومتابعتها، استقبل وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية محمد خليل عيسى في مكتبه القائم بالأعمال بالسفارة المصرية لدى ليبيا تامر مصطفى، وذلك لإبلاغه باستياء وزارة الخارجية حول الطريقة السيئة التي تجرى فيها معاملة المواطنين الليبيين خلال دخولهم وخروجهم من الأراضي المصرية عبر منفذ السلوم البري".
وأضاف البيان: "استُعرضت خلال اللقاء التقارير الواردة إلى كل من وزارة الخارجية ومصلحة الجوازات والجنسية بهذا الخصوص مع القائم بالأعمال المصري، حيث أوضح الوكيل أن وزارة الخارجية تبدي استهجانها الشديد حول ما ورد في هذه التقارير، مدركة في ذات الوقت أن هذه الأفعال المشينة هي أفعال فردية تمس صاحبها فحسب، وأن الجانب المصري لربما ليس على دراية واضحة بها، ولهذا وجب التوضيح ومعالجة الخلل الحاصل اتساقاً مع العلاقات التاريخية التي يحظى بها الشعبان الشقيقان".
اعتبرت الخارجية المصرية أن ولاية حكومة الوحدة الليبية انتهت، ما استدعى رداً من طرابلس
وأضاف بيان الخارجية الليبية أن "القائم بالأعمال المصري عبّر عن رفضه هذه الأفعال المشينة وأنها غير مقبولة بالمرة ومستهجنة، وسيعمل بشكل جدي على نقل هذه المشاكل إلى السلطات المصرية المختصة وموافاة وزارة الخارجية الليبية بما سيرد"، وفقاً للبيان.
وقامت الخارجية المصرية بالتعقيب على بيان وكيل وزارة الخارجية الليبية في طرابلس، بشأن لقائه مع رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في ليبيا. ونفى المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد حافظ "ما نُسب إلى رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية من تصريحات في بيان الجانب الليبي"، مؤكداً أن "الحكومة المصرية توفر كافة سبل الرعاية وحسن المعاملة للأشقاء الليبيين في بلدهم الثاني مصر، على ضوء العلاقات الأخوية والروابط التاريخية بين البلديّن والشعبين الشقيقين".
وقال حافظ في تصريحاته، إنه "ليس من المستغرب أن تحاول بعض الأطراف تناول بيانات غير دقيقة في محاولة لتشتيت الانتباه، لا سيما مع حلول تاريخ 22 يونيو 2022، موعد انتهاء خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي وولاية حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنبثقة عنه".
ورداً على ذلك، قالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الليبية في بيان إنها"تابعت رد الخارجية المصرية في ما يتعلق بالشكوى المثارة من المواطنين الليبيين على الحدود الليبية المصرية، وتعتبره رداً في غير محله ومجافياً للواقع والحقيقة".
واستغربت الوزارة "تصريحات المتحدث باسم الخارجية المصرية بشأن حكومة الوحدة الوطنية وخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الموقع في جنيف"، واعتبرته "تدخلاً في الشأن الليبي، وتعدياً على السيادة الوطنية، باعتبار العملية السياسية ملكية وطنية لليبيين وحدهم، وليس لدولة أن تحدد تاريخ بدء أو انتهاء المواعيد السياسية الوطنية".
وأضافت الخارجية الليبية في بيان أن "اتفاق جنيف أكد انتهاء المرحلة الانتقالية بإجراء الانتخابات وجعل المواعيد تنظيمية وليست ملزمة، كما أن مثل هذه البيانات لها تداعيات خطيرة على أمن واستقرار ليبيا وأن ليبيا قادرة بقيادتها وشبابها أن تقرر مصيرها".