تترقب القاهرة، اليوم الأربعاء، زيارة يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هي الأولى له منذ أكثر من 11 عاماً، بعد الزيارة التي قام بها عقب انتخاب الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وذلك بهدف تعزيز استكمال مسار التقارب المصري التركي الذي وُضعت لَبَناته خلال الفترة الأخيرة الماضية.
وشهدت السنوات منذ آخر زيارة لأردوغان إلى مصر كرئيس للوزراء في عام 2012، موجات شدّ وجذب بين البلدين، ومحطات توتر بدأت منذ إطاحة الجيش بمرسي، بانقلاب عسكري دفع تركيا إلى معارضة هذا النهج، ثم وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة، وكادت أن تصل إلى حد المواجهة العسكرية في ليبيا، إثر تصدي القوى المنتشرة في طرابلس، والمدعومة من أنقرة، لمحاولات اقتحام الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر للعاصمة طرابلس، بدعم من القاهرة وأبو ظبي.
زيارة أردوغان تتويج للتقارب المصري التركي
وتأتي زيارة الرئيس أردوغان تتويجاً لجهود دبلوماسية بذلت لتصحيح مسار العلاقات بين البلدين، بدأت بحوار بين الأجهزة الاستخبارية ووصلت إلى القنوات الدبلوماسية، وعبر جولات استكشافية للوصول لتسوية لمشكلات عديدة قائمة بين البلدين، في مقدمتها الخلافات حول ثروات شرق المتوسط من الغاز، والملف الليبي، وتعيين الحدود البحرية بين البلدين.
شهدت العلاقات بين البلدين محطات توتر بدأت منذ إطاحة الجيش المصري بمرسي
ووضعت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لأنقرة، والتي ردها نظيره التركي في ذلك الحين مولود جاووش أوغلو بزيارة القاهرة، لبنات مهمة في التقارب المصري التركي. وقادت هذه الزيارات في النهاية إلى أن جمع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بشكل عابر في الدوحة كلا من أردوغان والسيسي على هامش افتتاح كأس العالم 2022. واستمرت مظاهر التقارب من خلال لقاء الرئيسين على هامش القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض، ما وضع العلاقات بين أنقرة والقاهرة على الطريق الجديد ومهّد لزيارة أردوغان المُرتقبة اليوم للقاهرة، ووضع حد للخلافات بين البلدين.
من جهته، تحدث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 4 فبراير/شباط الحالي، عن وجود مفاوضات لإمداد القاهرة بطائرات "بيرقدار" المسيّرة تركية الصنع، بشكل يؤكد أن الخلافات بين البلدين قد أصبحت من الماضي. ولم تعلق القاهرة على هذه التصريحات.
منافع متبادلة بين أنقرة والقاهرة
يرى أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تركيا كانت صاحبة المبادرة بإصلاح وتطوير واستعادة العلاقات مع مصر منذ سنوات.
ويُعزى ذلك، برأي نافعة، إلى قناعة لدى الساسة الأتراك بأن الصدام مع مصر، الذي كان وشيكاً في ليبيا خلال معركة محاولة اقتحام حفتر للعاصمة طرابلس، لا يخدم المصالح العليا للبلدين، فضلاً عن انزعاج تركيا الشديد من التحالف الذي دشنته مصر مع قبرص واليونان بهدف عزل تركيا في ما يتعلق بمستقبل ثروات الطاقة شرق المتوسط.
والانزعاج التركي، كان أبرز دوافع أنقرة للبحث عن سبل تطوير العلاقات مع مصر والكفّ عن الرهان على المعارضة المصرية، خصوصاً مع تثبيت النظام المصري لأركانه، بحسب نافعة، مضيفاً أن لغة المصالح برزت، لا سيما الاقتصادية منها، خصوصاً وأن أرقام التبادل التجاري بين البلدين والاستثمارات التركية في مصر حافظت على معدلاتها حتى في ظل التوتر الشديد بين البلدين.
حسن نافعة: توجد قناعة لدى الساسة الأتراك بأن الصدام مع مصر لا يخدم المصالح العليا للبلدين
ويلفت المتحدث إلى أن التوترات السياسية التي شهدتها المنطقة أخيراً ومعاناة تركيا من عدد من المشكلات الاستراتيجية، هي ما دفعت تركيا للبحث عن تسوية الخلافات مع عدد من دول الجوار، فبادرت أنقرة بفتح نوافذ الحوار مع عواصم إقليمية مهمة، ومنها القاهرة التي تعاطت إيجاباً ولها أسبابها، مع مساعي استعادة الدفء لعلاقاتها مع أنقرة، وهو ما سيتوج بزيارة أردوغان للقاهرة، والتي ستكتب نهاية للخلافات بين البلدين.
