أذربيجان ـ أرمينيا: إغلاق طريق يُنذر بتجدد الحرب

27 ديسمبر 2022
متظاهر أرميني أمام القوات الروسية، السبت، في ستيباناكرت (دافيت غاهرامانيان/فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد التوترات في إقليم ناغورنو كاراباخ، المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، مهددة بانهيار وقف إطلاق النار الهش، الموقع في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، برعاية روسية. ويتعلق التصعيد الأخير باتهام يريفان لباكو بفرضها "حصاراً على 120 ألف أرميني في ناغورنو كاراباخ"، عبر إقفال ممرّ لاتشين، الرابط بين الإقليم والأراضي الأرمينية.

واتهم رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان روسيا، التي نشرت نحو 1960 جندياً في الإقليم كقوة لحفظ السلام، بعدم تنفيذ المهمة الموكلة إليها في الاتفاق، مشيراً خلال اجتماع لحكومته، الأسبوع الماضي، إلى أن المهمة مرتبطة "بالتحديد في منع مثل هذه الأفعال غير القانونية، وإبقاء ممر لاتشين تحت السيطرة على وجه الخصوص"، وهو ما دفعه إلى عدم المشاركة في اجتماع، كان يُفترض أن يكون ثلاثياً، في موسكو، الجمعة الماضي، ويجمع الأرمينيين مع الأذربيجانيين والروس.

وكان غرض الاجتماع، وفقاً لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، هو تحويل وقف إطلاق النار إلى معاهدة سلام بين يريفان وباكو، ودعا إلى التهدئة بين أرمينيا وأذربيجان خلال الاجتماع، الذي حضره نظيره الأذربيجاني جيهان بيراموف، قائلاً خلال مؤتمر صحافي: "من الضروري خفض التوتر في أسرع وقت ممكن".

وتبدو الأوضاع في غاية الصعوبة بين الطرفين، مع ارتفاع احتمالات تجدد الحرب بينهما، وما قد ينجم عنها من تدخلات سياسية تتجاوز العنصر الروسي المؤثر في جنوب القوقاز، في ظلّ الانتكاسات الروسية المتلاحقة في أوكرانيا، بعد أكثر من 10 أشهر على الحرب هناك. 

أرمينيا ممتعضة من روسيا

وأظهرت أرمينيا امتعاضاً واضحاً من الروس، لأسباب لا تتعلق فقط بممر لاتشين، بل أيضاً بفرض موسكو عليها اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ترك الأراضي التي سيطر عليها الأذربيجانيون في عهدة باكو. كما تزايدت الاشتباكات المتفرقة بين باكو ويريفان في الأشهر الأخيرة، خصوصاً في الفترة بين 12 سبتمبر/ أيلول الماضي و14 منه، والتي سقط فيها نحو 300 قتيل من الطرفين.


دانت باكو "الأنشطة المدمّرة" التي تمارسها يريفان والتي "لا تساهم في إعادة إرساء السلام في المنطقة"

وبُذلت جهود دبلوماسية لجمع الأرمينيين والأذربيجانيين على طاولة حوار، فالتقى باشينيان الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، في العاصمة التشيكية براغ، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في أول لقاء لـ"المجموعة السياسية الأوروبية"، وهو تجمّع أُنشئ على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتمّ الاتفاق على نشر بعثة أوروبية هدفها "بناء الثقة، والمساهمة بترسيم الحدود"، وفقاً لبيان صادر عن المجتمعين في براغ. وأضاف البيان أن "أرمينيا وافقت على تسهيل إنشاء البعثة، وأذربيجان وافقت على التعاون معها".

وكان من المقرر أن تستمر مهمة البعثة شهرين على الأكثر، قبل أن تطلب وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، في 6 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، تمديد مهمتها، وذلك لأن "التوترات بين أرمينيا وأذربيجان لم تهدأ لا على الحدود بينهما ولا في ناغورنو كاراباخ"، وأشارت إلى أن روسيا لم توفر الضمانات الأمنية الكافية في المنطقة.

بدوره، اعتبر رئيس "برنامج النظام الدولي والديمقراطية" في "المجلس الألماني للعلاقات الخارجية" ستيفان مايستر، في 6 ديسمبر أيضاً، أن "الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى أن يكون أكثر انخراطاً لمساعدة أرمينيا في الحفاظ على سيادتها، ودعمها في مسار الديمقراطية والإصلاح".

