أزمة الانتخابات العراقية: سيناريوهات مفتوحة على مزيد من التصعيد

07 نوفمبر 2021
هدأ الوضع أمس في بغداد بعد مواجهات الجمعة (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

دخلت أزمة الانتخابات التشريعية العراقية أسبوعها الرابع على التوالي، من دون أي بوادر للاتفاق على تهدئة أو قبول القوى الحليفة لإيران بنتائج هذا الاستحقاق الذي اعتبرته "مزوراً" و"متلاعباً به". وتتهم هذه القوى، وفقاً لبيانات متفرقة صدرت عنها في الأيام الأخيرة، أطرافاً داخلية وخارجية بالعمل على إقصائها من المشهد السياسي في المرحلة المقبلة. وسجل مساء أول من أمس الجمعة تطور خطير في مسار الأزمة، بعد مواجهات دامية استمرت عدة ساعات قرب بوابات المنطقة الخضراء بين قوات الأمن العراقية وأنصار القوى المعترضة على نتائج الانتخابات، والتي حشدت مسبقاً المئات من عناصرها ضمن ما سمّته "جمعة الفرصة الأخيرة". وأسفرت المواجهات عن مقتل اثنين من المحتجين، أحدهما مساعد آمر اللواء 42 في مليشيا "عصائب أهل الحق"، عبد اللطيف الخويلدي، مع عنصر آخر في المليشيا ذاتها التي يتزعمها قيس الخزعلي، كما أصيب نحو 150 آخرين أغلبهم من قوات الأمن العراقية، بينهم ضابط وعدة عناصر بالرصاص من مسافات قريبة.

أسفرت مواجهات الجمعة عن مقتل شخصين وإصابة 150 آخرين

وتوعّدت أجنحة مسلحة حليفة لإيران عبر منصات تابعة لها على موقع "تويتر" وتطبيق "تلغرام" بالثأر من ضباط ذكرت أسماء بعضهم في منشورات لها، تقول إنهم مسؤولون عما تعرض له أنصار القوى المعترضة على نتائج الانتخابات خلال المواجهات. من جهتها، قررت حكومة مصطفى الكاظمي تشكيل لجنة تحقيق موسعة بشأن المواجهات. وكشفت مصادر رسمية في بغداد لـ"العربي الجديد" أن المواجهات حصلت بعد تقدم المئات من المحتجين إلى بوابة المنطقة الخضراء الرئيسية من جهة الجسر المعلق ومحاولة دخولهم المنطقة الخضراء. ووفقاً لمسؤول أمني عراقي، فإن كاميرات المراقبة أظهرت أن المواجهات بدأت بعد محاولة اقتحام المنطقة بإلقاء الحجارة على حاجز الصدّ الأول للأمن العراقي مع إضرام نار بالأشجار القريبة. وأوضح المسؤول في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن عدداً من الضباط تعرضوا لضغوط من قبل منظمي الاحتجاج، لإقناعهم بعدم مواجهة المتظاهرين والسماح لهم بدخول المنطقة الخضراء لكن الضباط رفضوا ذلك، لافتاً إلى أن "القوات العراقية تعرضت لإطلاق نار مباشر من قبل المحتجين وبأسلحة رشاشة ويجرى حالياً تحقيق موسع في الأحداث".

وبسبب المواجهات الدامية قطع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر زيارته إلى بغداد مغادراً إلى النجف، ومعها توقفت مساعي زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، لجمع القيادات الشيعية الرئيسية في منزله في بغداد، مستغلاً زيارة الصدر. وهذا الاجتماع لو حصل لكان الأول من نوعه منذ سنوات، ويهدف لترطيب الأجواء والتوصل إلى تفاهمات حيال الأزمة الحالية، حسبما أكدت مصادر مقرّبة من الحكيم لـ"العربي الجديد". وأشارت المصادر إلى أن يوم أمس السبت شهد حراكاً واسعاً من قبل وزير الداخلية عثمان الغانمي ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي وشخصيات أخرى، باتجاه قيادات سياسية بينها هادي العامري وقيس الخزعلي، لمنع تكرار مواجهات الجمعة أو اتخاذ القوى المعترضة أي خطوات تصعيدية أخرى، لكن أي ضمانات حيال ذلك لم تحصل عليها الحكومة العراقية، وهو ما يعكس حالة التأهب الأمني الكبيرة التي فرضها الحكومة في بغداد. وعاود المحتجون نصب خيامهم قرب المنطقة الخضراء بعد تشييع اثنين من قتلى الاحتجاجات صباح أمس، بينما شكل رئيس الوزراء فريقاً أمنياً خاصاً للتعامل مع الاحتجاجات الحالية قرب المنطقة الخضراء.

