آخره مجزرة رفح.. تعامل أميركي رخو مع بطش إسرائيل الممنهج

29 مايو 2024
فلسطينيون متأثرون بعد مجزرة رفح، 28 مايو 2024 (الأناضول)
+ الخط -

في أول رد لها على مجزرة رفح جنوبي قطاع غزة، قالت وزارة الخارجية الأميركية، أمس الثلاثاء، إنها تنتظر التحقيق الذي وعدت به إسرائيل قبل أن تبني على الشيء مقتضاه. واكب ذلك تكرار معزوفة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وأنه لا دليل حتى الآن على أن انتهاكاتها في الحرب على غزة تندرج في خانة "الإبادة". كما أكدت الوزارة وأيضاً البيت الأبيض، بأن العملية العسكرية الجارية في رفح ما زالت "محدودة"، وبالتالي فإن إسرائيل "لم تتجاوز بعد الخط الأحمر" الذي رسمه الرئيس جو بايدن.

وعند السؤال عن هذا الخط وحدوده، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، إنه "ليس هناك مقياس حسابي" لتحديده. يعني أنه مفتوح بحيث يبقى قابلاً للمطّ والقولبة وفق ما تقتضيه ظروف العملية العسكرية الإسرائيلية. ومع أن مجزرة رفح ليست الأولى وأن التفسير الذي قدمته إسرائيل مفبرك ومفضوح (زعمت أن الحريق الذي اندلع في المخيم وتسبب باستشهاد 45 فلسطينيا تفصله مسافة 1700 متر عن مكان انفجار القذيفة الإسرائيلية)، إلا أن الإدارة الأميركية تصرّ على وجوب ترك الأمر لإسرائيل "بما هو بلد ديمقراطي لدية أجهزته القضائية" التي تتكفل بتبيان حقيقة ما حصل وتحديد المسؤولية ولو أن ذلك "سيأخذ بعض الوقت". وكأن التحقيقات التي أجرتها إسرائيل في السابق عن انتهاكاتها سواء في الضفة أو غزة، انتهت إلى نتائج مقبولة ناهيك عن محاسبات مستحقة. 

وبانتظار التحقيق في مجزرة رفح، اكتفت الخارجية الأميركية بالتعبير عن "القلق" وبتصنيف مجزرة رفح بأنها كانت "مفجعة "، مع التشديد على مطالبة إسرائيل بالمزيد من التسهيلات لتمرير المعونات الإنسانية إلى داخل القطاع، وبذل المطلوب من الجهود "لحماية المدنيين" من دون أن تأتي على ذكر حوالي مليون منهم أجبرتهم إسرائيل على النزوح من المدينة خلافا لما تعهدت به الإدارة في لاءاتها الخمس التي أعلنتها في بدايات الحرب، بأنها لن تسمح بفرض أي نزوح قسري على سكان غزة. لكن يبدو أن مثل هذا التعهد سقط بتقادم الزمن. كما سقطت تحذيرات الإدارة من العواقب لو واصلت إسرائيل تماديها في استهداف المدنيين.

في الرابع من إبريل/نيسان الفائت، ربط الرئيس بايدن "استمرار الدعم" لإسرائيل بمدى "حمايتها للمدنيين". بعد ذلك بيوم، كان وزير الخارجية أنتوني بلينكن أكثر تشددا ووضوحا حين هدد إسرائيل "بتغيير سياسة" الإدارة تجاه الحرب، أو في أقله "وضع قيود على استخدام الأسلحة الأميركية" لو هي بقيت على تعاملها غير المقبول مع المدنيين في غزة.

كل هذا التلويح الذي صار كاللازمة في خطاب الإدارة منذ الأيام الأولى للحرب، تبخّر. لم يُترجم منه شيء على الأرض سوى خطوات رمزية ومؤقتة، مثل فرض عقوبات على ثلاثة مستوطنين في الضفة تمادوا في عدوانيتهم على الفلسطينيين، أو وقف تسليم إسرائيل مؤخرا لقنابل الألفي باوند والتي لا تقدم أو تؤخر في حرب غزة، مع الاستمرار في تزويدها بكافة أنواع الأسلحة الأخرى التي تحتاجها.

هذه الازدواجية والرخاوة، يحمّلها مراقبون ومنهم مقربون من البيت الأبيض، مسؤولية تمكين نتنياهو بحيث صار يتفرّد وإلى حدّ بعيد، بإدارة الحرب ووضعها في مسارات تخدم حساباته الاستراتيجية والسياسية والشخصية. منها ما له علاقة بالانتخابات الأميركية، بحيث ترتد تطورات الحرب سلبا على حملة الرئيس الانتخابية من خلال وضعه في مواقف ضعيفة تزيد من توسيع الشرخ بينه وبين شريحة واسعة من قاعدته الانتخابية. الأبعد من ذلك، أنه يدير الحرب بصورة تعيد التذكير بمحاولات حكومته في الأشهر الأولى من الحرب، لتهجير سكان غزة إلى سيناء والتي قيل آنذاك إن الإدارة أبدت "تعاطفا" في البداية مع الفكرة ولم تتراجع إلا بعد بعد الرفض المصري والأردني القاطع لها.

ما يستدعي استحضار هذا السيناريو الآن أن الحكومة الإسرائيلية تدفع باتجاه مفاقمة حرب التجويع معطوفة على رفع وتيرة استهداف المدنيين بطرق وذرائع شتى كما حصل الأحد الماضي في مجزرة رفح من خلال استهداف مخيم النازحين القريب من المدينة، والذي يفترض أن يكون آمنا بحكم وجوده في رقعة متفق على تحييدها عن العمليات العسكرية.

في بعض القراءات أن هذا الانفلات يعكس تخبط الحكومة الإسرائيلية بسبب تعثر حملتها العسكرية. لكن ليس من المستبعد أن يكون في ذلك محاولة للعودة إلى سيناريو تفريغ القطاع من خلال خلق واقع عنيد على الأرض يجعل من البقاء فيه اشبه بالمستحيل. وربما لهذا السبب يرفض نتنياهو عرض خطة لليوم التالي للحرب، باعتقاده أن على إسرائيل أن تحول دون مجيء ذلك اليوم. وما يثير الخشية أن الإدارة الأميركية تتعامل مع قضايا التجويع وعرقلة وصول المعونات واستهداف المدنيين، بالقطعة والترقيع، في حين تبدو إسرائيل وكأنها تتوسل المدنيين والتجويع كأدوات لترجمة سياسة التفريغ.

المساهمون