أرض الصومال: جدلٌ حول فتح أبواب التعددية الحزبية

15 يناير 2022
يرى متابعون أن بيحي عبدي يسعى لتمديد ولايته (فرانس برس)
+ الخط -

يستمر الجدل السياسي في جمهورية ما يسمى بـ"أرض الصومال" (أو جمهورية صومالاند، الانفصالية عن الصومال والمعلنة من طرف واحد)، بشأن فتح أبواب التعددية أمام الأحزاب السياسية، إذ يقر الدستور المحلي اليوم بوجود ثلاثة أحزاب سياسية فقط، هي حزب "كلمية" الحاكم، وحزبا المعارضة "الحزب الوطني" و"أوعد".

لكن مع قرب انتهاء شرعية تلك الأحزاب، أواخر العام الحالي، إذ يسمح دستور أرض الصومال بإنشاء 3 أحزاب سياسية فقط، تتجدد أو تتبدل بانتخابات تنافسية بين الجمعيات السياسية كل 10 سنوات، أثار مشروع فتح التعددية الحزبية في الإقليم خلافاً سياسياً وانقساماً حاداً بين أعضاء البرلمان المحلي، بين مؤيد ومعارض له، ما أفشل خطة لتمريره.

وبحسب متابعين للشأن السياسي في أرض الصومال، فإن تمرير قانون فتح المجال أمام الأحزاب السياسية، سيؤجل تنظيم الانتخابات الرئاسية في البلاد، ما يمدد فترة الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي، نتيجة عدم توفر مجال زمني كافٍ لإجراء الانتخابات البلدية.

يسمح دستور أرض الصومال بإنشاء 3 أحزاب سياسية فقط

وترفض أحزاب المعارضة أيضاً مساعي حزب "كلمية" لتمديد فترة الرئيس، لأن ذلك سيمنحه زمناً كافياً لترتيب الحزب من الداخل، وضمان دخول انتخابات تمكنه من العودة إلى رئاسة أرض الصومال لولاية جديدة. وتتهم المعارضة الحزب الحاكم بالسعي إلى كسر شوكتها، لضمان بقائه في السلطة، مع استحواذ "كلمية" على رئاسة أرض الصومال منذ عام 2010، عندما أخفق حزب "أودب" في الانتخابات البلدية.

وتخوض الجمعيات السياسية في أرض الصومال انتخابات تنافسية مرة كل 10 سنوات، ويحق لثلاثة أحزاب فقط، التي تتصدر المشهد الانتخابي، أن تحظى بصفة الحزب، فيما يتم حل باقي الجمعيات السياسية، لتنضم إلى الأحزاب الثلاثة.

ووفق متابعين، يخشى الحزب الحاكم أن يطاوله هذا السيناريو، ما يدفعه إلى محاولة تمرير مشروع فتح أبواب التعددية الحزبية السياسية في البرلمان، لضرب وحدة أحزاب المعارضة، ودخول تحالفات مع التكتلات السياسية، أملاً في البقاء بقصر هرجيسا (عاصمة أرض الصومال)، بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

البرلمان منقسم حول قانون تعدُّد الأحزاب

وتعقّدت الأوضاع السياسية في أرض الصومال عندما رفض رئيس البرلمان باشا محمد فارح التوقيع على القانون الذي يجيز التعددية الحزبية، وتجاهل أيضاً ضمّ هذا المشروع للأجندات التي كانت ستناقش في إحدى جلسات البرلمان السابقة، ما أثار فوضى سياسية في الإدارة المحلية، ودفع عدداً من النواب إلى التوجه نحو المحكمة العليا للبت بمشروع القانون.

 

وأوضحت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن الخلافات الراهنة حول مسألة فتح الباب لتسجيل الجمعيات السياسية الجديدة تتمحور حول ردّ الرئيس موسى بيحي عبدي القانون 14 (2011) إلى المجلس النيابي ليتم توقيعه، بحيث يمكن أن ينظم الحالة السياسية غير المتّسقة، في سبيل إجراء انتخابات رئاسية جديدة مع قرب نهاية المدة الدستورية للرئيس الحالي في نوفمبر المقبل، وانتخابات مجلس الشيوخ.

ولفتت المصادر إلى أن ذلك هو الذي أثار الجدل السياسي، والذي وصل إلى حدّ الاشتباك بالأيدي بين نواب تابعين للحزب الحاكم وآخرين تابعين للمعارضة داخل البرلمان، خلال جلسة عقدت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما يؤشر إلى عدم رضى أحزاب المعارضة على تعديل القانون الذي كان قد اعتمد لإجراء الانتخابات النيابية الأخيرة (مايو/ أيار الماضي).

من جهته، قال الصحافي والمتابع للشأن السياسي في أرض الصومال عبد الله عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الخلاف الراهن يدور بين نواب مؤيدين لفتح باب التسجيل للأحزاب، ويطلبون من رئيس البرلمان التوقيع على مشروع القانون، وآخرين في صفّ الرئاسة، ويرون أن رئيس البرلمان لا يملك سلطة البت في هذه المسألة، معتبرين أيضاَ أن هذا القانون ساري المفعول، وبين فريق آخر معارض يرى عدم قانونية فتح باب التسجيل حالياً ما لم يوقع عليه رئيس البرلمان، ما أوصل الخلاف إلى المحكمة العليا للبت في الخلاف الدستوري حول سريان مفعول القانون.