في السياق تواصل مفوضية الانتخابات العراقية عمليات العد والفرز لأصوات الناخبين يدوياً للمحطات التي قررت إعادة فتحها مجدداً بعد قبول الطعون المقدمة بشأنها. وأكد مسؤولان فيها، أحدهما قاضٍ في لجنة التدقيق داخل المنطقة الخضراء، عدم العثور على أي اختلاف في البيانات المستخرجة من أجهزة العد الإلكتروني وبين ما أسفرت عنه عمليات العد اليدوي لغاية الآن في المحطات التي جرى فتحها.

ووفق المسؤولين اللذين تحدثا لـ"العربي الجديد"، فإن المحافظات الأخيرة المتبقية لفتح المحطات المطعون بها هي نينوى وكركوك وذي قار وصلاح الدين، من المقرر أن يتم إنجازها خلال الساعات المقبلة أو يوم آخر على أقصى تقدير. وأكدا أن "مفوضية الانتخابات اقتربت كثيراً من حسم كل المحطات المطعون بها والتي أعيد عد وفرز الأصوات فيها يدوياً، وهناك مساع لإنهاء ملف النتائج قبل يوم العاشر من الشهر الحالي الذي يصادف مرور شهر على إجراء الانتخابات".

وتعليقاً على ما حصل، قال القيادي في تيار "الحكمة"، محمد اللكاش، إن "الاحتجاجات الحالية رد فعل طبيعي كان سيتخذه أي حزب يتعرض لسرقة علنية لأصواته واستغفال لناخبيه"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن الانتخابات "حصلت فيها خروقات وتجاوزات وتغيير للنتائج، وهذا خلل كبير ظهر واضحاً في عمل المفوضية المتهمة بالتواطؤ مع أطراف حكومية للإيقاع بأحزاب وقوى سياسية مؤثرة".

وأضاف أن "هناك توجهاً لدى القوى المعترضة على نتائج الانتخابات لإلغائها بالكامل، وهذا التوجه إذا تحقق فإن الأطراف المستفيدة من نتائج الانتخابات ستكون غير راضية، وقد تستخدم ورقة الشارع والاحتجاجات من أجل منع أي إلغاء للانتخابات. وهذا يعني أننا أمام مرحلة حرجة إذا لم تتم لململة الأزمة بواسطة شخصيات وسطية معدلة ومؤثرة"، واصفاً الأوضاع في العراق بأنها "تتجه حالياً إلى المزيد من الانسداد".


كتائب حزب الله: الكاظمي متورط بتزوير الانتخابات

وبشأن الاحتجاجات وتطوراتها من قبل أنصار القوى المعترضة على نتائج الانتخابات، رأى القيادي في حركة "حقوق" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله"، عباس العرداوي، أن "حكومة مصطفى الكاظمي متورطة بتزوير الانتخابات وهذا مثبت لدينا بالأدلة، ولن يكون هناك أي قبول بنتائج الانتخابات". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "ليس أمام الجماهير القوى الرافضة إلا اللجوء للتصعيد والاستمرار في الاحتجاجات، وقد زادت مطالب المحتجين حالياً، إذ يطالب المحتجون وقوى الإطار التنسيقي وفصائل المقاومة حالياً بإقالة القادة الأمنيين الذين أمروا القوات العراقية بإطلاق الرصاص على المحتجين". وأكد أن "قوى الإطار التنسيقي والمحتجين والشخصيات السياسية المعترضة على نتائج الانتخابات، يدرسون حالياً خطوات تصعيدية جديدة لرفض النتائج المزورة، ولن يكون هناك أي تراجع إلا إذا استجابت المفوضية لمطالب المعترضين، ومنها استعادة الأصوات، ومحاسبة كل الذين تسببوا بتزوير الانتخابات، تحديداً مفوضية الانتخابات ورئيس الحكومة".

من جهته، توقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد علاء مصطفى أن "تطول أزمة الاحتجاجات، كما أن التصويت على نتائج الانتخابات والمصادقة عليها في المحكمة الاتحادية سيطول، لأن الأحزاب المعترضة على النتائج ستعمل على مواصلة التصعيد السياسي والإعلامي والاحتجاجي ضد المفوضية والحكومة. وقد تحصل مواجهات واحتكاكات جديدة مع قوات الأمن، ناهيك عن احتمالية اللجوء اصلا إلى المحكمة الاتحادية للطعن بشرعية الانتخابات بالكامل". واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "المواجهة الحالية بين الأحزاب ووصولها إلى مرحلة بالغة الخطورة، هو حدث كان متوقعاً، وتأجل كثيراً بسبب التسويات والاتفاقات، لكن بعد خسارة القوى الشيعية الكبيرة، تعرضت عملية التوافق إلى خلل كبير".

المساهمون