ويعتبر نافعة أن حديث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن إمداد مصر بطائرات مسيّرة يكشف إلى أي مدى وصل تطور العلاقات بين البلدين، لا سيما أن مصر تعاني نوعاً من التأخر في هذا المجال، في وقت حققت تركيا سمعة طيبة جداً في تصنيع هذا النوع من الطائرات. ويرى أن هذا التطور، كشف عن كيفية تجاوز البلدين الخلافات في العديد من الملفات، وإن بقيت بعض الأمور الخلافية بينهما التي ستجري تسويتها في المستقبل. وكانت "العربي الجديد"، قد أشارت في وقت سابق إلى أن التعاون العسكري، وإمداد مصر، بطائرات "بيرقدار"، ربما يفتح باباً واسعاً لعلاقات أقوى مع تركيا.
ولا يُلغي سعي تركيا وتبنيها زمام المبادرة وجود مصالح للقاهرة في هذا التقارب، في ظل توتر الأوضاع في المنطقة وحيوية الدور التركي في العديد من الملفات المهمة، وفي مقدمتها الملف الليبي، ناهيك عن أهمية دور تركيا في ملفات ثروات شرق المتوسط وتعيين الحدود البحرية، وكذلك أهمية التعاون الاقتصادي بين البلدين في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر.
ويُؤكّد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، أن التقارب المصري التركي يخدم مصالح البلدين بصورة متساوية. ويضيف الأشعل: في حين بادر الرئيس أردوغان بزيارة القاهرة قبل قيام الرئيس السيسي بزيارة لتركيا، فإن السيسي هو من بادر بالاتصال بالرئيس أردوغان خلال الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، وعرض دعم مصر لتركيا في تجاوز الأزمة، كذلك بادر وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة أنقرة قبل أن يردها جاووش أوغلو، ما يجب معه عدم التوقف طويلاً أمام مبادرة الرئيس أردوغان بزيارة القاهرة قبل قيام السيسي بزيارة مماثلة لتركيا، باعتبار ذلك أمراً بروتوكولياً أكثر.
عبد العظيبم حماد: التقارب سيفتح الباب لمشاريع واستثمارات مشتركة في استكشاف النفط والغاز
ويُشير الأشعل خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إلى الشق الاقتصادي في علاقات البلدين، مؤكداً حاجة تركيا لتعزيز وجودها في سوق مهمة كمصر تضم 110 ملايين نسمة، وكذلك تنشيط استثماراتها في مجالات عديدة مثل الغزل والنسيج والملابس والبتروكيمائيات، وهو أمر تشاطره إياها مصر التي تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، وتريد تنشيط صادراتها وتطوير التبادل التجاري مع تركيا.
ويُنبّه الأشعل إلى أن تركيا ترى مصلحة كبيرة في تحسين علاقاتها مع دول كبيرة ومحورية في المنطقة مثل مصر، في ظل تدهور الأوضاع في الإقليم واستمرار الحرب على غزة، في وقت يحتفظ البلدان بعلاقات وثيقة مع إسرائيل وهي علاقات يمكن توظيفها لوقف الحرب، في حين أن تركيا ستستفيد من التعاون مع مصر في ملفات ليبيا وشرق المتوسط، لاسيما أن مواقف القاهرة قد ابتعدت ولو بشكل محسوب عن التحالف مع قبرص واليونان، وهذا كان مثار ارتياح تركي ملحوظ.
وحول آفاق العلاقات بين البلدين في ضوء الزيارة المرتقبة، وتداعياتها على مجمل التطورات في المنطقة، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي عبد العظيم حماد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تطور علاقات البلدين يخدم مساعي الاستقرار بالمنطقة وفي ملفات عديدة منها ثروات شرق المتوسط، خصوصاً أن هذا التقارب سيفتح الباب لمشاريع واستثمارات مشتركة في استكشاف النفط والغاز في هذه البقعة المهمة، باعتبار أن التقارب مع مصر قد سبقته مساع تركية مع اليونان لتطبيع العلاقات، وحققت اختراقاً مهماً بشكل سيجعل التعاون هو الشعار الأقوى في منطقة شرق المتوسط خلال المرحلة القادمة.
ويلفت حماد إلى أن الوصول لتفاهمات في ما يتعلق بالملف الليبي، يبدو قريباً بين البلدين، ولكنه رغم أهميته لن يكون حاسماً في إعادة الاستقرار لليبيا، في ظل وجود مصالح إقليمية ودولية للعديد من القوى ذات النفوذ في الملف الليبي، الذي سيجعل التسوية في هذا البلد تحتاج لوقت طويل نسبياً، برأيه.
ويرى حماد أن زيارة أردوغان، حتى ولو عكست مبادرة تركية لاستعادة العلاقات مع مصر، تعد أمراً مهماً، حيث تبدو المنطقة بحاجة إليها، مثلما هي شديدة الأهمية للبلدين، لا سيما في ما يتعلق بالملف الفلسطيني في ظل وجود مساع لحسم مستقبل القضية الفلسطينية، واتساع نطاق المطالبات بإنشاء دولة فلسطينية، تمنع تكرار ما حدث للاحتلال في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بشكل يزيد من أهمية التقارب المصري التركي.