ورأى أنه "ينبغي على الاتحاد الأوروبي إرسال قوات حفظ سلام إلى ناغورنو كاراباخ، لتحل محل روسيا، التي لا يمكن لها منح شرعية دولية لأي اتفاق، عكس الاتحاد".

وفي الأشهر الأخيرة، بعد العقوبات التي فُرضت على روسيا على خلفية غزوها أوكرانيا، سعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إحياء مسار هش للسلام، لكن من دون جدوى. وأثار هذا التصعيد الجديد للتوترات بين أرمينيا وأذربيجان مخاوف جدية على الساحة الدولية.

احتجاجات ضد "الحصار"

في غضون ذلك، احتشد آلاف المتظاهرين، أول من أمس الأحد، في ستيباناكرت، المدينة الرئيسية في ناغورنو كاراباخ، احتجاجاً على إغلاق باكو محوراً حيوياً باتجاه يريفان، داعين المجتمع الدولي إلى "التحرك فوراً". وكُتب على رسم رفعته فتاة "افتحوا طريق الحياة'"، وعلى لافتة أخرى "تقرير المصير".

ورفع مشاركون في التجمّع الذي نُظّم في ساحة النهضة في وسط ستيباناكرت، أعلاماً أرمينية وانفصالية، وفق وكالة "فرانس برس"، وقد تقدّمهم قائد الانفصاليين في ناغورنو كاراباخ أراييك هاروتيونيان. وهتفت مشاركة في التجمّع: "تحرّكوا الآن من أجل مستقبلنا".


ندد متظاهرو الأحد بـ"الحصار المتعمّد لـ120 ألف شخص" في ناغورنو كاراباخ

بدورها، دعت المسؤولة المحلية المكلفة بملف حقوق الإنسان ماري أساتريان المجتمع الدولي إلى "التحرك فوراً" لدى باكو "في يوم الميلاد المقدس" لرفع "الحصار التام"، وقالت: "خلال 14 يوماً، لم يُسمح بدخول أطعمة أو أدوية أو محروقات أو أي منتجات حيوية" إلى الإقليم، وندّدت أمام الحشد بـ"جريمة ضد الإنسانية دبّرتها باكو من خلال هذا الحصار المتعمّد لـ120 ألف شخص"، مبدية أسفها لعدم "استجابة" المجتمع الدولي.

من جهتها، دانت وزارة الخارجية الأذربيجانية في بيان "الأنشطة المدمّرة" التي تمارسها أرمينيا والتي "لا تساهم في إعادة إرساء السلام في المنطقة". وجاء في البيان "لا تأكيد" على وجود "خطر أزمة إنسانية" وعلى أن "الأرمن تحت الحصار".

ومنذ نحو أسبوعين، يغلق ناشطون أذربيجانيون ممر لاتشين الذي يعدّ الطريق الوحيد الذي يربط إقليم ناغورنو كاراباخ الجبلي بأرمينيا، موضحين أنهم يحتجّون على الألغام غير القانونية في المنطقة.

وتتهم يريفان باكو بالسعي لافتعال "أزمة إنسانية"، الأمر الذي تنفيه أذربيجان مؤكدة أن التنقل ما زال ممكناً عبر هذا المحور. والجمعة الماضي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأذربيجاني إلى ضمان "حرية التنقّل" بين ناغورنو كاراباخ وأرمينيا.

واشتبكت أرمينيا وأذربيجان بين عامي 1988 و1994، في غضون تفكّك الاتحاد السوفييتي، من أجل السيطرة على ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة ذات أغلبية أرمينية انفصلت عن أذربيجان. وانتهى النزاع الذي أودى بحياة 30 ألف شخص، بانتصار الأرمن. غير أن حرباً ثانية اندلعت بين الطرفين في خريف عام 2020 أودت بحياة 6500 شخص وسمحت لباكو باستعادة جزء من الأراضي.

وصباح الأحد، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن من غير المخطط عقد لقاء ثلاثي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يسعى إلى أداء دور الوسيط، والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، على هامش قمة "رابطة الدول المستقلة"، التي بدأت أعمالها أمس الاثنين، وتنتهي اليوم الثلاثاء، في مدينة سانت بطرسبرغ، شمال غربي روسيا.
(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون