أبي أحمد في الخرطوم وسيطاً في الأزمة السودانية: مساعٍ لإبرام اتفاق نهائي

26 يناير 2023
تأتي المبادرة بعد أيام من مقترح مصري لجمع فرقاء الأزمة السودانية في القاهرة (Getty)
+ الخط -

دخلت إثيوبيا على خط الوساطات في الشأن السوداني، بعد وصول رئيس وزرائها أبي أحمد إلى الخرطوم، اليوم الخميس، للقاء عدد من أطراف الأزمة السياسية.

واستقبل أبي أحمد، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في مطار الخرطوم، قبل أن يدخلا في مباحثات تناولت العلاقات الثنائية بين الخرطوم وأديس أبابا، والمقترحات الإثيوبية لحل الأزمة.

البرهان: السودان وإثيوبيا على توافق

وأكد رئيس مجلس السيادة أن السودان وإثيوبيا متوافقان حول جميع قضايا سد النهضة الإثيوبي.

تأكيدات البرهان جاءت خلال جلسة مباحثات مشتركة بين الجانبين السوداني والإثيوبي، اليوم الخميس، في الخرطوم، ترأس فيها البرهان الجانب السوداني، بينما ترأس الجانب الإثيوبي رئيس الوزراء أبي أحمد.

ونقل بيان مجلس السيادة، الذي اطلع عليه "العربي الجديد"، أن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أكد من جانبه أن سد النهضة لن يسبب أي ضرر للسودان، بل سيعود عليه بالنفع في مجال الكهرباء، مبيناً أن السودان وإثيوبيا يزخران بكل عناصر التنمية والازدهار المتمثلة بالمياه والأرض والموارد البشرية، "ونحن كدول وحكومات يجب علينا المحافظة على العلاقات التاريخية بين البلدين"، مشيراً إلى أن قضية الحدود بين البلدين قديمة ويجب الرجوع إلى الوثائق لحلها.

وذكر البيان أن البرهان شدد أيضاً خلال المباحثات على ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين السودان وإثيوبيا في القضايا الثنائية إقليمياً ودولياً. وفي ما يتعلق بقضية الحدود بين البلدين، أوضح البرهان أن الوثائق والآليات الفنية والحوار تمثل المرجعية الأساسية في هذا الشأن.

وفي عام 2020، شهدت العلاقات السودانية الإثيوبية توترات مستمرة على الشريط الحدودي بسبب النزاع على منطقة الفشقة، حيث نفّذ الجيش السوداني عمليات عسكرية حرر بموجبها 90 بالمائة من أراضي المنطقة التي ظلت واقعة تحت السيطرة الإثيوبية منذ عام 1995. كذلك تزايدت الخلافات بين الخرطوم وأديس أبابا بسبب ملف سد النهضة الإثيوبي، إذ تطالب الخرطوم باتفاق ثلاثي بين السودان وإثيوبيا ومصر حول ملء وتشغيل السد تجاوزاً لأية أضرار يمكن أن يحدثها السد على الدولتين، مصر والسودان.

وأشار بيان مجلس السيادة إلى أن عبد الفتاح البرهان أطلع رئيس الوزراء الإثيوبي على تطورات الأوضاع السياسية في البلاد والجهود المبذولة لتجاوز الأزمة الراهنة، مشيداً بتجربة السلام في إقليم تيغراي الإثيوبي، ووصفها بـ"المشرّفة" وبأنها تدعم الاستقرار في إثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي إن الغرض من زيارته، اليوم، هو "إظهار التضامن مع السودان والوقوف معه في هذه المرحلة الهامة في مسيرته السياسية"، داعياً إلى الاستفادة من تجربة الحرب في البلدين التي أدت إلى انفصال الجنوب في السودان، ونتائج حرب تيغراي في إثيوبيا، واللجوء إلى الحوار في القضايا الداخلية كافة، مشيراً إلى أن هناك لقاءات سيجريها خلال زيارته الحالية، لكنه لن يقدم مقترحات جديدة، ويثق بقدرة السودانيين على تجاوز قضاياهم السياسية.

وساطة داخلية

ويُعيد التحرك الإثيوبي للأذهان تحركات مماثلة أجراها أبي أحمد في عام 2019، كانت قد انتهت بتوقيع العسكر والمدنيين إعلاناً سياسياً ووثيقة دستورية حكمت البلاد، قبل أن ينقلب الجنرال عبد الفتاح البرهان عليها في 25 أكتوبر/ تشرين الأول.

ويسعى أبي أحمد، وفقاً لمصادر "العربي الجديد"، للجمع بين التحالفين في اجتماعات مباشرة لإنهاء الخلاف، وإكمال ما بقي من قضايا عالقة في الاتفاق النهائي.