محاولة التمديد لرئيس أرض الصومال

وفي معرض تفسيره للخلاف الحاصل، أوضح مدير مركز هرجيسا للبحوث والدراسات محمود عبدي أنه "طوال فترة حكم حزب كلمية، شهدت انتخابات مجلسي البرلمان والبلديات تأخيرات متراكمة، وتأجيلاً متكرراً (آخر انتخابات قبل مايو الماضي حصلت في 2005)، كما شهدت هذه الفترة انهيار الحزب الحاكم السابق، أودب، ما أدى إلى بروز الحزب الوطني، وتكوينه كتلة برلمانية عبر تسوية سياسية خارج التنظيم القانوني للأحزاب (الذي كان يفترض فتح المجال للجمعيات السياسية للتنافس للحصول على "ترخيص حزب أمة").

ترفض أحزاب المعارضة مساعي حزب "كلمية" لتمديد فترة الرئيس

وأضاف عبدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه مع قرب الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، وتعذّر إجراء انتخابات مجلسي البرلمان والبلديات حالياً (أجريت في مايو الماضي)، تمّ تكريس حالة عدم الاتساق مع الخطّة التنظيمية الواضحة التي وضعها الدستور، وتعديل القانون رقم 14 للعام 2011، المفسّر والناظم لعمل الجمعيات والأحزاب السياسية في البلاد.

ولفت إلى أن الانتخابات البلدية والنيابية ثبّتت "أحزاب أمة" ثلاثة، ومنها حزب المعارضة الرئيسي "وطني"، الذي دخل الانتخابات النيابية والبلدية بشرعية منقوصة، في حين أن الحزبين الآخرين، "كلمية" الحاكم و"أوعد" المعارض، أوشكت رخصتهما على الانتهاء (تنتهي في ديسمبر المقبل)، وإن كان تعديل القانون 14 آنف الذكر قد منح الجميع غطاء شرعياً تم تقبّله على مضض.

وحول مآلات الوضع الحالي، رجّح عبدي أن تعجز الحكومة عن تنظيم عمليتين انتخابيتين متتاليتين في عام واحد، بحيث سيعمل الحزب الحاكم لتأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة عام أو عامين، حتى يصبح ممكناً إجراء الانتخابات الرئاسية في ظرف ملائم، وهو ما تؤكده اتهامات سياسيين معارضين للرئيس بلعب هذه الورقة السياسية ليحصل على مبرر للتمديد، عبر خلق أزمة سياسية استباقية لا يكون حلّها سوى بتحقيق هدف التمديد.

موقف ضبابي للمعارضة

وأشار مدير مركز هرجيسا للبحوث والدراسات، في الوقت نفسه، إلى أن قيادات أحزاب المعارضة في أرض الصومال عاجزة عن طرح موقف حقيقي تجاه مشروع القانون، على الرغم من مؤشرات امتعاضها منه، ما يؤخر أي فرصة لحصول حوار سياسي صريح بين الأحزاب الثلاثة من أجل الخروج بحلّ لهذه الأزمة السياسية المفتعلة.

واعتبر عبدي أن استمرار المعارضة في البقاء بخانة الموقف الضبابي، سيضع كل اللوم عليها في حال ازداد الوضع السياسي تعقيداً، إضافة إلى اطمئنان الحزب الحاكم لعجز المعارضة عن تقديم مشروع قانون جديد، على الرغم من هيمنتها على مجلس النواب. ويأتي ذلك نظراً إلى عدم قدرة المعارضة على حصد أصوات أغلبية الثلثين لصالح أي مشروع قد تقدمه في المجلس النيابي، ليتسنى طرحه أمام مجلس الشيوخ ورئاسة الجمهورية.

وحول تأثير فتح باب تسجيل الأحزاب السياسية في أرض الصومال، رأى عبدي أن التأثير سيكون كبيراً على المعارضة، وكذلك تمرير تمديد المدة الرئاسية للرئيس، وهو أمر لا يلقى أيضاً رضى شعبياً مع تكرار التمديد الرئاسي بناء على تبريرات غير مستساغة، بما يشكّل استهتاراً بالدستور.

واعتبر أن فشل المعارضة في عرقلة محاولة التمديد، سيفقدها ثقة جزء من مؤيديها، كما أن فتح الباب أمام الجمعيات السياسية قد يؤدي إلى خسارتها جزءاً من مؤيديها الذين قد يتوجهون نحو جمعيات سياسية سيؤسسها سياسيون آخرون، وهو ما يراهن عليه الحزب الحاكم.

كما حذّر الباحث من أن حالة عدم الاتساق السياسي والدستوري ستؤدي بدورها إلى وأد أي فرصة أمام الجمعيات السياسية الجديدة لتحقيق إنجاز يذكر، خصوصاً في انتخابات مجلس الشيوخ القائمة على محاصصة قبلية واضحة.
ويرى متابعون للأوضاع السياسية في أرض الصومال أن شعبية الحزب الحاكم تراجعت، وهو ما عكسته الانتخابات الأخيرة، التي فازت بها المعارضة وحصدت أغلبية مقاعد البرلمان، كما أن كل محاولات الحزب الحاكم للتمسك بالسلطة ستزيد من تآكل قاعدته الشعبية.

وفي حال حدوث تمديد للمدة الرئاسية، فالمتوقّع هو ليس فقط انهيار أي إمكانية لفوز مرشح حزب "كلمية" فيها، بل قد يذهب هذا الحزب نحو تفككه وذوبانه، نتيجة للخلافات السياسية التي ستظهر على السطح بين أجنحته، بما يرشّحه للتحلل والانهيار، كسلفه حزب "أودب".