والتقى رئيس الوزراء الإثيوبي، في هذا الإطار، وفداً من قوى إعلان الحرية والتغيير برئاسة فضل الله برمة ناصر، رئيس حزب الأمة القومي. وأوضح الواثق البرير، في تصريح صحافي، أن اللقاء تناول ضرورة دعم الحوار السوداني-السوداني دون أي تدخلات خارجية من أي جهة، بجانب دعم العملية السياسية الجارية حالياً.

وأضاف البرير أن رئيس الوزراء الإثيوبي دعا إلى الإسراع في إكمال العملية السياسية لإخراج السودان من الأزمة، مرحّباً بالزيارة المرتقبة لوفد الحرية والتغيير لدولة إثيوبيا.

وإلى جانب تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، التقى أحمد تحالفَ الحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية. والتحالف الأخير من أبرز الكتل الرافضة للاتفاق الإطاري الموقّع في الخامس من ديسمبر الماضي.

وعقب لقاء مع وفدي الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية والقوى الوطنية، قال الأمين العام لقوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية جبريل إبراهيم، إن الاجتماع تناول الوضع السياسي الراهن بالسودان، مؤكداً أن الوفد نقل له رغبة الكتلة الديمقراطية في تحقيق وفاق وطني شامل لا يقصي أحداً.

وأضاف أن الوفد قدم شرحاً مفصلاً لموقفه من الاتفاق الإطاري، مبيّناً أن الكتلة ترى أن هذا الاتفاق لا يمكن أن يحقق الوفاق الوطني المنشود، لذلك فإن أي حكومة يتم تشكيلها بموجبه "لن تصمد طويلا ولا مستقبل لها". 

ونقل جبريل إبراهيم عن رئيس الوزراء الإثيوبي تأكيده أن الحلول ليست في يد الخارج وإنما عند أهل السودان، لذلك ينبغي لهم توحيد أنفسهم من أجل تحقيق الوفاق الوطني الشامل، وأنه أبدى استعداد بلاده للمساعدة في تقديم كل ما من شأنه تحقيق وفاق وطني سوداني سوداني خالص.

وشملت لقاءات أبي أحمد تحالف الجبهة الثورية الذي يضم عدداً من الحركات المسلحة، وقوى التراضي الوطني ومجموعات أخرى، عدا وفد من الآلية الثلاثية التي تضم الاتحاد الأفريقي و"إيغاد" والأمم المتحدة. وأوضح رئيس الآلية فولكر بيرتيس، في تصريح صحافي، أن الوفد أطلع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على موقف الآلية الثلاثية المسهّل للحوار والمحادثات الجارية لدعم العملية السياسية في السودان، وأن رئيس الوزراء الإثيوبي أكد دعمه ودعم بلاده الكامل للعملية السياسية وللاتفاق الإطاري، حتى ينعم السودان بالاستقرار، مؤكداً مواصلة متابعته لسير تنفيذ الاتفاق وصولاً لسلام دائم وشامل. 

وتأتي المبادرة بعد أيام من مقترح مصري لجمع فرقاء الأزمة السودانية في القاهرة، وهو المقترح الذي رفض تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير التعاطي معه، لأنه يعود بالعملية السياسية إلى النقطة الصفر ويجمع المقترح عناصر الثورة المضادة.

يقول المحلل السياسي أمين مجذوب، إن هناك تصاعداً في الاهتمام بالشأن السوداني لقرب التوصل إلى اتفاق نهائي، وإن تدخّل إثيوبيا وقبله تدخّل مصر يأتي في سياق بحث البلدين عن مصالحهما، إلا أن الدولتين تأخرتا جداً بعد أن مضت أطراف أخرى بعيداً بعملية التسوية السياسية وبرعاية الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي سيعمل على تأييد العملية الحالية والتقريب بين الأطراف الرئيسية، والحيلولة دون إشراك جهات ذات ارتباط بمصر، وربما أراد من الزيارة الاطمئنان أكثر على الترشيحات لرئيس الوزراء المقبل.

ودعا مجذوب، في حديث لـ"العربي الجديد"، الأطراف السودانية الحالية، إلى استغلال الصراعات الإقليمية لتحقيق مصالح السودان العليا، كما دعا إلى الحد من التنافس الإقليمي الذي من الوارد أن يكون له تأثير على تماسك الدولة السودانية.

وكان وفد من قوى إعلان الحرية والتغيير قد التقى في زيارته لجوبا الرئيس سلفاكير ميارديت، وأبلغه بالخطوات التي تمت في العملية السياسية الهادفة إلى استرداد مسار الانتقال المدني الديمقراطي ووصولها إلى مرحلتها النهائية. ونقل بيان من الحرية والتغيير عن سلفاكير ترحيبه بتوقيع الاتفاق الإطاري، مؤكداً دعمه الكامل للعملية السياسية، وواضعاً خبرات وإمكانات حكومة دولة جنوب السودان للمساهمة في استقرار السودان وتحقيق تطلعات شعبه.

المساهمون